د. محمد بن حمد الشعيلي
من الأمور الملفتة للنظر والمثيرة للاهتمام في سيرة الصحابي العماني مازن بن غضوبة، أن المصادر العمانية سواء المتقدمة منها أو المتأخرة لم تشر إلى الطريقة التي توفي بها أو في أي عام، ولم يرد فيها ذكر لذلك، ومن خلال تتبعي لهذه المصادر لم أجد فيها أكثر من ذكر قصة إسلامه التي بات يعرفها الجميع.
فمن كتاب الأنساب للعوتبي الذي يعد أقدم المصادر العمانية، مرورا بكشف الغمة الجامع لأخبار الأمة للأزكوي، وكذلك قصص وأخبار جرت في عمان للمعولي، والفتح المبين لابن رزيق، وتحفة الأعيان للسالمي، وغيرها من المصادر العمانية الأخرى، لم أجد فيها أخبارًا عن وفاة مازن بن غضوبة أو العام الذي توفي فيه، وأوجزت هذه المصادر جميعها – مثل ما ذكرت – قصة إسلامه، ولقائه بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبقية القصة المعروفة والتي تتضمن طلب مازن للرسول عليه السلام بأن يدعو لأهل عمان بالكثير من الأدعية، وهذا يعني بأن المصادر العمانية نقلت عن بعضها البعض في هذا الموضوع، دون إضافة أي جديد فيه.
ولكن المؤرخ العماني المعاصر الشيخ سيف البطاشي انفرد بين المؤرخين العمانيين، في كتابه (إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان) بذكر خبر وسنة وفاة مازن نقلا عن مرجعين إسلاميين، حسب ما أشار إلى ذلك بنفسه، عندما استعرض سيرة صالح بن المتوكل (انظر الجزء الأول، ص 25)، وهما:
– كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) للمؤرخ الإسلامي ابن الأثير الذي عاش بين القرنين السادس والسابع الهجريين.
– وكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني الذي عاش بين القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
وهما من الكتب التي حاولت تقصي أخبار صحابة الرسول ومن التقى به، وذكر أخبارهم، وذكرا بأن مازن بن غضوبة قتل مع خادمه الصحابي صالح بن المتوكل في الفتوحات الإسلامية في منطقة (بردعة) التي تتبع أذربيجان، دون تحديد العام الذي قتلا فيه.
ولكن سيف البطاشي استنتج بأن العام الذي قتل فيه مازن بن غضوبة ومولاه صالح بن المتوكل هو العام الخامس والعشرون للهجرة، استنادا إلى أن هذا العام شهد فتح المسلمين لبردعة في خلافة عثمان بن عفان بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي.
وبناء عليه، فإنني أرى التالي:
– أن مازن بن غضوبة شارك بالفعل في الفتوحات الإسلامية بناء على حماسه منقطع النظير في اعتناق الدين الجديد ورغبته الواضحة في خدمة أهله، وهذا ما يتضح في قصة إسلامه وعودته إلى عمان ليدعو إلى الدين الجديد وبنائه لمسجد المضمار، وهذا ما يؤكده أيضا البيت الأخير من القصيدة التي تنسب إليه، والذي يقول فيه:
فأصبحت (همي في الجهاد) ونيتي
فلله ما صومي ولله ما حجي
– وبالتالي فإن خروجه من عمان للمشاركة في الفتوحات الإسلامية أدى إلى انقطاع أخباره عن أهل عمان، مما ترتب عليه عدم ورود ذكر له في المصادر العمانية، فكيف لشخصية عمانية وإسلامية بهذا الحجم أن تغفل المصادر عن ذكر بقية تفاصيل حياته من بعد إسلامه وعودته إلى عمان، إلا إذا كان قد خرج من عمان من أجل الجهاد وبالتالي انقطعت أخباره.
– وطالما أن مازن بن غضوبة شارك في فتوحات أذربيجان واستشهد في معاركها، فمن الطبيعي أن يدفن فيها، فمن غير الممكن أن يكون قد تم نقل رفاته ليدفن في سمائل لأسباب شرعية وجغرافية، ولأن العادة جرت بأن يدفن الشهداء في المناطق التي يستشهدون فيها.
– كما أن بعض الروايات تشير إلى أن لمازن ذرية استقرت في البصرة وعاشوا فيها، وهذا مما يؤكد بأن مازن قد خرج بالفعل من عمان في تلك الفترة.
– وإذا كان إسلام مازن تم في العام السادس للهجرة، وفتوحات أذربيجان كانت في العام الخامس والعشرين، فإن المسافة الزمنية (19 سنة) بين الحدثين ليست بالبعيدة بحيث يمكن نفيها، أو اتخاذها ذريعة في ذلك، خاصة وأن الفتوحات الإسلامية كانت الشغل الشاغل للمسلمين طوال فترة دولة الخلفاء الراشدين، بما فيهم أهل عمان.
أما في حالة وجود اقتناع بأن مازن بن غضوبة توفي في عمان، فإن ذلك مبني على احتمالين فقط:
الأول: بأن مازن بن غضوبة عندما خرج للجهاد والمشاركة في الفتوحات الإسلامية، عاد إلى سمائل مرة أخرى وتوفي فيها، مما يعني عدم صحة وفاته في أذربيجان.
الثاني: بأن مازن لم يخرج أصلا من عمان ولم يشارك في الفتوحات الإسلامية، وبالتالي لا صحة لما أورده بعض المؤرخين الإسلاميين، وهذا مما لا أرجحه شخصيا، قياسًا بشخصية مازن بن غضوبة وحماسه الذي ذكرته في اعتناق الإسلام ورغبته الجامحة في خدمته بشتى الطرق ومن ضمنها الجهاد في سبيل الله..
وبغض النظر عن هذا الخلاف حول وفاة الصحابي الجليل مازن بن غضوبة ومكان وجود قبره، فلنا كل الشرف باعتبارنا عمانيين انتماء هذه الشخصية العظيمة إلينا، ولسمائل الفيحاء مولدا ونشأة له، وأرى ضرورة إعادة النظر في مثل هذه المواضيع، حتى تتضح الحقائق بشكل أكبر وأوسع، خاصة في ظل وجود بعض الأضرحة المثيرة للجدل في عُمان.