أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
الجميع يعي ويعلم بأن أزد عمان هم الأزد الذين هاجروا من اليمن بعد كارثة مأرب، فتفرق العرب واختار مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن مالك بن نصر بن الأزد زعيم أزد عمان هذه الأرض لتصبح له الوطن ويقاتل الفرس ليخرجهم منها، واستطاع الانتصار بكل قوة في معركة سلوت بالقرب من بهلاء، وينهي الوجود الفارسي فيها بقتله المرزبان قائدهم وسفير ملك الفرس دار بن دار بن بهمن، ليعيش مالك وأبناؤه وعشيرته من أزد عمان دهرَا منعمين مستقرين، وامتد سلطان مالك بن فهم إلى البحرين وأجزاء من العراق بعدما قضى على النفوذ الفارسي بالمنطقة، وأصبح الحاكم الفعلي للخليج حتى أن بعض المصادر التاريخية كالأنساب وغيرها تشير إلى أن مالك بن فهم الذي جعل من مدينة قلهات العمانية نقطة انطلاق أساطيله، هو الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا والمشار له في قصة سيدنا موسى والرجل الصالح الذي خرق السفينة، ومما لا شك فيه هذه جميعها دلالات تشير إلى قوة مالك وسطوته في المنطقة والذي حكمها 70 عامًا لتنتهي سيرة هذا القائد نتيجة تعرضه للقتل الخطأ من قبل أحب أبنائه سليمة.
فلمالك عدة أبناء منهم :
النوبي الذي لم يشر التاريخ إلى أعماله.
وجذيمة (الأبرش) وحكم جهة العراق والشام.
وزياد (جماز) ويقال بأنه هو المعني في القرآن بالآية ” فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ” وإلخ من سورة الكهف، وكان جبارا وظالما ويضرب به المثل سلبا في الكفر.
وهناءة الذي كان أعقل أبناء مالك بن فهم وأعزهم شأنا في عمان وحكم البلاد بعد مقتل أبيه فأقام العدل وأحسن إلى الرعية.
ومعن بن مالك الذي كان غليظ القلب اتجاه أخيه سليمة الذي قتل والده بالخطأ وكان يبحث عن أي فرصة للنيل من سليمة وقتله.
وأما عمر بن مالك فلا ذكر له في تاريخ عمان.
والحارث بن مالك، يقال بأن ذريته هم شحوح عمان في محافظة مسندم.
وثعلبة بن مالك الذي قاسى كذلك من كراهية أخوته.
وفراههيد بن مالك الذي ينتسب إليه ابن دريد والخليل بن أحمد الفراهيدي. وعمرو بن مالك ومن أحفاده كعب بن معدان شاعر آل المهلب بن أبي صفرة.
والحارث بن مالك ومن أحفاده كعب بن سور قاضي عمر بن الخطاب في البصرة وأول عماني يستشهد في معركة الجمل وهو حاملا مصحفه يدعو الناس إلى الصلاح وترك الفتنة.
وأما عن سليمة بن مالك بن فهم الذي من أحفاده آل الجلندى بن كركر، وأبو حمزة الشاري مختار بن عوف وغيرهم من مشاهير أزد عمان، فنحن نتحدث هنا عن أفضل وأحب أبناء مالك لقلبه وأشجعهم وأكثرهم دقة في رمي السهام بعدما علمه والده فنون القتال، فكان هو المقرب جدا من أبيه، لذا فأخوته، شعروا بالغيرة والحسد والبغض من سليمة ومحبة والده اتجاهه، فأخذوا يتصنعون المكائد حتى يبعدونه عن قلب أبيه، وذهبوا لأبيهم مالك يخبرونه بأن سليمة في وقت حراسته يهمل ذلك ولا يعير لهذه المهمة والأمانة أي اهتمام ويفضل النوم والكسل عن كل ذلك، وهنا وسوس مالك وأراد اختبار ابنه سليمة وقت حراسته، فتسلل ليلا متجها نحوه ليشاهد بأم عينه هل ينطبق عليه ما قاله أخوته، ولأن الحصان شعر بقدوم مالك وأثار ذلك حركته، استل سليمة سهمه في جنح الظلام ظانًا أن القادم هو أحد أعدائهم فأطلق سهمه نحو القادم ليتفاجأ بأن الضحية الذي اخترق السهم قلبه هو والده مالك بن فهم الذي سقط ينشد معاتبا قائلا في قصيدته المشهورة التي اختصرت بعض أبياتها هنا :
ألا من مبلغ أبناء فهم بمالكة من الرجل العماني
وبلغ منهبا وبني خنيس وسعد الله والحي اليماني
وقال :
جلبت الخيل من برهوت شعثا إلى قلهات من أرض عمان
قتلت بها سراة بني قباذ قتلنا بهمنا وبني كران
وقال :
فأضحى بهمن وبنو قباذ موالينا حيارى في الرهان
فأمتعناهم بالمن عفوا وجدنا بالمكارم والأمان
وحزت مملكا قطري عمان وقدت الهبزري وكل عان
حتى قال في آخرها :
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
توخاني بقدح شك قلبي دقيق قد برته الراحتان
فأهوى سهمه كالبرق حتى أصاب به الفؤاد وما اتقاني
ألا شلت يمينك حين ترمي وطارت منك حاملة البنان
لم يتوقع أحد أن كيد الأخوة سيصل بمالك وسليمة لهذا الحدث الجلل في عمان، فسليمة لم يستطع التصديق بأنه قتل والده بغير قصد ، ومالك مات وهو يعتب على سليمة لعجلته في إطلاق سهمه الذي أصابه في مقتل.
عاش سليمة بعدها حزينا جدا لمقتل والده، ولم يتعاطف أحد معه إلا هناءة، فخشي من أن يفتك به أخوته وبالأخص معن فقرر الرحيل والهجرة من الوطن عمان إلى بلاد فارس متخفيًا لا يفصح لأحد عن نسبه هناك وتحديدًا في أقليم كرمان بوسط إيران مبتعدًا عن كل ممتلكات أبيه العمانية خوفًا من بطش أخوته مثلما أشرنا أعلاه.
وصل سليمة إلى كرمان متخفيًا لا يريد إظهار أصله وبأنه من أزد عمان وابن مالك فعاش بينهم وانتسب إلى بعض سكناهم، فملك كرمان كان من أحفاد الملك دارا بن دارا بن بهمن الذي انهزمت جيوشه وتقهقرت أمام مالك ابن فهم، لذا كتم وجوده في كرمان، إلا قلة قليلة من أهلها الأكابر الذين وثق فيهم وأخبرهم بقصته ونسبه.
كان أهل كرمان يعيشون تحت ظلم ملكهم كثيرا، فقد كان جبارا فاسدا يمارس الرذيلة على أشدها، فكان يغتصب كل متزوجة قبل زفها إلى مخدع بعلها كشرط أساسي لإكمال زواجها، وكان يقتل كل من يعارضه من أهلها، فشكى أكابر كرمان هذا الوضع للفتى العماني سليمة الأزدي الذي عاهدهم بقتل الملك والخلاص منه بالمكيدة شريطة أن يبايعوه على حكم كرمان ويهبوا جميعا للهجوم على القصر بعدما يغتال ملكهم هذا.
وبالفعل استخدم سليمة المكيدة برفقة أهالي كرمان وقتل الملك، وأما عن تفاصيل ذلك فيقول المؤرخ العماني العوتبي إنه طلب منهم في ليلة من الليالي أن يتخفى بالنيابة عن تلك المرأة المسكينة التي تم زفها لقصر الملك في ليلة بؤسها ليفعل بها ما ذكرناه أعلاه، فحمل سليمة في الهودج الخاص بتلك المرأة متخفيًا وأدخل إلى قصر الملك وغرفته، وهناك ما إن انفرد الملك بالضحية وغلق الأبواب ظنًا منه بأن ما أتاه كالعادة، انبرى له سليمة وقتله ورمى جثته من شرفة القصر كعلامة لأصحابه بإتمام المهمة لينطلق بعدها شرفاء المدينة وشبابها للهجوم على القصر والقضاء على من تبقى من الموالين لذلك الطاغي ودارت معركة دموية في باحة القصر بقيادة سليمة انتهت بانتصارهم وتتويج هذا الأزدي العماني ملكا على إقليم كرمان.
وتزوج بعدها من أكابر القوم وحكم البلاد وأحسن السيرة بينهم وزاد توافد أزد عمان إلى كرمان، لكن سليمة واجه بعد سنين من حكمه بعض المتعصبين ضد الجنس العربي في الإقليم، فتآلب عليه بعض الفرس الذين لم يرتضوا بحكمه لهم، مما جعل سليمة يطلب نجدة أخيه في عمان هناءة الذي لبى دعوته لنجدته وتعزيز مكانته هناك، وأرسل له جيشا من أزد عمان البالغ عددهم ثلاثة آلاف مقاتل حتى أنهى التمرد وتم له الأمر في الحكم حتى حانت ساعته الأخيرة.
وكان لسليمة عشرة أبناء لحظة وفاته، لكنهم للأسف اختلفوا فيما بينهم لحكم كرمان حتى تشتت شملهم وسقط حكمهم نتيجة اجتماع الفرس عليهم لإسقاط الوجود العربي هناك لتنتهي بذلك صفحة من صفحات التاريخ وثقتها أمهات المصادر لدينا لتحكي لنا سيرة الأجداد وبطولاتهم والعبر من أخطائهم.
المصادر والمراجع:
1 – الأنساب، للعلامة أبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، تحقيق د. محمد إحسان النص، الطبعة الخامسة 2016م، سلطنة عمان وزارة التراث والثقافة.
2 – عمان عبر التاريخ ج1-ج2 ، للشيخ سالم بن حمود السيابي، الطبعة الخامسة 2014م، سلطنة عمان ، وزارة التراث والثقافة.
3- ندوة العوتبي الصحاري الدولية،إعداد نهلة أحمد عبدالباقي أحمد، جامعة آل البيت ، الأردن 2008م.