صفحة المستهلك: تنشرها “أثير” بالتعاون مع الهيئة العامة لحماية المستهلك
يُمثلّ الأطفال مستقبل أي مجتمع؛ فهم سيكونون شباب الغد وقوته وفتوته، لذا فإن غرس القيم الصحيحة فيهم منذ نعومة أظفارهم ستُجنى ثماره لاحقًا بشكل ملموس وواضح. وتُعدّ الثقافة الاستهلاكية قيمة كبيرة ينبغي على المجتمع أن يغرسها في نفوس النشء بكل الوسائل الممكنة؛ لأهمية ذلك في إيجاد جيلٍ واعٍ استهلاكيًا يسهم في الحد من الظواهر السلبية في هذا الجانب. وكونها الجهة المعنية بما يتعلق بالمستهلكين فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك لا تألو جهدا في الوصول إلى المستهلك الصغير وتثقيفه، لكن ذلك لا يتأتى إلا بتظافر جهود المجتمع ومؤسساته وأفراده لتعزيز هذا الجانب. و صفحة (المستهلك) لهذا الأسبوع تسلط الضوء على دور المجتمع في غرس القيم الاستهلاكية لدى الأطفال من خلال آراء مختصين واستعراض نماذج واقعية.
في البداية يقول حمد بن سليمان المعولي مشرف أول تربية إسلامية في وزارة التربية والتعليم ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية بأن الله أمر الإنسان بتناول الطيبات: “كلوا من طيبات ما رزقناكم”، وحذره من سلوك البعض في الاستهلاك وهم الذين: “يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام” بلا ضوابط ولا مراعاة لحرمات الله تعالى. كما حث على ترشيد الاستهلاك: “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما”. ويوضح المعولي بأن غرس هذه القيم في نفوس أطفالنا يتأتى بعدة أمور أرشدنا إليها الدين العظيم ومنها: عبر الجانب العاطفي في نفس الطفل وتنميته وتهذيبه، فحينما ينمو في نفسه حب الله تعالى، تجده يحب ما يحبه الله، والعكس كذلك، ومن هنا نربيه على آيات كريمة مثل قوله تعالى: “إن الله لا يحب المعتدين”، و”إنه لا يحب المسرفين”، و”إن الله لا يحب المفسدين”، و”إن الله لا يحب كل مختال فخور”، وهي مرتبطة بالتعامل والتصرفات والاستهلاك بطريقة أو بأخرى. وعبر القدوة الحسنة في الاستهلاك، لأن المحاكاة من العوامل الأكثر تأثيراً في تربية الطفل. وعبر أسلوب الحكاية والقصة، وفي قصص الأنبياء عبرة، والتركيز على كيفية حياة أولئك العظماء عليهم السلام غير بخلاء مقترين ولا مبذرين مسرفين، وعاشوا لتحقيق غايات نبيلة ولم يكن الاستهلاك سوى وسيلة، وكذلك قصص تأريخنا العماني المجيد وكيف عاش العمانيون محافظين على الاعتدال في كل شيء ومنه في الاستهلاك.
أهداف وغايات
وأضاف المعولي إن تربية الأبناء على الغاية العظيمة التي يجب أن يركزوا عليها وهي مرضاة الله عز وجل، وجميع الأمور الأخرى إنما هي وسائل ويجب استهلاكها واستخدامها وفق ما يرضي الله تبارك وتعالى، لأن ثقافة البعض الاستهلاكية تجعل من أطفالهم يرون أن تلك الأمور (الكمالية) إنما هي أهداف وغايات يولونها الأهمية القصوى والاهتمام الزائد عن الحد فيخسرون بالتالي العناية بالغاية الحقيقية (الضرورات) والتوجه لها. وتنويع الأساليب في بيان الثقافة الاستهلاكية وخطورة الإسراف والتبذير وأهمية الاعتدال والادخار وحسن الإنفاق. وتنمية مهارات الأطفال الاستهلاكية، بإشراكهم في بعض عمليات الشراء، والتناقش والحوار أمامهم أو معهم في موازنة الأسرة والمنزل، فهذا كله يربيهم على السلوك الاستهلاكي الصحيح ويرفع من درجة الوعي لديهم.
ويؤكد المعولي بأنه يجب على القائمين على المناهج الدراسية مراعاة الجانب الاستهلاكي وتربية الطلاب عليه من خلال عدة أمور منها: تضمينه في جميع المقررات الدراسية لكل المراحل، ومن خلال البرامج العملية بالمدارس كالأسواق الخيرية ونحوها، حيث يكون الطالب بائعًا ومشتريًا أيضًا. ومن خلال زيارة بعض الأماكن المتعلقة بالموضوع كالمراكز التجارية والمصانع، عبر خطة عملية تمهد لتلك الزيارة لتكون الثقافة الاستهلاكية حاضرة.
تجربة مرشد
ويذكر الإعلامي حمود بن علي الطوقي صاحب مجلة “مرشد” الموجهة للأطفال بأن غرس القيم النبيلة للأطفال في مختلف المجالات التي تلامس حياة الطفل آمرٌ مهم بدءً من البيت والمدرسة وأثناء اللعب في الحارة وزيارة الأقارب والأرحام . وحول تجربة “مرشد” يوضح بأن المجلة أطلقت منذ تدشينها مبادرة “هيا نقرأ مع مرشد” تهدف إلى زرع حب القراءة لدى الطفل وتدريبه عليها، وهو أمر يسهم بشكل مباشر في تعزيز الثقافة الاستهلاكية من خلال تعويد الطفل على قراءة الكتب والمنشورات والنصائح المتعلقة بالترشيد والادخار وكيفية الاستهلاك وغيرها.
دور القصة المصورة
ويرى أحمد بن ناصر الراشدي – كاتب قصص أطفال وناشط في مجال تعليمهم القراءة- بأن الطفل يتأثر من خلال أسرته بأي سلوك سواء كان إيجابًا أو سلبًا، فإذا كانت ثقافة الأسرة استهلاكية فبالطبع أن الطفل يتأثر بها، وإذا كانت لديهم الحكمة في ترشيد الاستهلاك سيتولد بالضرورة عند الطفل هذا السلوك كمثل أي صفة أو قيمة يريد الوالدان أن يتحلى بها طفلهما.
التفكير الجيد
ويضيف الراشدي بأن تغيير سلوك الطفل يحتاج إلى استخدام أدوات ووسائل وواحدة من أهم هذه الأدوات المؤثرة التي ينصح بها التربويون لتغيير سلوك الطفل إلى التفكير الجيد هي استخدام وسيلة القصص التي تحمل هذه القيم، كالقصص المصورة سواءً بقراءتها لهم أو تعويدهم على قراءتها؛ فالقصة هي حكاية والحكاية تخاطب الوجدان والطفل يتأثر وجدانيًا كثيرا بالشخصيات التي تكون في القصة خصوصًا إذا كانت تتناسب مع عمره ومستواه اللغوي والعقلي.
ويؤكد الراشدي أنه يمكن أن نعود الطفل على الذهاب معنا إلى السوبرماركت لكن بطرق إيجابية يستفيد منها، كأن يمسك قائمة المشتريات ويكتبها بنفسه، ثم يكتب قيمة كل منتج، ويحسب الأسعار في المجمل وبهذه الطريقة نربي فيه قيمة عدم الذهاب للشراء عشوائيًا، وإنما بتنظيم، كما أن حسابه لإجمالي المشتريات سيعرّفه بأن لكل سلعة قيمتها وكذلك سيتعلم المقارنة مع سعرها مع المحلات الأخرى.
ويشير الراشدي في حديثه أيضا إلى هناك وسائل أخرى تساعد على غرس الثقافة الاستهلاكية لدى الطفل مثل تعويده على قراءة بيانات كل منتج، وقراءة تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية.
بالإضافة إلى استخدام فيديوهات ومقاطع مرئية يمثلها أطفال حقيقيون، ويكون تمثيلهم مؤثرًا وبوسائل بصرية راقية يتأثر بها الطفل ويغيّر سلوكه للأفضل.
دور المجتمع في غرس قيم الاستهلاك الرشيد لدى الأطفال
د.رجب بن علي العويسي
خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
يأتي حديثنا عن دور المجتمع أفراده ومؤسساته في غرس قيم الاستهلاك، منطلقا لبناء ثقافة الاستهلاك الواعي وتعزيز حضورها في سلوك الطفل منذ نعومة أظفاره، ليتشرب مبادئها وأخلاقياتها ومنهجياتها وأسسها ومنطلقاتها وهو على بينّة من أمره، وإدراك لطبيعة المسؤولية التي يتحملها في ظل تعميق القيم الداعمة لسلوك الإنتاجية والاعتدال في الإنفاق وحسن التصرف عند استخدام الموارد والإمكانات وتصحيح الممارسات بالشكل الذي يعزز من ثقة الطفل في نفسه وبناء اتجاهاته الإيجابية نحو عادات الاستهلاك الرشيد ومفهومه وطريقة إدارته وما يترتب على ذلك من حس المسؤولية في التصرف والاختيار الواعي للبدائل الاقتصادية والاستهلاكية المتاحة وتعزيز الموجهات الإيجابية الضبطية المرتبطة بسلوكه وأفكاره حول مواصفات المنتج الذي يرغب بشرائه سواء من حيث تاريخ الصنع والانتهاء والمواد الحافظة أو المكونات الأساسية لهذا المنتج.
وبالتالي ما يتطلبه غرس هذه الثقافة من أدوات عمل مقننة تأخذ بيد الطفولة وتبني خلالها سلوك الوقاية الناتجة عن حسن اختيار المنتج، أو طريقة التعامل الذكي مع طرق الاستهلاك الإيجابي الذي يتجاوز حالات استنزاف الموارد وبعثرة الأموال والتخلص منها، وبالتالي إعادة إنتاجها بطريقة تضمن الحصول على منتج مناسب أو شراء مواد استهلاكية مرتبطة باحتياجه وضروراته، والثقة في طريقة استخدامه والاعتماد على النفس واستشارته في اختيار بعض المواد الاستهلاكية اليومية إذ من شأن ذلك أن يوّلد لديه الحرص والمسؤولية وتقدير هذه الثقة وامتلاك مقومات الاختيار الواعي من بين بدائل متعددة في السوق وأنواع مختلفة من المنتجات الاستهلاكية، فإن منح الطفل الثقة في الاختبار وتجريبه في مواقف تبني فيه سلوكاً إيجابياً لشراء متطلبات المنزل اليومية أو أدواته الشخصية والمدرسية وتعريفه بالأسعار والمبلغ المستقطع للسلع المطلوبة، وكيفية التصرف في حالة زيادة سعر الشراء عن المبلغ المحدد سلفا لها، وبالتالي إمكانية تقاسم الأدوات والمشاركة فيها بما يقلل من حالة الاستنزاف لها، خاصة تلك التي لا تترتب عليها أي اضرار أو أثار على حياة الطفل.
على أن تحقيق هذه الموجهات في حياة الطفل ترتبط بحس الشعور الإيجابي الذي يتملكه في عمليات الاستهلاك اليومي، والإثراء المعرفي السليم الذي يصل إلى مسامعه بأسلوب يتوافق مع لغة الطفل وطريقة تفكيره في قياس الأوضاع التي يمر بها، والمفردات الاستهلاكية اليومية التي يتعامل معها ، بحيث تصنع عمليات التوعية والتوجيه والتثقيف مسارات أكبر لقبول التغيير وإعادة هندسة الواقع الاستهلاكي للأسرة، بما يضمن صناعة سلوك إيجابي لدى الطفل وحرص على استمرارية قيامه بالمسؤولية وشعوره بالفخر وهو يؤدي هذه المهمة المطلوبة منه على المستوى الأسري والشخصي، وإكسابه الثقة في التعامل مع هذا الواقع الاستهلاكي بطريقة منهجية مقننة تبني في الطفل عادات الاستهلاك وضوابطه.
وعليه فإن تناغم هذا الدور بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والعائلة وأصحاب الحي والمدرسة والمؤسسات والمراكز الثقافية والاجتماعية والرياضية ومراكز الطفولة التي تعمل على إعداد النشء وصقل مهاراته وبناء قدراته واحتضان قدراته تمكنه من فهم طبيعة الممارسات الاقتصادية اليومية وتبني قيم الاستهلاك الإيجابي المعزز للإنتاجية وسلوك الاقتصاد في الإنفاق والمحافظة على المال وحسن الاستثمار فيه وتوجيهه نحو الأولويات الأساسية في حياة الطفل، فيبني فيه مداخل تغيير العادات الاستهلاكية وينمي فيه أبعاد الصحة النفسية والغذائية والجسمية والبدنية وتوفير الأنشطة المعززة للاستهلاك الإيجابي للطفل بعيدا عن أي ممارسات تضع الفرد في موقف الاستنزاف للثروات والتبذير والإسراف أو التقتير والبخل، وعندما يستحضر الطفل هذه القيم ويستنطقها في واقع عاداته وممارساته الغذائية ومتطلباته داخل الأسرة وخارجها فيقبل عليها بشعوره بأهمية أن تكون ممارساته انعكاسا للتوجيهات الربانية والسيرة المحمدية التي تدعو إلى الاعتدال في الإنفاق والمحافظة على الموارد والممتلكات.
للاطلاع على الصفحة: