أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
عرف أهل عمان بفصاحتهم وقيادتهم وحكمتهم على مر التاريخ، وكل هذه الصفات ليست إلا امتداد حقيقي لحضارة الإنسان العماني التي يعود عمرها إلى أكثر من 5 آلاف سنة قبل الميلاد شكلت أرضية صلبة للشخصية العمانية وفكرها والتي كان لها التميز في المنطقة بأسرها، فأصبح العماني يجوب البحار ويتاجر مع أشهر الحضارات في المنطقة كحضارة الفراعنة وحضارات العراق القديمة، فملك أهل عمان بقوتهم وأساطيلهم تجارة المحيط الهندي والخليج العربي والشرق الأفريقي بل وصلت حدود إمبراطوريتهم وممالكهم في الخليج حتى الحدود القطرية لتصبح كل هذه الأنحاء من تشكل الحدود العمانية يحكمها ملوك عمان ويعينون من يمثلهم في كل هذه الأرض، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال رسائل ملوك عمان وأئمتها التي بقيت محفوظة في أمهات المخطوطات العمانية وهم يعينون ولاتهم في تلك الأنحاء من ساحل عمان كرسالة تعيين الإمام ناصر بن مرشد اليعربي لواليه سليمان بن راشد الكندي لمدينة جلفار ( رأس الخيمة ) وما جاورها من مدن الساحل العماني قبل أن يفصلها الاستعمار في العصر الحديث.
ومن الناحية الحضارية فلا غرابة مثلا أن نجد في منطقة رأس الجنز بمدينة صور ختمًا قديمًا جدا فيه الحروف الأولى كذلك للغة العربية، قالت عنه الدكتورة اليمنية أسمهان الجرو مع مجموعة من الباحثين الفرنسيين بأنه الأقدم في المنطقة على مستوى تاريخ شبه الجزيرة العربية حتى الآن.
لذا فحينما يخرج للتاريخ من هذه الأرض الطيبة علماء ومؤلفون ومفكرون وأدباء وقادة قادوا الأمة الإسلامية للفتوحات والانتصارات فلا غرابة أن نجد اسم أهل عمان وقادتهم كالمهلب بن أبي صفرة الأزدي العماني حاضرًا بقوة في المشهد التاريخي للحضارة الإسلامية وفتوحاتها منذ عهد الفاروق وحتى عهد الدولة الأموية في أوج قوتها.
ولا سبيل هنا للحديث عن المهلب وتفاصيل فتوحاته ودوره الكبير في إرساء الدين الإسلامي في أواسط آسيا، بل سنسلط الضوء على وصيته لأبنائه وبناته الذين بلغ عددهم 23 ابنًا و11 بنتا وهم :
سعيد، وقبيصة، والمغيرة، ويزيد، وحبيب، والحجاج، والبحتري، والمفضل، وعبدالملك، وعمر، وأبوعيينة، وجعفر، وعطاء، ومدرك، ومروان، وزياد، وعباد، وعبدالله، ومحمد، وشبيب، والشامخ.
وفاطمة، وهند زوجة الحجاج بن يوسف الثقفي، ونفيسة، وأم مالك، وأم عبدالله، وأم يزيد، وفيعة، وأم الربيع، وأم مراد، وأم نصر، وأم خداش.
وينقل لنا بعض المؤرخين القدامى وصايا هذا القائد الكبير، فحينما كان المهلب طريح الفراش ودنا منه الموت، جمع أبناءه وبيده حزمة سهام خشبية وقال لهم:
أترونكم كاسريها مجتمعة؟!
فقالوا : لا
فقال : أفترونكم كاسريها متفرقة؟!
قالوا : نعم
فقال لهم:
“هكذا هي الجماعة وأني أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم، فإن صلة الرحم تنسئ في الأجل، وتثري المال، وتكثر العدد.
وأني أنهاكم عن القطيعة، فإن القطيعة تعقب النار، وتورث الذلة والقلة، فتحابوا وتواصلوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا، وتباروا تجتمع أموركم، إن بني الأيام يختلفون فكيف ببني العائلات..
وعليكم بالطاعة والجماعة، وليكن فعلكم أفضل من قولكم، فإن أحب للرجل أن يكون لعلمه فضل على لسانه. فاتقوا الجواب وزلة اللسان فإن الرجل تزل قدمه فينتعش من زلته، ويزل لسانه فيهلك.
واعرفوا لمن يغشاكم حقه، فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له، وآثروا الجود على البخل، وأحبوا العرب واصطنعوا العرف، فإن الرجل من العرب تعده العدة فيموت دونك، فكيف الصنيعة عنده!
وعليكم في الحرب بالأناة والمكيدة، فإنها أنفع في الحرب من الشجاعة، وإذا كان اللقاء نزل القضاء، فإذا أخذ رجل بالحزم فظهر على عدوه قيل : أتى الأمر من وجه، ثم ظفر فحمد، وإن لم يظفر بعد الأناة قيل : ما فرط ولا ضيع، ولكن القضاء غالب.
وعليكم بقراءة القرآن وتعليم السنن وأدب الصالحين، وإياكم والخفة وكثرة الكلام في مجالسكم، وقد استخلفت عليكم يزيد وجعلت حبيبا على الجند حتى يقدم بهم على يزيد، فلا تخالفوا يزيد”.
هكذا أنهى هذا القائد العماني الفذ مسيرة حياته الحافلة بالفتوحات الإسلامية والقضاء على الأزارقة وهو يوصي أبناءه حتى الرمق الأخير بتقوى الله وعدم مفارقة الجماعة والسير على نهج الصالحين وإلخ من وصايا خالدة حفظتها كتب التاريخ.
يذكر أن المهلب توفي في ذي الحجة سنة 82 هـ، وقيل سنة 83هـ، ودفن في مدينة مرو الروذ مثلما أشار المؤرخون في زمانه.
وقد رثاه الكثير من شعراء عصره ومنهم نهار بن توسعة التميمي الذي قال:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى
ومات الندى والجود بعد المهلب
أقاما بمرو الروذ رهني ضريحة
وقد غيبا عن كل شرق ومغرب
************************
المرجع
المهلب بن أبي صفرة عماني حتى مغرب الشمس، د.محمود بن ناصر الصقري، الطبعة الأولى 2017م ، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، الأردن – عمان.
المرجع