مسقط – أثير
حاوره: د.ناصر العتيقي
تتشابه مدينة “صور العمانية” في التسمية مع مدينة “صور اللبنانية”، مع وجود مؤشرات على وجود صلات فينيقية بين المدينتين.
حول هذا الموضوع تواصلت “أثير” مع الدكتور حسن ذياب الباحث والمؤرخ اللبناني في التاريخ من مدينة صور اللبنانية، والأستاذ في الجامعة اللبنانية فكان هذا الحوار:
السؤال الأول: دكتور هناك الكثير من الباحثين يشكك في إمكانية أن تكون صور عمان أو مناطق في جنوب جزيرة العرب هي الموطن الأصلي للفينيقيين ، بينما هناك فريق آخر ينفي أن تكون صور لبنان وغيرها من مدن سواحل الشام هي أماكن فعلية لهجرات الفينيقيين ويؤكد أن جميع هذه الأحداث كانت في الحجاز وجنوب شبه الجزيرة العربية اعتمادا على بعض ما جاء في التوراة خصوصًا سفر حزقيال، فما هو رأيكم العلمي في هذه الأقوال ؟
أعكف منذ مدة طويلة على كتابة تاريخ صور في العهد الفينيقي، واطلعت على العديد من المؤلفات والدراسات العربية منها والأجنبية ، وأخيرًا زرت عددًا من المكتبات الجامعية المتخصصة بالتاريخ والتراث وعلم الآثار في إيطاليا للبحث والاطلاع، وأخلص إلى القول بأن جميع الباحثين الذين تناولوا بصدق وموضوعية واستنادًا إلى دراسات معمقة تعود إلى هيرودوت واسترابون وفلافيوس اليهودي وغيرهم كثر قد أكدوا أن جذور سكان المدن الفينيقية المنتشرين على الساحل ما بين فلسطين ولبنان وسوريا تعود بأصولها إلى الجزيرة العربية، وأن الأسماء متشابهة من صور إلى صيدون ( المحرق) إلى جبيل إلى ارواد، وليست بالصدفة أبدا. أما ما ورد في التوراة عن صور ، وأنا تصفحته جملة جملة، وقمت بتفحص أسفاره بدقة تامة، لا يدع مجالا للشك بأن ما جاء في سفر حزقيال في الشكل والمضمون يقصد فيه مدينة صور اللبنانية. ويبقى أنه لا بد من الاطلاع على كتاب المؤرخ اللبناني الشهير كمال الصليبي بعنوان” التوراة جاءت من جزيرة العرب ” ، وهو كتاب قيّم ومهم لكنه قابل للنقد، وهو يقول بأن جميع المدن والحواضر وأماكن الأحداث التي جاءت في التوراة يكمن مسرحها في الجزيرة العربية، وهذا الكتاب لاقى اعتراضًا كبيرًا من السلطات السعودية بحيث منعت إدخاله إلى المملكة.
السؤال الثاني: الكثير من الباحثين في التاريخ عندما يذكر موضوع انتماء الفينيقيين إلى جنوب الجزيرة العربية يسألون عن آثارهم ومعابدهم ومقتنياتهم في “صور عمان” مثلا فلا نجد أي أثر لهم . فهل تركوا آثارًا تميزهم في صور لبنان أو غيرها من المدن اللبنانية الأخرى ؟
أعتقد أن الآثار المتبقية من العهد الفينيقي في مدينة صور العمانية تكمن في باطن الأرض ، في المقابر مثلا أو في الحفريات التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن. وأنت تعلم بأن ولاية صور العمانية تعرّضت في تاريخها السحيق إلى العديد من الزلازل والهزات الأرضية بحيث قضت على جميع الأبنية المعمارية القديمة وسوتها أرضا، ولهذه الأسباب وغيرها بدأت الهجرات السكانية المتتالية من مناطق الجزيرة العربية إلى بلاد ما بين النهرين وإلى سواحل بلاد الشام، في فلسطين حاليا ولبنان وسوريا منذ الألف الثالث ق.م. كما ورد على لسان هيرودوت..
وهناك بالتأكيد آثار فينيقية وُجدت في لبنان عبارة عن بعض المنشآت المعمارية مبنية بالحجارة الرملية أو الكلسية اكتشفت في طبقات الأرض السفلية في صور وفي بيروت وفي باقي المدن الفينيقية.. وفي صور تم اكتشاف مساحة مهمة بعمق 4 أمتار عبارة عن بقايا مساكن فينيقية ، وتم وضع اليد عليها من قبل المديرية العامة للآثار.
السؤال الثالث: ألا توجد آثار واضحة فوق الأرض ؟
في عام 2012م تم اكتشاف هذا معبد فينيقي وهو يعود إلى نهاية الحقبة الفارسية
.
السؤال الرابع: دكتور حسن هذا الكم الذي ذكرته يُعدّ كمًا ضئيلا مقارنة بتاريخ الفينيقيين وأغلبه تحت الأرض بينما المعبد تم اكتشافه فقط في عام 2012 فهل كان هذا المعبد مدفونًا تحت الأرض ؟
هو تحت الأرض، وقد تم اكتشافه خلال الحفريات الرامية إلى إنشاء قواعد إسمنتية لإقامة بناء حديث.
السؤال الخامس: يُقال بأن أغلب الآثار الموجودة في لبنان اليوم خصوصًا فوق الأرض هي آثار رومانية ويونانية اغريقية فما هو السبب في قلة وجود الآثار الفينيقية في موانئهم الرئيسية بسواحل شرق البحر المتوسط ؟
الآثار الرومانية هي آثار ضخمة بُنيت على أنقاض الحضارات السابقة اليونانية والفينيقية. علما بأن سور مدينة صور الذي بلغ ارتفاعه حوالي 45 مترًا خلال حصار الإسكندر المقدوني لها في العام 332 ق.م. قد تهدم ولا تزال معالمه وحجارته ظاهرة للعيان في عمق البحر المحيط بها.. ولا ننسى بأن المدينة تعرّضت أيضا للعديد من الزلازل المدمرة..