فضاءات

عزة الكميانية تكتب: إلى وزارة التربية والتعليم، مطالب أولياء الأمور بين التجاهل والتنفيذ (3-7)

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

عزة بنت محمد الكميانية- روائية عمانية

بما أن فرض الواجب المنزلي يعتمد على الحالة النفسية وعلى رؤية كل معلم ومعلمة على حدة –كما تحدثنا في المقال السابق- فإن إلغاء الواجبات المنزلية وكذلك المشاريع المرهقة ماديًا ومعنويًا سيحل هذه المشكلة نهائيا، وسيقتلعها من الجذور، وسيحل معها مشاكل كثيرة أيضا.
فالموضوع ليس ماديا وحسب، فليس كل أولياء الأمور فقراء، وإن كنا نراعي هذه الفئة من المجتمع التي ترهقهم المشاريع المدرسية أكثر من غيرهم، وخاصة أنهم يعملون ويكدون لساعات أطول، مما يكون الإرهاق عليهم جسديا وماديا أكبر، ولكن ربما كانوا يعانون من الأمراض المزمنة فتصبح هذه المشاريع والواجبات عبئا كبيرا عليهم، وفي حالات كثيرة تصاب الأم بالمرض لفترة طويلة فليس شرطا أن تكون مصابة بمرض مزمن لا شفاء منه، فالصحة بيد الله تعالى ينزعها متى يشاء، ويعيدها متى يشاء أيضا، فتظل الأم خاضعة للعلاج لفترة طويلة في البيت أو المستشفى حتى تستعيد صحتها، فيضطر أقاربهم للاعتناء بالأم والأولاد، وفوق ذلك سوف يضاف إليهم عبء الاهتمام بالمشاريع والواجبات المنزلية! وأحيانا يكون الأب لوحده من يتحمل كل العبء حتى تشفى زوجته، فتحضير الأولاد للذهاب للمدرسة عبء بنفسه، فكيف يضاف إليه عبء آخر؟!


وهناك من لديه أولاد كثيرون، حتى لو أن الله تعالى رزقهم الصحة والعافية والمال الوفير، فإنهم يظلون كل يوم مشغولين بمشاريع وواجبات أبنائهم، فالحياة ليست دراسة وحسب، إنما هناك أشياء أخرى يجب أن يفعلها الطالب وأهله، فالبيت للراحة، لزيارة الأهل والأقارب، للتنزه، لقراءة قصة قصيرة، أو تعلم مهارات جديدة، وللمذاكرة وخاصة في فترة الاختبارات، إما أن يؤدي الطالب واجبا يوميا يقتطع جزءًا من يومه، فهذا شيءٌ لم يعد يطاق، ومعظم أولياء الأمور يتذمرون من هذا الأمر، وخاصة حينما يكون الطالب في الصفوف الأولى يكون كل اعتماده على أهله، في أداء الواجبات أو إقامة المشاريع، فعندما تكون الأسرة لديها طفلان أو ثلاثة في المدرسة سيكون وقتهم مهدرا كثيرا، ويزداد الضغط على الأم وخاصة عندما يكون لديها طفل رضيع، فإن حياتها تصبح مشتتة ومعقدة، بين الاهتمام بالرضيع، وبين أعمال المنزل التي لا تنتهي، وبين الواجبات والمشاريع التي تطلب من الطالب، حتى لو كانت بشكل متقطع، فهذا يربك حياتها أكثر وأكثر، وإما أن تهمل الواجبات والمشاريع فيكون التوبيخ على الطفل في المدرسة مما يكرهه فيها أكثر، ويكبر وهو كارهٌ للمدرسة، وكارهٌ للحياة، وإهمال الأم أو الأب لمساعدة أولادهم في الواجبات المنزلية في الصفوف الأولى يؤدي بالطالب لإهمال أشياء كثيرة، ومن ضمنها المذاكرة، أو القيام بالمهام التي يوكلها الوالدان عليه، كتنظيف غرفته، أو ترتيب ألعابه، وبذلك يكون الوالدان بين نارين، نار القيام بالواجبات المنزلية، والشد على الطفل للقيام بها أو نار إهمالها وبذلك يقل مستوى الطالب، ويُرسِّخ في نفسه الإهمال وعدم المبالاة، فمع استمرار التوبيخ في المدرسة لعدم كتابة الواجب، يصبح الطالب متبلد المشاعر، لا يردعه توبيخ، ولا ينفذ أوامر، فتتسرب هذه اللامبالاة لتشمل أمورا أخرى في حياته، وحتى في المدرسة، فلا يذاكر للاختبارات، ولا يستجيب الطالب لتعليمات المعلم، وربما يؤدي للفوضى في المدرسة، ولذلك يختار الوالدان – وعادة الحمل يقع في رأس الأم لأن الأب نادرا ما يذاكر أو يحل الواجبات لأطفاله- نار القيام بالواجبات المنزلية التي فرضت عليهما فرضًا، وكأنهما لا يزالان في مقاعد الدراسة، وكأنهما لم يتخرجا أبدا، ولن يتخرجا إلا بعد عشرين سنة أو أكثر، فكلما انتهى طفل من مرحلة التعليم الأساسي دخل طفل آخر المدرسة، وغالباً يكون عدة أطفال في المرحلة الدراسية نفسها ، فعندما يكون الابن الأكبر في الجامعة، يكون هناك طفل أو طفلان لا يزالان يدرسان في مرحلة التعليم الأساسي، وبذلك يظل الوالدان، أو بالأحرى الأم تدرِّس، وتساعدهم على كتابة الواجب، وتضغط عليهم للقيام بها، فهل سيكون قوة احتمالها مثلما كانت تهتم بطفلها الأول الذي أصبح في الجامعة، بالطبع لن يكون كذلك، لأن صحتها لم تعد كالسابق، مما يسبب الكثير من الإهمال، أو العصبية لإجبار أبنائها على أداء الواجبات، مما يفسد العلاقة بين الأم والطفل.
نعلم إنه لا ذنب للمعلمين في كل ذلك – باستثناء الذين يفرضون واجبات كثيرة كل يوم- فهم يقومون بواجبهم؛ لأن طريقة تقييم الطالب في المدرسة يجب أن تشتمل على القيام بالواجبات المنزلية وعلى تنفيذ المشاريع، والمعلم مرهقٌ أيضًا من التغييرات التي حدثت منذ نهاية التسعينات، فمتى ستهتم الوزارة بمطالب أولياء الأمور وكذلك الكثير من المعلمين، فتلغي الواجبات المنزلية كما فعلت كثير من دول العالم، فالعالم يتقدم ويتطور، ولا تزال وزارة التربية والتعليم في بلدنا تعقد أساليب التعليم، التي تُدخل الطلاب في متاهات كثيرة، أدت لكرههم للمدرسة والتعليم، فكلما التقيت بطالب وسألته هل تحب المدرسة أجاب: لا.
ومهما حاولت تحبيب المدرسة لقلوبهم، بالوعظ والإرشاد وتبيان فضل العلم والتعلم، يأتي ردهم نفسه: لا نحب المدرسة.
وقبل أيام سمعت مقطعا تسجيليا لطفلة أيرلندية من دبلن، اتصلت بشركة مختصة بهدم المباني وطلبت منهم هدم مدرستها، وأكدت عليهم أن يفعلوا ذلك وكل المعلمين والمعلمات في داخل المدرسة لأنه بحسب قولها: لا أحد يحبهم! وقد بررت سبب رغبتها في هدم المدرسة وكل المعلمين بداخلها قائلة: هم يقومون بإعطائي واجبات منزلية إضافية في يوم الجمعة!
فالطالب هو الطالب سواء في الشرق أو الغرب جميعهم يكرهون الواجبات المنزلية، لذلك أكثر الطلاب حبًا للمدرسة هم الذين يعيشون في الدول التي ألغت الواجبات المنزلية، وخفَّضت ساعات التعليم.



الجزء الأول:
https://ath.re/2IshP6P


https://ath.re/2IshP6P

الجزء الثاني:

https://ath.re/2Iyvucz

Your Page Title