فضاءات

د. عبدالله باحجاج يكتب: أبو سعيد .. وحكمة صمته وصرخته.

د. عبدالله باحجاج يكتب: أبو سعيد .. وحكمة صمته وصرخته.
د. عبدالله باحجاج يكتب: أبو سعيد .. وحكمة صمته وصرخته. د. عبدالله باحجاج يكتب: أبو سعيد .. وحكمة صمته وصرخته.

أثير
عبدالله باحجاج
د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج

د.عبدالله باحجاج يكتب: قضية المضابي في ظفار ..تفتح ملف دور المجلس البلدي ، وإشكالات تحجيمه في ضوء آخر انكشافاتها
د.عبدالله باحجاج يكتب: قضية المضابي في ظفار ..تفتح ملف دور المجلس البلدي ، وإشكالات تحجيمه في ضوء آخر انكشافاتها د.عبدالله باحجاج يكتب: قضية المضابي في ظفار ..تفتح ملف دور المجلس البلدي ، وإشكالات تحجيمه في ضوء آخر انكشافاتها


منذ أن شاهدته في الطائرة التي تقلنا من مطار مسقط  الدولي إلى مطار الكويت ، وقد لفت انتباهي بشخصيته العمانية المميزة ” هوية  وسلوكا ” منذ الوهلة الاولى ينطق بالصفة العمانية ، فالشخصية العمانية لها ملامح محددة ، تعرفها دون غيرها في أية أزمنة وامكنة ، وكل صفات الشخصية العمانية ، يحملها معه ابو سعيد ،وهو يوشك ركوب الطائرة ، كامتداد طبيعي للإرث العماني .

لم يتبادر الى ذهني انه سيحضر معنا مؤتمر علاقات عمان بدول المحيط الهندي والخليج الذي اختتم اعماله يوم الاربعاء الماضي في دولة الكويت الشقيقة ، مرافقا لابنته الباحثة رنا التي قدمت ورقة قيمة جدا بعنوان الدور السياسي لشركة الهند الشرقية الانجليزية في عمان (1783- 1823م ) .

كان لافتا وملفتا ، بصفات شخصيته  العمانية ، في صمته ، وفي احاديثه معنا ، في المطار وفي الفندق ، وكان في هاتين الثنائيتين ، الصمت الغالب ، والحديث النادر ، يجسد العقلانية والتبصر في الشخصية العمانية ، واهم ما كنت أرصد فيه ، حكمته في الأشياء قبل قولها أو رفضها .

  • أبوسعيد .. وحكمة صمته .

أبوسعيد .. وحكمة صمته .

 في اغلب المنصات الفكرية ونقاشاتها وحواراتها ، كان مستمعا ، يغلب على وجوده الدائم الصمت ، رغم وجود شخصيته  كعلامة فارقة في المكان ، تستدعيها  عملية الغوص في الذاكرة العمانية ، من حيث تجسيده للشخصية العمانية الأصيلة ، وتمسكه بإرث بلاده القديم ، وصمته  الغالب على شخصيته ، ودرجة انصاته العميق ، ومستويات تركيزه الدقيقة ، كلها كانت مؤشرات لم تجعلنا نغرق في دوره المرافق لابنته في هذا المؤتمر ، ومن حسن حظنا ، أننا كنا معه متلازمين أكثر من الغير ، وكانت درجة اقترابنا به الى درجة أننا كونا علاقة فكر مشتركة في إطار زمني قصير جدا ، اكتشفنا فيها الرجل ، فكرا ، ووجدانا  ، ووجدنا فيه أنه يحمل هم الوطن بأكمله ، في تاريخه ، وحاضره ، ومستقبله ، وجدنا فيه ، مدافعا عن تاريخية الدولة العمانية ، ومتشبثا بالمتحقق المعاصر منها ، دون اسقاط استحقاقاتها التاريخية ، خاصة عندما يتم الحديث عن الدولة العمانية التاريخية في حقبها الزمنية خلال القرون (17،18،19 ).

فمثلا ، لم يكن يتمالك نفسه عند ذكر المآلات الحديثة لجغرافيتنا السياسية ، مرددا مع نفسه وبصوت يكاد أن يسمعه من يكون عن يمنيه ويساره ، أكثر من مرتين مفردة ” شمال عمان ” عوضا عن التسليم بالكيان السياسي الجديد الذي اقتطع من جغرافيتنا التاريخية في بداية السبعينيات ، ووددت لو خرجت صرخته من الخاص جدا الى العام ، لموضوعية منطقه ، فخلال القرون (17، 18 ، 19) لم يكن هذا الكيان السياسي قائما ، فكيف تغرق أوراق بعض الزملاء من الكيان نفسه في هذا المسمى الحديث ؟ ومع ذلك فقد كانت حكمته تفضل الصمت العام ، مكتفيا بتسجيل موقفه على الخاص جدا ، رغم انه يملك كل القدرات في التعبير عنه – بلاغة وحججا – .

  • ابو سعيد .. وحكمة خروجه عن الصمت .

ابو سعيد .. وحكمة خروجه عن الصمت .

لم نتفاجأ بخروجه عن حكمة صمته في آخر يوم من ايام المؤتمر ، وحتى خروجه عن حكمة الصمت ، كان وراءه الحكمة نفسها ، فارتفع صوته لأول مرة ، مدويا في القاعة،  معترضا على بعض المفردات التي تصف حالة الانصهار والاندماج المجتمعي في بلادنا ، فقد رفض إطلاق صفة التعايش المشترك على الحالة العمانية ، معطيا وصف العيش المشترك ، كمفهوم دقيق يعبر عن الحالة العمانية الاستثنائية ، زمنا ومكانا ، إنه تدخل يمثل قمة وعي هذه الشخصية وحساسيتها بالتاريخ والمفردات السياسية المتداولة .

وقد وقفت مع العم ابو سعيد في رؤيته بالمفردتين ، وإحساسه بهما ، دلالة ، وتطبيقا ، رغم ان استاذ التاريخ في جامعة السلطان قابوس ، الدكتور سعيد الهاشمي رئيس جلسة محور التاريخ السياسي لم يتح لـ “أبو سعيد” الوقت الكافي لشرح فكرته ،  وهذا ما يجعلنا الان ننقل الجدال حولهما اي المفردتين ومسار تطبيقاهما عبر هذا المنبر ، بهدف تصحيح المفاهيم من جهة وتصويب استخدامهما في أدبياتنا السياسية والإعلامية والاجتماعية .

وذلك حتى نعلي من حجم الفارق المكوكي بين التأسيسات والتأطيرات الذهنية والمجتمعية وانعكاساتها على ماهية وطبيعة الحياة في بلادنا، وبين ما هو سائد في الخارج ، فبالتالي ، ينبغي العلم بهذا الفارق حتى يظل تميز بلادنا في مجال قبول التعدد والتنوع من مفهومه الحضاري وليس السياسي .

  • العيش المشترك . والتعايش المشترك .

العيش المشترك . والتعايش المشترك .

الكثير من الكتابات المحلية ، والخطابات الرسمية ، لا تفرق بين المفردتين من حيث دلالتهما السياسية والاجتماعية ، وكذلك من حيث عمقهما التاريخي والحضاري ، لذلك ، تستورد من الخارج ، مفهوم التعايش المشترك ، لتوصيف حالتنا العمانية على غرار ما هو سائد في الخارج .

وهذا تبدو لنا الآن كبرى المفارقات ، فالتعايش هو في حد ذاته ، مشروع سياسي لصناعة العيش المشترك بين الكيانات والجماعات المختلفة دينيا ومذهبيا وثقافيا وعرقيا… وقد يكون داخل الدولة الواحدة أو بين دول ، وقد أصبح هذا المشروع السياسي ترفعه الآن الدول التي كانت تقصي الآخر بسبب هذا التنوع والتعدد ، أما في بلادنا ، فإن التعايش المشترك لم يكن مطروحا أصلا .

فقد انتجت حضارتنا العمانية حق العيش المشترك للكل كبديهية تلقائية ، رسخ من خلالها القبول العام بالتعدد والتنوع ، مما يصبح الان العيش المشترك بين كل مكونات المجتمع العماني وبناه الفوقية ، كحق له قيمة عظيمة ، يحظى بالقبول العام ، على عكس محيطنا الإقليمي – أغلبه – الذي يرفع مشروع التعايش لتأسيس حق العيش المشترك ، بعدما اكتشف أخطاءه التاريخية في رفض الآخرين بسبب تعدد وتنوع مكوناته الاجتماعية والبنى الفوقية .

وتسليمنا بتأصيل حق العيش المشترك في بلادنا ، يمكننا أن ندلل عليه بالكثير من الاستدلالات من واقع الحضارة العمانية ، وممارساتها التاريخية في القرون (17, 18, 19 ) التي انفتحت على محيطها الإقليمي من منظور مصلحتها الاقتصادية .

وقد وثقت لنا ذلك الكثير من الأوراق التي قدمت في مؤتمر علاقات عمان بدول المحيط الهندي والخليج – بعربه وفرسه – حيث بينت لنا حركة انتقال الديموغرافية العمانية عبر دول المحيط الهندي والخليج ، واستيطانها ، والعكس صحيح ، وحالات المصاهرة الفردية والسياسية التي حدثت طوال تلكم القرون ، ويمكننا أن نجد هذه الاستدلالات على سبيل المثال في أوراق ” الامبراطورية العمانية :ريادة وصلات تاريخية كبيرة مع الحضارات القديمة 1880- 11910م للدكتور السوداني ضرار محمد المولى ، وورقة العلاقات السياسية بين عمان وبلاد فارس في عهد الامام أحمد بن سعيد 1744- 1782م ، للدكتور محمد بن احمد الشعيلي ، وورقة النشاط التجاري بين عمان وساحل بلوشستان واثره على الحياة الاجتماعية 1804- 1888م ،للباحثة العمانية فاطمة بنت سالم البلوشية ، وورقة استكشاف شبكة التبادل التجاري : مسقط وكاتش وبومباي ،للدكتورة الهندية تشايا غواسومى ، وورقة العلاقات الاقتصادية بين عمان وبلاد فارس 1792- 1856م – للباحثة العمانية نجية بنت محمد السيابية ، وورقة العلاقات الملاحية والمعرفية بين عمان وحضرموت في القرن 19م للباحث اليمني محمد علوي باهارون ..الخ.

ومن عنوانين تلكم الأوراق ، يتبين لنا ، حركة ونوعية الديموغرافيات الاقليمية نحو بلادنا منذ تلك القرون ، واطلاعنا على مضامينها ، قد وضعتنا أمام البعد التاريخي للواقع الديموغرافي في بلادنا ، بحيث تصبح ديموغرافتنا المعاصرة نسيجا متعددا من مكونات الديموغرافيا  المحلية المتجذرة – الغالبة – والاقليمية الطارئة – عربها وفرسها وهنودها – .

من هنا فقد أصبح العيش المشترك لهذا التعدد والتنوع ، مسلمة من مسلمات واقعنا المعاصر ، تمارس أنشطتها المختلفة ومعتقداتها الخاصة وفق مفاهيمها وقيمها ، كحق طبيعي كونهم بشر ، وكون التباين في الرؤى الفكرية والسلوكية سنة الكون في البشر .

  • ديمومة العيش المشترك في بلادنا .

ديمومة العيش المشترك في بلادنا .

من خلال ما تقدم ، يعني أن التعايش المشترك كمفهوم ، وبصيغته السياسية ، لم تشهده حالتنا العمانية قديما / حديثا ، وبالتالي ، فإن ما يحدث حاليا من تناغم وتلاقي في العيش المشترك للتعدد والتنوع العُماني نجد جذوره ، وتأصيلاته من التجربة العمانية القديمة ، والإبداع الذي يحسب لفكرنا السياسي المعاصر ، يكمن في إدارتنا السياسية لاستمرارية العيش المشترك ، وضمانته لكل المكونات دون جنوح أو طغيان ، بعضهما على البعض ، أو الزعم بالاستفراد أو الحقانية المطلقة ، مع ترك مساحة للعقل لكي يحكم الاستمرارية الفردية أو تحولها ، وفق قناعاتها الذاتية دون أية إكراهات .

من هنا ، نضع حساسية الوالد ابو سعيد  من مفهومي العيش المشترك أو التعايش المشترك في سياق هذا الفهم ، ومنطلقاته التاريخية ، والفروقات السياسية والاجتماعية التي يحملها كل مفهوم في ذاته ، وهذا الفهم يؤصل واقعنا المعاصر من منظور تاريخي متجذر ، كما أشرنا الى ذلك سابقا .

لن نقلق على استمرارية عيشنا المشترك ، سواء من الاستهدافات الخارجية أو من بعض الأهواء المتقلبة الداخلية ، لأنه بناء تراكمي ، مؤسس على الثبات وليس على المتغير ، وستظل الرهانات الفردية والاجتماعية قبل المؤسساتية الرسمية بما فيها الأمنية ضمانة مؤكدة لهذه  الاستمرارية ، فشكرا جزيلا للعم ابو سعيد الشيخ  حمدان بن سيف الضوياني الذي جعلتنا صرخته في المؤتمر نفتح هذا الملف المهم جدا ، من منظور تاريخي وتبيان تقنيانه وديمومته المعاصرة .

  • التحول في خطابنا الإعلامي والثقافي .

التحول في خطابنا الإعلامي والثقافي .

هل ستتغير لغة إعلامنا وخطابنا الثقافي والفكري حول مفهومي العيش المشترك ، والتعايش المشترك ، أم ستظل تردد المفاهيم كما هي سائدة في الخارج ؟ نتمنى صراحة استخدام  مفردة العيش المشترك عوضا عن التعايش المشترك في إعلامنا وكل خطاباتنا بعد أن أوضحنا التوصيف الأنسب لحالتنا العمانية ، وبينا الفرق الكبير – شكلا وجوهرا – بينها وبين الخارج .

Your Page Title