أثير- سيف المعولي
خلصت دراسة جديدة عن “الاستحكامات الحربية في مسقط” إلى مجموعة من النتائج والتوصيات المهمة.
وأكدت نتائج الدراسة التي أجراها الباحث محــمــود محـــمد صادق محـــمد لنيل درجة الماجستير في الآداب (الآثار الإسلامية) من جامعة المنيا أن التخطيط المعماري العام لكل من (أسوار مسقط القديمة، وقلعة الجلالي (995هـ/ 1587م)، وقلعة الميراني (995هــ /1588م)، وقلعة مطرح (عصر اليعاربة) هويته وأصوله عربــــية.
وأوضح الباحث حول ذلك قائلا: بعد الاطلاع والمقارنة بين الرسومات التي قام برسمها (دي يسنده) (1045هـ/1635م) أي قبل إزاحة العدوان البرتغالي بخمسة عشر عاما، وبين الصور الواردة من تقرير الزيارة الخــاص بالرحالة الشهير كأمبفر الذي زار مسقط في عام (1100هــ/1688م)، أي بعد إزاحة العدوان البرتغالي عن مسقط بحوالي ثمانية وثلاثين عاما، ومن خلال الصور الحالية لموقع هذه القلاع فضلًا عن تقرير الزيارة الميدانية التي قمت بها لموقع هذه القلاع جميعا، أؤكد بأن جميع العمائر التالي ذكرها وهي: (أسوار مسقط القديمة، وقلعة الجلالي (995هـ/ 1587م)، وقلعة الميراني (995هــ /1588م)، وقلعة مطرح (عصر اليعاربة) هي استحكامات دفاعية عربية الطراز عُمانية الأصل لا تمت للبرتغاليين بصلة إلا في الاسم والموضع فقط الذي بنيت عليه هذه القلاع، وأن القلاع القديمة التي بُنيت خلال فترة الاحتلال البرتغالي هُدمت تمامًا ولم يتبق منها شيء، وأرجح من خلال الدراسة الميدانية أن قلعة مطرح بُنيت في “عهد سيف بن سلطان اليعربي”؛ نظرًا لتأثرها بدرجة كبيرة في التصميم المعماري بقلعتي الجلالي والميراني من حيث المظهر الخارجي وبعض العناصر الدفاعية، ومن حيث التخطيط المعماري فهي متأثرة بالقلاع العُمانية القديمة كقلعة “نخل” وقلعة “الرستاق”.
من جانب آخر أوضحت نتائج الدراسة أن الطرز المعمارية للمباني الدفاعية بمحافظة مسقط تنقسم إلى طرازين معماريين هما: القلاع غير منتظمة التخطيط: وهي قلعة الجلالي (995هـ/ 1587م)، وقلعة الميراني (995هــ /1588م)، وقلعة مطرح (عصر اليعاربة)، وذات التخطيط منتظم الشكل: وهي حصن بيت الفلج بمنطقة “روي”، وحصن قريات بولاية قريات القرن (13هـــ/ 19م)، وحصن بيت المقحم بولاية بوشر القرن (12هـــ/ 18م).
كما كشف الباحث في دراسته النقاب عن جودة التخطيط المعماري للحصون الدفاعية منتظمة الشكل في محافظة مسقط والمتجسدة في كل من حصن بيت الفلج بمنطقة روي، وحصن قريات بولاية قريات القرن ( 13هـــ/ 19م)، وحصن بيت المقحم بولاية بوشر القرن ( 12هـــ/ 18م)، حيث تبين من خلال الدراسة أن المباني الدفاعية منتظمة التخطيط في محافظة مسقط وباقي مناطق السلطنة تأثرت بدرجة كبيرة في تخطيطها المعماري بالعمارة المدنية للبيت الإسلامي القديم في منطقة شبه الجزيرة العربية ودول الخليج العربي.
وكشفت الدراسة عن نتيجة مهمة أيضًا هي تقدم العمانيين وبشكل كبير في التفنن بتقنيات الدفاع؛ إذ ظهرت بمختلف العمائر الدفاعية أساليب المكر والدهاء الحربي عبر استخدام الخنادق في عدم اقتراب العدو من المبنى واستخدام المزاغل والشرافات الحربية لإمطار العدو عن بعد بوابل من السهام أو حتى طلقات البنادق، كما استخدم العُمانيون السقاطات لصب المواد الكاوية على من يقترب من مداخل تلك الحصون، فضلا عن استخدام الأبواب السرية للفرار من المبنى في حالة دكه أو هدمه، كما استخدمت الأبواب الهابطة التي تقع خلف المداخل مباشرة للفتك بالعدو حالة دخوله المبنى عبر انزلاقه إلى الأسفل، كما أجاد العُمانيون استخدام الأسوار كخط دفاعي مهم فضلا عن استخدام الأبراج المحصنة، والبوابات السميكة.
وأكدت الدراسة جودة استخدام مادة الأحجار وبكثرة في عملية البناء بقلاع محافظة مسقط وحصونها، وذلك لقوتها ومتانتها في مقاومة الظروف الطبيعة والبشرية على السواء، كما كشفت ندرة استخدام الزخارف في القلاع والحصون الدفاعية بمحافظة مسقط، وذلك لطبيعتها الحربية لكونها قلاعًا أنشئت بهدف دفاعي بحت، مؤكدةً العلاقة المرتبطة بين تطور منظومة التسليح الحربي وأثر ذلك على جوهر التخطيط المعماري الحربي والعناصر الدفاعية.
وأوصى الباحث في دراسته الجهات المختصة بفتح أبواب قلعتي الجلالي والميراني أمام الزائرين من كافة الجنسيات باعتبارهما أحد الإنجازات المعمارية المهمة للعمارة الدفاعية العُمانية، كما أوصاها بمراعاة اختيار المواد والتقنيات الحديثة المتطورة في عملية ترميم الأماكن الأثرية فضلا عن الاهتمام بجلب المتخصصين في ذلك، حيث أكدّ تحفظه على الأسلوب المتبع في ترميم قلعة الميراني باللون الأصفر الداكن الذي جرّد القلعة من طبيعتها الحربية إلى شكل يُشبه البيوت العادية في وقتنا الحالي – حسب وصفه-.
وأكدت توصيات الدراسة ضرورة الاهتمام بهذه الأماكن الأثرية وإعطائها قدرها من الأهمية التي تتناسب مع مكانتها الأثرية والتاريخية، كما اقترحت إنشاء “كلية للآثار” بجامعة السلطان قابوس والجامعات الموازية لها، تحتوي على قسم آثار ما قبل الميلاد، وقسم الآثار الإسلامية، وقسم الحفائر وصيانة الآثار، وقسم علوم المتاحف كما اقترح الباحث فيتوصيات الدراسة إنشاء مركزٍ للتقنيات المتقدمة في علوم الآثار
يُذكر أن الرسالة تمت مناقشتها يوم 16-12-2018م- وحسب الباحث فإنها تُعدّ أول رسالة جامعية باللغة العربية عن الآثار في عُمان، حيث ستتحول إلى كتاب سيتوفر بمعرض القاهرة للكتاب يوم 23 يناير الجاري.