رصد-أثير
نشر موقع عروبة الإخباري مقالا لسلطان الحطاب عنونه بـ “بن علوي يعيد إعراب الجملة الدولية بوضوح”.
وترصد “أثير” المقال للقارئ الكريم بنصه التالي:
وقف الوزير مستندا إلى تاريخ ممتد وعمق حضاري أثمر هذه المواقف .. هو لم يخترع العجلة، ولكنه أراد أن يقول أمام العالم وللعالم : تعالوا نعرب جملة حسن الجوار واحترام السيادة ، تعالوا ندخل إلى الإيمان بالحوار والتفاوض لحل الخلافات، فهذه القضية الفلسطينية لم تحل وهي ما زالت بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد..
وهذه اليمن التي غرقت في الدم والدمار لماذا لا تنجزوا لها مشروعا إنسانيا على الأقل بوقف الموت والجوع والأمراض وينظر إلى أهلها كبشر. وسوريا التي تخرج من الرماد لا بد من استمرار التعاون المشترك فلا تتركوها وحيدة جريحة بل لا بد من إعادة تضميد جراحها بالأعمار.
كان واضحا في لغته ومضمونه حمل صورة سلطنة عُمان التي رسمها السلطان على مدى نصف قرن ، فأحسن رسمها وقد عرضها بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في كلمته ليكشف عن عمق موقف بلاده وعن فائض غنى هذا الموقف بدبلوماسية رفيعة إنسانية تنظر للعالم كتكوين واحد حيّ يتألم ويفرح.
ما قاله بن علوي جاء بلغة عالمية وإجماع فلا أحد مخلص يؤمن بالإنسانية يمكنه أن يدير الظهر لما قال به الوزير العُماني. ولكن العالم الذي وضع المفاهيم الإنسانية من خلال الأمم المتحدة لم يأخذ بها ولذا اقتضى التذكير والتنبيه والتأكيد على الحاجة إلى ذلك.. إلى الدواء الذي يتأخر عن اليمن وعن فلسطين وعن سوريا وهذا العالم عند بن علوي لم يعالج الحالات الطارئة التي نعيشها في منطقتنا بما يكفي في هذه البقاع المنكوبة في فلسطين واليمن وسوريا ، حيث استعمل العنف والدمار والهدم وتساءل متى نبدأ الحوار والتفاوض لحل الخلافات؟.
بن علوي جاء شاهدا على ما يجري في اليمن وجاء محذرا من استمرار ما يجري وكان رأى ما يجري في فلسطين وقال :”ليس من رأى كمن سمع”، وهو تجاوز الأسوار والأسلاك ليحط في دمشق ويضع يده على نبضها حين تسابقت عليها سيوف العرب والعجم لتطعنها .
دعوة بن علوي بسيطة لا تحتاج إلى أموال وأسلحة ومزيدا من الحروب .. أن ملخصها في أن تجلس الأطراف المعنية من دول الأمم المتحدة لتبدأ حوارا جادا وتتفاوض ضمن منطلقات جديدة تؤمن بمبادئ حسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وسأل سؤال العارف وأجاب بالقول: “إن عمل الأمم المتحدة يجب أن يركز على مواجهة التحديات وتسوية النزاعات والصراعات الدولية وتحقيق السلام”.
سلطنة عُمان آمنت بالحوار وما زالت تؤمن .. كان وسيلتها لحل الكثير من قضاياها بداية انطلاقة نهضتها وهو وسيلتها المعروضة على كل ذي حاجة لحل مشاكله في المنطقة والإقليم.
إنها الوصفة العُمانية التي ما زالت تعرض على اليمن وسوريا وفلسطين.. والسلطنة إذ تكتب هذه الوصفة فإنها تضع نفسها في خدمة صرفها ليصل ثمار الحوار ونتائجه إلى الإطراف التي غاب عناها الحوار وبغياب العقل والإرادة..
لم تقل عُمان كلمتها وتمشي ، ولم يكن لديها ترف الوقت لتكتفي بالخطابة والخروج في الإعلام أو الرغبة في الجلوس في المقاعد الأمامية.. بل أن دبلوماسيتها المجربة نزلت إلى الميدان .. تلمست الحال اليمنية وجالست كل الأطراف واستمعت وحللت وربطت وقدمت رؤيتها ودعت إلى سواء السبيل وإلى ألأخذ بالأسباب والابتعاد عن الامعان في الباطل ووقف بيع الدم ورهانات منشم الجاهلية التي كانت تحرض القبائل لمزيد من القتال ، وغمس أيديهم في الدم للمبايعة على مزيد من الاقتتال.
أين الحكمة اليمنية ؟وأين زرقاء اليمامة ؟ وأين النص القرآني فيما يعملون ” ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”.
عمان تدرك قول الرسول(ص) وهي تنظر إلى جياع اليمن .. “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” وهي تدرك ضرورة حسن الجوار وتريد إغلاق النوافذ عن رياح السموم التي تهب وفتحها لاستقبال الهواء من أجل أن يتنفس اليمنيون الذين أصبحت السلطنة الرئة التي يتنفسون منها باتجاه السلام والعيش الكريم.
وفي الميدان كانت الدبلوماسية العمانية وهي تقرأ أو تحلل الحالة السورية, وكان رسول السلطان في دمشق التي رأت عمان أنها تستحق الزيارة وأن تعاد وأن يسأل عنها وكانت رسل دمشق قد حطت في مسقط لتستمع وتكسب المزيد من النصح في كيفية جمع الأطراف السورية, لم يكن الخروج العماني من الصف الخليجي لأمر في نفس يعقوب أو لضلالة يراها المستعجلون ولكن حقناً للدم وحفاظاً على الصورة وامتناناً للعروبة والبعد الإنساني وإدراكا بضرورة أن يقف العربي إلى جانب العربي ليمد له يد الرحمة والمساعدة وليس أي يد أخرى من تلك التي امتدت إلى سوريا.
لم تتدخل السلطنة في دبلوماسيتها الهادئة في الشأن السوري لا باتجاه اليمين ولا اليسار وإنما أرادت أن تضئ مساحات أوسع لحوار سوري على قاعدة الحفاظ على سوريا (أُما) للجميع كان ذلك في المشهد السوري.
أما في المشهد الفلسطيني فإن القول بأن “من رأى ليس كمن سمع” فقد جسده الوزير بن علوي عندما شد الرحال إلى القدس أخذاً بقول الرسول في الأماكن التي تشد إليها الرحال وآمن أن السجين والأسير العربي يزار وان اسر الأخ لا يعني نسيانه بل تحتم القيم العربية والإسلامية فك أسره وافتدائه والسؤال عنه والسهر على مصالحه وقد فعلتها سلطنة عُمان ودقت الأبواب ودخلت منها واستأذنت أهلها الشرعيين الذين حملوا عمان وسيرتها العطرة على الأكف وأدركوا وقلوبهم تدق بالنبض العربي أن لهم امتدادا وأخوة وسندا في أمتهم وفي امتدادها الجغرافي.
لم تكن الزيارة سياحة أو تطبيعا ولم تكن توظيفا لمصالح ضيقة بل تمت في العلن لتجد فلسطين في الإرادة العمانية ما يبعث على الأمل أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم فالقضية الفلسطينية في كلمة بن علوي في الأمم المتحدة “هي القضية المركزية لمنطقة الشرق الأوسط وأكد من موقع الصدق الذي تمت ممارسته أن السلطة على استعداد لبذل كل جهد ممكن لإعادة بيئة التفاؤل للتوصل إلى اتفاق شامل يضع في الاعتبار مستقبل التعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط لاسيما بين الأجيال الفلسطينية والإسرائيلية”.
وسؤالي كمراقب لماذا تختلف الجهود العمانية المقدمة برسم الاستعمال عن غيرها من الجهود الخليجية التي كانت تحذف يمينا أو يسارا تناصر هذا الطرف أو ذلك ومنها ما استهدف خيارات الفلسطينيين وحتى وحدتهم الوطنية أو قايضهم على مواقف
إذن بن علوي لم يأت ليستجدي شيئاً من الأمم المتحدة لسلطنة عمان ولكن وجد أن فائض الدبلوماسية العمانية المستندة إلى تاريخ من الحياد الايجابي وعدم التدخل في شأن الأخر يمكنه أن يسند أطرافاً بحاجة إلى هذا الفائض من هذه الدبلوماسية التي اختبرت في أكثر من صعيد وقضية فكانت تدلل على أنها منذورة للعمل الإنساني وحريصة على السلام الدولي الذي يعود على سلطنة عمان بالتقدير والفائدة والثقة وعلى العالم الذي تعتبر سلطنة عمان نفسها جزء منه.