عمانيات

الفراسة هل هي علم أم شعوذة وتنجيم؟

الفراسة هل هي علم أم شعوذة وتنجيم؟
الفراسة هل هي علم أم شعوذة وتنجيم؟ الفراسة هل هي علم أم شعوذة وتنجيم؟

مسقط-أثير

أعدّ التحقيق: رهام الربعانية ومروى العبرية

بالرغم من تنامي ثقافة المجتمع على مر الأزمان إلا أنه توجد ثغرة في بعض اعتقادات أجدادنا السابقة والتي لا تزال موجودة إلى وقتنا الحاضر؛ حيثُ يوجد العديد من العلوم التي ورثناها عبر أسلافنا القدامى والمؤسف أن هذه العلوم قد تلبست من قبل أشخاص لا شأن لهم فيها . ومنها علم الفراسة ويقصد به القدرة على الاستدلال بالأحوال ببعض العلامات الظاهرة، وفي قوله تعالى: “إن في ذلك لآيات للمتوسمين” أي يُقصد بالمتوسمين هم قارئو الوجوه. وقد برع العرب في هذا العلم من أقدم العصور حيث تحكي كتب التاريخ عن ذلك ، و يستطيع ذو الفراسة التعرف على الأشخاص من خلال قراءة الوجوه وإيماءات الجسد، وفي قوله تعالى: “لما جاءتهم آياتنا مبصرة” تحمل هذه الآية في طياتها معنى الإبصار أنه لا يكون فقط مجرد فعل ورد فعل إنما هو عملية تفاعل متكاملة.

ومن هنا نتساءل عن الأسباب التي أدت الى تكاثر المنجمين والدجلة ومن ينظر في الأبراج معتقدًا أن التأثير والعلاج فيها وهو في الواقع لم يصل لتلك المرحلة من الفراسة كما نتساءل عن كثرة لجوء المجتمع لهؤلاء المنجمين باعتقاد منهم أنهم يملكون العلاج والشفاء من بعض الأمراض النفسية.

و للحديث أكثر عن هذه المشكلة التقينا عددا من المهتمين و المختصين في هذا المجال، حيث يقول الدكتور وليد بن حمد الرواحي الخبير الأول في علم الفراسة وتحليل الشخصية، ومهندس أول في نظم معلومات بأن علم الفراسة هو علم يستخدم في الخير أو الشر، و يوجد لدينا ما يسمى بالفراسة الهندية و الفراسة الصينية و الفراسة عند العرب و المسلمين. ويضيف: إذا استخدم الناس فراسة الهنود والصينيين فهي تدخل في جوانب الشعوذة و التنجيم لأن هؤلاء الناس يستخدمون الفراسة بطريقة قراءة المستقبل والغيب و هذا يتنافى مع العقيدة ومع معتقداتنا. موضحا أن الفراسة العربية الإسلامية فراسة واضحة ومبنية على قواعد علمية و دينية و كذلك مستنبطة من القرآن الكريم و السنة النبوية.

من جانبه صرح الدكتور الفاضل عصام السلوادي مؤسس علم الفراسة الحديثة وصاحب شهادة دكتوراه فيها بأن علم الفِراسة هو علم حقيقي، يستند إلى أصول علمية تجريبية تطبيقية بحتة، كسائر علوم الطب والفيزياء والكيمياء وباقي العلوم المستندة إلى المعلومات الحقيقية الصحيحة، والتي استندت إلى أكثر من عشرين علما حقيقيا للوصول إلى قواعد الاستدلال في الفراسة الحديثة، والذي أثبته بطريقة علمية من خلال أطروحة دكتوراه الأولى على مستوى العالم، وكانت بعنوان” دليل تربوي مقترح مبني وفق علم الفراسة لتعرف سلوك طلبة المرحلة الثانوية الأردنية”، والتي أجيزت في الجامعة الأردنية، قسم أصول التربية، عام 2014م، حيث استند فيها إلى الأصول الشرعية الدينية مخالفا فيها خزعبلات ودجل وشعوذة المدعين بذلك، وأكد السلوادي بأن الفراسة علم لا دخل له في الغيب ولا ينادي به، بل يعادي من يقول بذلك، فالفراسة ما هي إلا قواعد أصيلة علمية يستند فيها إلى أسس علمية نصل فيها إلى معرفة ووصف سلوك ما من خلال عضو من أعضاء الجسد، لافتًا بأن ذلك بعيد كل البعد عن التخمين والتوقع والرجم بالغيب، وإقناع القارئ يكون من خلال تتبع الدلالات العلمية بمعنى 1+1=2، ويقصد الابتعاد الكلي عن الظنون، وضروب الخيال” قال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ،ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28النجم)\

وأعرب الأستاذ محمد بن صالح الندابي الخبير في مجال الاستشارات والجلسات النفسية و منشئ برنامج الميتاكاريزما أن الفراسة هبة من الله تعالى بحيث يتمكن الإنسان من فهم وقائع ستأتي لاحقا وقد اتخذها العلم الحديث على أنها علم في حد ذاته وهي ليست علم تنجيم ونتمكن من إقناع القارئ بضرب له الأمثلة التي تحدث في الحياة بشكل طبيعي.

من جانبه قال يوسف البلوشي مدرب معتمد في التنمية البشرية : رغم عراقة الفراسة وتنوع مجالاتها وانتشارها على مستوى العالم قديما وحديثا ووجود كثير من المؤلفات فيها لم يتم إقرارها حتى الآن كعلم من العلوم ، إلا من قبل المختصين بها حالها كحال ما يسمى بعلم البرمجة اللغوية العصبية ، ومن الناس من يعتقد أن الفراسة ضربٌ من الشعوذة والتنجيم وهذا أمر غير حقيقي فالمحلل لا يعرف الغيب ولا يقرأ الكف أو الفنجان ولا يمكن أن يخبر أي شخص بما سيحدث له في المستقبل ، ولو فعل ذلك فهو مخادع وخرج عن الفراسة ودخل في أمور أخرى.

وأضافت أسمهان الوهيبية طالبة من كلية الشرق الأوسط بأن علم الفراسة هو علم قديم وجميل وفيض من العلم وبحر فهو العلم الذي يبحث في ظواهر الناس ليعلم بواطنهم ، أي معرفة طباع وأحوال البشر دون اتصال مباشر بهم أو معرفة الأمور من نظرة . وهناك آيات ودلالات حكيمة تؤكد جمال هذا العلم وإبداعه في التحليل وقد استخدمه الصحابة والأنبياء أيضا . واستدلت الوهيبية ببعض الأدلة من القرآن الكريم التي تؤكد جمال هذا العلم ، من سورة الحجر ، قال اللـه تعالى : “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِين” ، ويقصد بها هم القارئون للأوجه . وموضحة بأن هناك ثلاثة أنواع للفراسة منها: الفراسة الإيمانية والفراسة السلوكية والفراسة المكتسبة . الفراسة الإيمانية هي التي توجد في أتقياء الله وأنبياء الله والصحابة كما قال عمرو بن أبي قيس : اتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله.”
وأضاف الخبير الأول في علم الفراسة بأن الحاسة السادسة يقصد بها الحدس والحدس من العلوم ما وراء الطبيعة وهي كرامات الله سبحانه وتعالى يعطيها لمن يشاء من عباده.
وأوضح الرواحي أيضا الفرق بين علم الفراسة والحاسة السادسة قائلا: الحدس متعلق بالسلوك ويعني سلوك الشخص من خلال هيئته ومن خلال شكله ومن خلال لونه فالفرق بين الفراسة والحدس أو الحاسة السادسة، علم الفراسة هو من العلوم الطبيعية المبنية على دراسات أما الحدس هي كرامات الله تعالى لمن يشاء.
وأضاف السلوادي بأن الحاسة السادسة هي إدراك الأشياء أي إنها ليست حاسة مادية جديدة أو خروج عن الطبيعة البشرية أو خارقة من الخوارق، فنقول بأن الفراسة هي الحاسة السادسة، أما إذا كان تعريف الخاصة أو المدعين بالخوارق بأن الحاسة السادسة هي قوة خفية غير طبيعية فنقول لا يوجد أي علاقة بين الفراسة والحاسة السادسة، فنحن لسنا من أهل الخوارق مطلقا ولا ندعِ ذلك، موكداً بأن الفراسة علم يعلم على أصول وقواعد علمية، وليست على أوهام وادعاءات مطلقا. في حين أن الندابي خالفهم الرأي بقوله نعم يقال عنها بأنها هي الحاسة السادسة ولكن هناك تقريبا سبعون حاسة في الإنسان يعرف فقط أربع عشر منها.



اختلفت وجهات النظر من حيث تقبل الناس لهذا العلم بين مصدّق ومشكك. وأضاف الرواحي قائلا: في الوقت الحاضر يوجد تقبل عالٍ جدا لهذا العلم , فمن الطبيعي أن نجد نوعا ما اختلافًا في الرأي فيوجد من يؤيد هذا العلم ويوجد من لا يؤيده، ومن لا يؤيد هذا العلم هذا يعني أنه لم يقرأ أو يبحث في هذا العلم أو أنه قرأ في علم الفراسة غير المتعلق بالعرب والمسلمين.

وقال الرواحي : هناك تقبل لهذا العلم وذلك من خلال ملامستي للحضور والمشاركين في الدورات وحلقات العمل التي أعقدها. مرجحاً أن السبب يعود إلى أن الناس أصبحوا منفتحين وليس بالسهل أن تأتي بعلم وتغسل دماغهم بدون أن يكون هناك وعي وإدراك.

من جانبه أضاف الدكتور عصام بأن بدايته كانت صعبة جدا في تثقيف الناس بهذا العلم، فالناس غالبا لا يقرؤون، ولم يكونوا يفرقون ما بين الفراسة والفروسية ، ولا بين الفراسة والكهانة أو التنجيم أو العرافة أو الذكاء أو الاختلاج، أو الفطنة، فوجدت الفراسة في بدايتها مقاومة سلبية، شأنها شأن باقي العلوم الجديدة من معارضة، مشيرا إلى أن تقبل الناس ارتفع عن ذي قبل بقوله: أصبح الكثير يتسابقون للالتحاق بدوراتي المنعقدة في مناطق متعددة وعن طريق التعلم عن بعد أيضا.

فيما أكد البلوشي بأن الناس لا يزالون متفاوتين في تقبل الفراسة ورفضها ، حيث إن منهم من يعدها نوعًا من الشعوذة ويعتقد آخرون بأنها كشف لأسرار الناس ، وهناك من يتقبلها ويعدها علما من العلوم ، ويمكن أن نشبه حالها مجتمعياً بحال علم الأرصاد والأحوال الجوية.

وأوضحت الطالبة أسمهان بأن تقبل الناس لهذا العلم بشكل كبير من خلال حضورهم للدورات والمحاضرات التي تقام عن هذا العلم الشائق والجميل والذي جعلهم يتعرفون عليه ومعرفة ما فيه من حقائق . ولا ننسى الناس الشغوفه أيضا في اكتساب هذا العلم.

وفيما ما يخص سلبيات وإيجابيات هذا العلم أكدّ الدكتور الرواحي بأن علم الفراسة يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين إذا أكرم الله تعالى الإنسان بالفطرة بأن تكون له القدرة في تحليل الشخصيات والتفرس فيها، لأن الإنسان بإمكانه أن يستخدمه في الخير وبإمكانه أن يستخدمه في الشر، مشيراً إلى أن أبعاده السلبية كأن يقوم الشخص بتحليل شخصية الآخرين بدون علمهم وهذا في ظني واعتقادي أنه حرام ولا يجوز أن أحلل شخصية إنسان ما وهو لا يعلم، لا شك بأن هذا يُعدّ تعديًا على خصوصيات الآخرين. وشدّد الرواحي على ضرورة استحسان ومعرفة استخدام علم الفراسة بالطريقة الصحيحة.

وأشار السلوادي إلى أن الفراسة مصدر قوة كبيرة، تعطي صاحبها صفات القوة وملكة الخطابة واختراق المحيط، والتأثير بصورة قوية وملحوظة للجميع، فإذا كان هدف صاحب الفراسة خيرا فإن آثار الخير والإصلاح والدعوة والإرشاد والتوعية هي نتائجه الطبيعية، والعكس صحيح تماماً، فعندما يمسك الفراسة إنسان مغرض أو سلبي، فيبدأ بالبحث عن عيوب ومناقب الناس والتعالي والتكبر وغيرها من الآفات التي يحصل عليها جراء ارتفاع الأنا والذات، وتشوه المظلة الفكرية لديه.

وأكد البلوشي بأن الفراسة يمكن أن تكون علما إيجابيا عندما تساعد الآخرين في التعرف على أمور يجهلونها عن أنفسهم ، وعن المقربين منهم ، والكشف عنها يؤدي إلى تحسين حياتهم للأفضل ، أو ذكر خصائص شخصية لشريك الحياة للمقبلين على الزواج مثلاً ، ويمكن أن تكون سلبية عندما يدخل فيها الخداع والكذب وأكل أموال الناس بالباطل أو قيام المحلل بالكشف عن أمور تؤدي إلى وقوع فرقة بين زوجين أو صديقين.

وأضاف الدكتور وليد الرواحي قائلا : على حد علمي لا توجد جهات مختصة مئة بالمئة ولكن يدخل في إطار النصب والاحتيال وهذا بند واضح في قانون الجزاء العماني، إذ إنه لا يسمى شعوذة وإنما نصب واحتيال ومثل هذه القضايا موجودة كثيرًا وللأسف نعاني منها ونحاربها في الوقت نفسه ، وشددّ على ضرورة توعية المجتمع ونشر ثقافة علم الفراسة لكي يميز الناس بين هذا العلم العميق وبين الشعوذة والدجل.

Your Page Title