صبحا بنت سليمان بن سعيد الهيملية- باحثة تربويه بوزارة التربيه والتعليم
يقع الجبل الأبيض ضمن ثلاثة نطاقات هي محافظة شمال الشرقية ومحافظة جنوب الشرقية ومحافظة مسقط من ناحية قرية المزارع بولاية قريات، وللجبل أربعة مداخل، المدخل الأول من قرية بعد بولاية دماء والطائيين والمدخل الثاني من قرية إسماعيه بولاية دماء والطائيين أيضا، أما المدخل الثالث فمن بلدة طيوي بولاية صور والمدخل الرابع من قرية المزارع بولاية قريات.
وتشير الدلائل الحفرية إلى أن الإنسان العماني استوطن الجبل الأبيض منذ آلاف السنين، فالشواهد الأثرية تؤكد أن الاستيطان البشري يعود تاريخه إلى 2500 سنه قبل الميلاد أبرزها المقابر على شكل أبراج والمقتنيات الأثرية التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية كالأواني الفخارية والنحاسية التي تعود إلى حضارة أم النار والحضارة السومرية في بلاد الرافدين.
ويُعدّ الجبل الأبيض لوحة فنية فريدة من نوعها تحتضنها جبال الحجر الشرقي من عماننا الجميلة تتداخل فيها معاني الحياة والجمال في آن واحد لتشكل لنا لوحة فنية يعجز عن رسمها أي فنان فهو سر من أسرار عُمان حيث القرى المتناثرة هنا وهناك بين وجنتي الوادي التي يزيد عددها حوالي الخمسين قرية يحتضنها الجبل بدفءٍ ووئام.
بدأت القصة مع الجبل الأبيض منذ 2003م في زيارة مع طالبات المدارس ، وعند صعودنا للجبل تبادر في ذهننا منذ الوهلة الأولى أن لا حياة للإنسان في هذا المكان وأنه مجرد صخور متناثرة صلدة وجبال شاهقة لا تصلح لحياة الإنسان، ورغم صعوبة الطرق ووعورتها وشدة الانحدارات على جانبيها إلا أنه المسار الوحيد لاكتشاف البيوت الصغيرة والقرى المتناثرة التي عرفت معنى الحياة على ضفاف الجبل ،عرفت الإنسان العماني وقدرته على العيش ومكابرة الطبيعة ،عرفت نظرات الأطفال قبل الكبار للغرباء القادمين ،إذ إن طبيعة الجبل رُسمت في وجوه الأطفال لتعبر عن طبيعة الحياة وقساوتها هناك، ومن القصص التي يرويها أحد سكان الجبل والمعاناة أثناء سقوط الأمطار وانقطاع الحياة عن العالم الخارجي لأشهر عديدة ليبدأ البحث عن وسيلة من أجل البقاء. نعم إنه الإنسان العماني الذي عرف المكان على مر الزمان.
يمتهن سكان الجبل حرفة الرعي كمصدر مهم للرزق، وفي أغلب الأحيان تقوم المرأة بهذه المهمة فتخرج في الصباح الباكر مع قليل من الزاد غير مكترثة للبرد القارص شتاءً أو الشمس الملتهبة صيفًا، في رحلة شاقة مع قطيعٍ من الأغنام لتعود مساءً بعد رحلتها الشاقة بين ضفاف الجبال الشاهقة.
أما الزيارة الثانية فكانت عام 2017م وكان الهدف منها التعرف على طبيعة حياة السكان في الجبل وأهم الخدمات التي وصلت للقرى كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها من الخدمات التي يحتاجها السكان ، ورغم وعورة المكان وبعده عن الخدمات الأساسية إلا أن رحلة التعليم لأطفال الجبل تبدأ قصتها عند خروجهم من منازلهم ولا تزال ظلمة الليل تخيم على سفوح الجبال ،حيث يخرج المئات من أبناء الجبل يوميًا لتبدأ معاناتهم مع المنحدرات والتعرجات الجبلية في طريق ترابي لمسافاتٍ بعيدة تتجاوز العشرات من الكيلومترات إلى القرى المجاورة طلبًا للعلم ، فيبدأ يومه الدراسي في قاعات الدراسة لينهل من مختلف المعارف والعلوم لتبدأ رحلة العودة إلى الجبل بنفس المسافة وقد انهكت هذه الأجسام الصغيرة التعب فالعودة ليلا والطريق مظلم ولكن في سبيل العلم لا للظلام مكان لطالب العلم.
وهناك زيارات عديدة قدمت للجبل من مختلف المؤسسات الحكومية والقطاعات الأهلية وهذا إن دل فإنما يدل على أن رياح التغيير قادمة للجبل الأبيض وأن أغلب الخدمات ستكون متاحة لسكان الجبل.
والإنسان العماني لديه روح التحدي لا يوجد في قاموس حياته معنى لليأس والفشل ولا في أبسط مظاهر حياته، بدأ حياته قديماً على هذه الأرض الطيبة واستمر إلى يومنا هذا في البناء والعطاء من أجل وطنه، وهنا لا بد أن نشير أيضاً أن الإنسان العماني أينما وجد في السهل أو الجبل أو الوادي كان عنصر فاعل ومتفاعل مع بيئته غير مكترث للصعاب والطبيعة القاسية ارتبط بالمكان والزمان منذ الأزل هذا ما أكدته الشواهد الأثرية والتاريخية في أكثر من بقعة من بقاع عُماننا الجميلة، والتي هي جميلةٌ من وجهة نظر الزائر وأكثر جمالاً من وجهة نظري ومن وجهة نظر القارئ.
وكلمة أخيرة: سيظل الإنسان العماني في كل شبرٍ من هذه الأرض عامل البناء والتطوير في ظل قائدنا المفدى السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه –