أثير- تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
أثير- تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
للصحافة العمانية تاريخ وشخصيات سطعت في عالم الصحافة التي يجب أن توثق للأجيال جيلا بعد جيل فلكل شيء تاريخ نضال ومعاناة تسطّر ملاحمها في صفحات التاريخ، وبمختلف الجوانب حتى إن كنا نتحدث عن تاريخ الصحافة العمانية، أو روادها منذ بدايات انتشار المطابع في زنجبار ابان الحكم العماني لتلك الأنحاء في شرقي أفريقيا.
ولأن الصحافة هي المهنة التي كانت تحرك بمقالاتها الكثير من الشعوب للإصلاح بفترة مناهضة الاستعمار، وتحريك الأقلام ضد الفساد السياسي، والاجتماعي والاقتصادي لصالح الأمم والشعوب في ظل غياب أدوات التواصل الحديثة، فإنه لا شك بأن الكثير من الصحفيين العمانيين في ذلك الوقت أي بداية سطوع الصحافة العمانية في افريقيا عبر جريدة الفلق، والنهضة كان لهم من الأهمية التي تعادل العمل السياسي بأي حكومة تمارس سلطتها.
ومن هنا كان لزاما علينا أن نسلّط الضوء على شخصية لها دور بارز في بدايات تاريخ الصحافة العمانية في زنجبار كشخصية صاحب السمو السيد سيف بن حمود بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد الذي ينحدر مباشرة من سلالة المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد.
ولد السيد سيف بن حمود في محافظة مسقط عام 1916م ، وقد بدأ تعليمه في طفولته بمدارس خاصة لتعليم اللغة والدين، ثم أكمل دراسته في المدرسة السعيدية بمسقط ، وقد هاجر إلى زنجبار عام 1935م، ثم عاد إلى مسقط ليتقلّد منصب نائب والي مطرح عام 1939م ، وبعدها عاد إلى زنجبار ليمارس التجارة والأعمال الحرة.
وقد تقلّد السيد سيف لاهتمامه بمصلحة البلاد من الناحية السياسية، والاجتماعية ،والاقتصادية، والثقافية عضوية المجلس التشريعي بزنجبار، وترأس في بعض الفترات الجمعية العربية، ورابطة أولياء الأمور، وكان كثير الترحال إلى مصر، وسوريا، والعراق، والسعودية، وذلك لتأمينه الكثير من البعثات التعليمية لأبناء زنجبار إلى هذه الدول.
ولاهتمامه مثلما أسلفناه أعلاه بالجانب الثقافي والسياسي فقد ترأس تحرير جريدة الفلق من عام 1949 حتى عام 1950م ، وقد كان ينتقد في مقالاته كثيرا الحكومة والاستعمار البريطاني، وشارك في المظاهرات الشعبية في شوارع زنجبار بهدف إعطاء العنصر العربي أدوارا أكثر فعالية في العمل السياسي والحكم قبل الاستقلال، وهذا ما أثار حفيظة الاستعمار وأدين وقدّم للمحاكمة، ولكن تم إخلاء سبيله لعدم شرعية محاكمته التي سقطت لعدم اصدار إذن مكتوب من قبل سلطان زنجبار لمحاكمة أحد أفراد الأسرة الحاكمة بسبب مقالاته الصحفية المناهضة للاستعمار.
ولقد كان السيد سيف من الذين لعبوا أدوارا سياسية عديدة في زنجبار بجانب عمله الصحفي، إذ أسهم في التقريب بين الحزب الوطني، وحزب شعب زنجبار، والجزيرة الخضراء ليكونوا جبهة واحدة لتمكين الجبهة العربية الموحدة من تأسيس حكومة ائتلاف موحد يحافظ على حقوق العرب قبل وبعد الاستقلال، وتنافس حزب الأفروشيرازي الذي كانت جميع توجهاته ضد الوجود العربي في زنجبار، ولذا فلا غرابة أن نجد أن صاحب السو السيد سيف بن حمود كان من أبرز المعارضين لفكرة عضوية غير الزنجباريين والذين يرفضون الجنسية الزنجبارية في المجلس التشريعي، ورفض بشكل قوي توجه الحكومة في هذا الإجراء، وحاول أن يدفع بالجمعية العربية أن تساند رفضه ولكن كل ذلك باء بالفشل نتيجة تخاذل الجمعية من الالتفاف حول مطلبه للضغط على الحكومة ،بل إن الجمعية ذاتها اتفقت مع الإدارة البريطانية في زنجبار عام 1952م على قبول قانون الانتخاب الجديد الذي يسمح لغير الزنجباريين أو اصحاب الجنسيات المزدوجة المشاركة والتصويت في انتخابات الجزيرة ، ولذا فقد أصبح مثلا للهنود والباكستانية من لديهم الجنسية البريطانية بجانب جنسياتهم الأصلية الحق في المشاركة بالانتخابات!
وبسبب تخاذل الجمعية في ذلك، فقد انقسمت إلى تيارين تيار محافظ تقليدي موافق على قانون الانتخاب الجديد ، وتيار راديكالي معارض لهذا القرار يقوده السيد سيف بن حمود الذي اعتبره البعض أول من دعا إلى مناهضة الإنجليز في زنجبار بشكل علني وسلمي من خلال مقالاته الصحفية التي كان يكتبها بقوة في صحيفة النهضة التي أسسها وظهرت بإدارته لأول مرة في 18/1/ 1951م.
وقد كانت الصحيفة تتخذ العديد من المواقف السياسية المتشددة ضد الحكومة المحلية والمقيم البريطاني في زنجبار الأمر الذي أدى إلى ايقافه والتحقيق معه بسبب بعض المقالات والموضوعات التي تنشرها، والتي كانت تصدر باللغتين العربية والانجليزية، وبعض مقالاتها كانت تترجم الى السواحلية مما جعلها تلقى قبولا واسعا من قبل القراء في زنجبار الذين كانوا يتهافتون على اقتنائها حيث وصل أرقام توزيعها أسبوعيا إلى 500 نسخة.
إن العمل الصحفي لدى السيد سيف وهو يعد أحد رموز تيار القومية الزنجبارية آنذاك كان يمثل لديه قناعة خاصة وتضحية خالصة في سبيل خدمة زنجبار وشعبها في تلك الفترة الزمنية الصعبة التي تمر بها البلاد ، حيث كان يقول مؤكدا على ذلك في عام 1953م: ” عندما عزمت على خدمة بلادي عن طريق الصحافة عقب تجاربي الطويلة في الكتابة بالصحف المختلفة أو بعد دراسات شاقة في عالم الصحافة أخذت من صحتي وكنت أتوقع بعد هذه الدراسة التي جاهدت طويلا من أجلها وذقت ألم النقد المرير والتجريح في سبيلها، أن أجد طريقي الآن إلى العمل الصحفي ممهدا لأحقق رغبة عظيمة.
كانت ولا تزال تجيش في صدري رغبة جارفة ضحيت بالكثير من أجلها كصحتي ومالي وتقاليد عائلتي وفوق ذلك آثرتها عن أعز شيء عندي وضربت بتلك التقاليد التي لا تنظر إلى مهنة الصحافة بعين الرضى حتى اليوم، ولكنني فوق ذلك لا آسف على شيء من هذا لثقتي التي لا حد لها برسالتي وايماني العظيم بالله“.
هكذا كان يمارس السيد سيف عمله الصحفي السياسي بقوة حيث وصلت أعداد مقالاته السياسية لأكثر من 59% من مجمل عمله في الصحافة والتي تركزت على الإصلاح السياسي في زنجبار ، والسياسات الحكومية ، والجمعيات والاتحادات ، والوطنية، وقضية التجنيس، وسنسرد لكم هنا مقتطفا من مقاله الذي كتبه رافضا توجه الحكومة في إعطاء الأجانب حق المشاركة في الانتخابات، فكتب:
” إن أهالي هذه المحمية قد أصبحوا يلمسون أن الوقت قد حان لجلاء الموقف، فيلزم على كل الهنود القاطنين في المحمية أن يصرّحوا فورا بعبارات قطعية عن الكيفية التي يرجحونها والجانب الذي يميلون إليه ، وعندما يعرف ذلك يتبقى على الحكومة أن تنظر في الأمر، وتبت حكمها أن رعايا السلطان هم الذين ينبغي أن يصوّتوا وأن يمنحوا الحق بأن ينتخبوا وينتخبوا “.
كما أن له خطابا موجها في هذا الصدد بمسمى ( الكتاب المفتوح ) الذي وجهه إلى المقيم البريطاني في زنجبار كتب فيه عام 1951م :
” إن هذه السلطنة ليست من أملاك التاج البريطاني كما إنها ليست مستعمرة تستبيحون أراضيها وتهبون ما تشاءون لمن تشاءون، فهي ليست إلا وديعة بين أيديكم وقد طلبت الحماية عن رضاها ، لذلك نرى هذا التصرف منكم بحقوقنا لآخرين لا تستسيغه الشرائع والقوانين الدولية ، وأي قانون سمح لكم بهذا التصرف غير المشروع والذي يجيزه ميثاق الامم المتحدة التي حكومتكم بريطانيا قد صادقت عليه ، إننا نعارض كل المعارضة في إعطاء غير رعايا السلطان حقوق الانتخاب وسنقاطع الانتخابات ومجالس البلاد ولا نعترف بأنها شرعية ولدت عن رضانا وموافقتنا “.
لم يكن السيد سيف بنضاله هذا ينظر إلى مكانة عائلته في حكومة زنجبار بسلاطينها بل كان ينظر إلى مصلحة زنجبار والقومية العربية فيها ومقاومة الاستعمار بالكلمة والصحافة التي كانت بازغة في أفريقيا عن طريق قادة التنوير من العمانيين في زنجبار.
وقد كتب القدر أن ينتقل السيد سيف إلى الرفيق الأعلى في جزيرة زنجبار بتاريخ 25 / 2 / 1963م أي قبل ثورة الأفارقة ضد الحكم العماني بعام واحد فقط وكأنه كتب عليه أن لا يشهد ما كان يحذر منه كثيرا بمشاركة الأجانب في الانتخابات التشريعية التي تسببت في النهاية بفتنة عظيمة قادها الانقلابيون بالتعاون مع حزب الافروشيرازي الذي خسر الانتخابات في ذلك العام المشؤوم من سنة 1964م وراح ضحيته قتلا بكل وحشية أكثر من 20 ألف عماني عربي في زنجبار وبقية المناطق التي تحيط بها.
نعم لقد رحل السيد سيف وهو من كان يحذر كثيرا عبر مقالاته من خطورة هذا التوجه بالانتخابات، ولكن حدث ما كان متوقعا بعد وفاته بعام واحد فقط مثلما أشرنا أعلاه بعد حياة حافلة مميزة أسهم فيها برقي الجانب السياسي والأدبي والاجتماعي لأهالي زنجبار ، وكيف لا وهو بحق يعد رائدا من رواد الصحافة العمانية في تاريخها منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.

******************
المرجع : مجلة الدراسات العمانية العدد 16 – الاسهامات الثقافية والمهنية لرواد العهد الأول من تاريخ الصحافة العمانية : دراسة تاريخية تحليلة ، الكندي ، عبدالله بن خميس – وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان ، 2010م