مسقط-أثير
تشكل الرضاعة الطبيعية تشكل مصدرا مهما لتغذية الطفل حتى بلوغه عامين من العمر. ولقد تبنت وزارة الصحة السياسة الوطنية في السلطنة لتغذية الرضع وصغار الاطفال؛ التي تتمثل في تشجيع الأم على تغذية طفلها رضاعة طبيعية خالصة، وهي حليب الام فقط، من غير إضافة ماء او عصير وغيره لمدة ستة أشهر الأولى من حياته، والاستمرار بالرضاعة الطبيعية لمدة سنتين مع ادخال الاطعمة المكملة تدريجيا في نهاية الشهر السادس.
وقد أشارت إحصائيات بلدان إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط إلى أن معدلات الإرضاع المقتصر على الثدي منخفضة، حيث لا يرضع سوى 40% أو أقل من الرضّع تحت عمر ستة أشهر في بلدان الإقليم.
وبالرغم من الجهود التي تبذل في توعية المجتمع في السلطنة لأهمية الرضاعة الطبيعية خلال العام الاول والثاني من حياة الطفل، إلا أن إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى تراجع واضح وبشكل تدريجي لنسبة الرضع الذين اعتمدوا على حليب الأم فقط (اي رضاعة طبيعية خالصة) خلال الستة أشهر من أعمارهم، حيث بلغت هذه النسبة 31.3% في عام 2005 وتراجعت الى حوالي 10% في عام 2016 .
ولا بد من الاشارة إلى أن القرآن الكريم حدد مدة الرضاعة التامة لكل مولود، ذكراً كان أم أُنثى لمدة عامين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة؛ لما تحمله عملية الرضاعة الطبيعية من فوائد نفسية وبيولوجية يعود أثرها على الطفل، حيث تم تحديد هذه المدة بأسلوب بلغ الغاية في الدقة والإيضاح.
وقالت الدكتورة سلوى جبار الشهابي اختصاصية في طب المجتمع بالمديرية العامة للرعاية الصحية الاولية بأن للرضاعة الطبيعية تأثيرا بشكل إيجابي على الحالة النفسية للطفل، حيث يشير العلماء الى ان اشباع الاحتياجات النفسية للطفل منذ بدايات مرحلة الطفولة المبكرة (التي تمتد من الميلاد حتى ست سنوات) من عدمه يؤثر على شخصية الانسان في المستقبل، حيث ان كثيراً من الاضطرابات الشخصية ومشاكل الانسان في حياته وعلاقاته وعمله تعود بشكل كبير الى فترة مبكرة جدا من حياته .
ففي بداية هذه المرحلة يتعرض الطفل الى صدمة الميلاد، حيث ينتقل من الرحم الى الدنيا، من مكان هادئ مستقر كانت فيه احتياجاته تُلبىَ بدون أن يطلب إلى مكان مليء بالصخب يشعر فيه بالجوع والعطش والبرد والحر والألم والقبول والرفض. والاحتياج النفسي الأساسي للطفل في هذه المرحلة هو القبول غير المشروط، أي أن يقبل رغم ضعفه وعجزه عن فعل اي شيء، ويتم تلبية هذا الاحتياج من خلال توفير جو هادئ في المنزل، واحتضان الطفل والتربيت عليه، وليس هناك أفضل من احتضان الأم لطفلها اثناء الرضاعة الطبيعية في هذه الفترة الحرجة من حياته، والاستمرار بها لغاية العامين من عمره . فاذا حصل الطفل على الحنان وشعر بالقبول فإن ذلك سيدعم ثقته بنفسه، وتعزيز مهاراته في استكشاف المحيط الذي حوله، وإقامة علاقات ايجابية مع الاخرين، كما سيعطيه بإذن الله القدرة في المستقبل على تحمل غياب الأمان في البيئة الخارجية، وسيكون أكثر قدرة على تحمل احباطات الحياة والتفاؤل أن الامور ستكون أفضل.
ان إرضاع الأم لولدها ليست مجرد تقديم غذاء “مادي” للطفل، بل إنه عملية تفاعل روحي بين الأم والطفل، وهو أيضا ترابط من الجانب الإنساني الذي يتجسد في تكريم هذه المرأة من قبل طفلها التي أرضعته وغذته بلبنها، وتكوّن جسمه من جسمها، وتكونت مبادئ شخصيته الإنسانية الأولى من شخصيتها بعد ارتباطه عاطفيا بها، أي أنه جزء منها في الجانبين الجسدي والنفسي، كما أنه جزء من أُمه التي حملته.
ولكي تستطيع الاسرة تلبية هذه الاحتياجات المهمة للطفل فإن على المرأة والرجل التفكير بشكل سليم وعملي؛ من أجل ضمان حق الطفل في الحصول على ما يجعله عنصر نافع داخل الاسرة والمجتمع. ويعتبر التخطيط الاسري من خلال استخدام إحدى وسائل مباعدة الأحمال الآمنة ولمدة عامين مهم جدا؛ لأنه يتيح للمرأة الفرصة لإتمام فترة الرضاعة الطبيعية، كما يعطي الزوجين الوقت الكافي للإشراف على تربية الطفل في هذه المرحلة المهمة من حياته.
ولا بد من التنويه الى ان الرضاعة الطبيعية هي احدى الوسائل الطبيعية لمنع الحمل، ولكن نجاحها يعتمد على أن يكون الطفل أقل من 6 اشهر، وأن ترضع الأم طفلها حسب رغبته بما لا يقل عن 10-12 مرة خلال الاسابيع الاولى من ولادته، ومن ثم 8-10 مرات يوميا، وكذلك عدم إدخال أي من الاطعمة المكملة كغذاء للطفل خلال هذه المدة بما فيها السوائل.
ومن المهم ان المرأة لا تستعيد دورتها الشهرية خلال هذه الاشهر الستة. ولهذا ننصح باستخدام احدى الوسائل التي تناسب الوضع الصحي والنفسي للمرأة، فيمكن ان تستشير زوجها ليكون القرار مشترك بين الزوجين في الحفاظ على صحة الطفل والأم المرضع في آن واحد.
ان انجاح الرضاعة الطبيعة لا يعتمد على الام فقط بل هو مسؤولية الزوج والاهل وكل افراد المجتمع بمختلف المستويات؛ لان الرضاعة الطبيعية في النهاية ستسهم في انشاء جيل صحيح الجسد والعقل،،، ولتكون الحياة جميلة لنساعد الانسان في بداية حياته ان يتمتع بحقه في جو عائلي مستقر ورعاية طيبة وغذاء امثل ولا افضل مما رزقه الله في حليب امه.