أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
يختلف الباحثون في اهتماماتهم التاريخية البحثية، فهناك من تكون اهتماماته عامة، وهناك من يهتم بجوانب معيّنة كالتاريخ البحري، أو تجميع وتحقيق المخطوطات، أو التنقيب عن الشواهد المادية الأثرية، أو جمع التحف والمسكوكات، وغيرها.. وخلال الموضوعات السابقة من سلسلة “المشتغلون بالتاريخ” عبر “أثير” عرضنا لنماذج من اهتمامات بعض الباحثين العمانيين، ولاحظنا التنوّع في تلك الاهتمامات، وتخصص البعض في اهتمامات بعينها إلى جانب القضايا التاريخية العمانية العامة.
وفي هذه المحطة من السلسلة نقدّم باحثًا عمانيًا مجيدًا اهتم – ضمن اهتماماته التاريخية المتعددة- بمجالٍ مهم وغير مطروق كثيرًا، بل قد يُعد من المجالات الصعبة والتي هي بحاجة إلى جهدٍ كبير في مجال البحث والاستقصاء وتحليل الوثائق المتعلقة به، ونقصد به موضوع “الوقف” الذي اهتم به عدد من الباحثين في السلطنة من بينهم ضيفنا الباحث خالد بن محمد بن عدي الرحبي الذي اقتربت منه “أثير” لتتعرف على بعض جهوده البحثية في مجال الوقف وتقدمها لقرائها المهتمين بهذا المجال.
جهود ومشاركات متعددة
للباحث خالد بن محمد الرحبي مشاركات وجهود بحثية عديدة لم تقتصر على موضوع الوقف فقط؛ بل تعداها لموضوعات وقضايا تاريخية متنوعة، ومن بين هذه الجهود: مشاركته في المؤتمر الدولي الخامس عن حركة الطباعة العمانية ودورها في التواصل الحضاري بماليزيا بورقة عمل حول “الطبعة الأولى من المناهج العمانية 1978-1984م”، بالتعاون مع الدكتور موسى بن سالم البراشدي
تناولا فيها اهتمام أهل عمان تاريخيا بالتعليم والتأليف من أمثال الشيخ صالح بن علي المنذري صاحب كتاب تحفة المتعلم وبشارة المتكلم، والشيخ خميس بن سعيد الشقصي وكتابه منهج المريدين وبلاغ المقتصدين وغيرهم من العلماء والمشايخ الأجلّاء.
للباحث خالد بن محمد الرحبي مشاركات وجهود بحثية عديدة لم تقتصر على موضوع الوقف فقط؛ بل تعداها لموضوعات وقضايا تاريخية متنوعة، ومن بين هذه الجهود: مشاركته في
المؤتمر الدولي الخامس عن حركة الطباعة العمانية ودورها في التواصل الحضاري بماليزيا بورقة عمل حول “الطبعة الأولى من المناهج العمانية 1978-1984م”، بالتعاون مع الدكتور موسى بن سالم البراشدي
تناولا فيها اهتمام أهل عمان تاريخيا بالتعليم والتأليف من أمثال الشيخ صالح بن علي المنذري صاحب كتاب تحفة المتعلم وبشارة المتكلم، والشيخ خميس بن سعيد الشقصي وكتابه منهج المريدين وبلاغ المقتصدين وغيرهم من العلماء والمشايخ الأجلّاء.
كما قدّم باحثنا ورقة عملٍ عن دور الوقف في الحياة الاجتماعية، بالنادي الثقافي سلّطت الضوء على دور الوقف في الحياة الاجتماعية في المدينة العمانية، ودراسة حول “الوقف في ولاية بدبد” ضمن أعمال ندوة (بدبد عبر التاريخ) التي نظمها المنتدى الأدبي في 2017، وله دراسة بعنوان “نسخ الوقف في نزوى” نُشِرت في العدد الأول من مجلة “الذاكرة” الصادرة عن مكتبة ذاكرة عمان.
رسالة ماجستير متخصصة
تُعد رسالة الماجستير التي قدّمها الباحث خالد الرحبي بعنوان: “الوقف في عمان وأثره في الحياة الثقافية والاجتماعية خلال الفترة من ق4-12هـ/10-18م..مدينة نزوى أنموذجا” هي الأولى في موضوعها على مستوى جامعة السلطان قابوس، وناقشت الرسالة الوقف في عُمان وأثره على الحياة الثقافية والاجتماعية، كأحد جوانب التاريخ الحضاري العماني، حيث تتبعت تطور الوقف في عمان بشكل عام ومدينة نزوى بشكل خاص خلال الفترة من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي حتى القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، وبحث دوافع الوقف وأنواع الموقوفات، إضافة إلى إدارة الوقف والمخاطر التي تعرض لها، وأثر الوقف في جوانب حياة المجتمع النزويّ ثقافيا واجتماعيا.
إصدارات
صدر لباحثنا وضيفنا في هذه المحطة كتاب (الوقف في نزوى)، بحث فيه تاريخ الوقف في هذه المدينة في الجوانب الثقافية والاجتماعية، كما عمل على إجراء عدد من الدراسات التاريخية التي تبحث في العلاقة بين الأفلاج والوقف، حيث أجرى دراسة لنسخة أو عرضة ( وتسمى أيضا عرضة أو جامعة، وهي دفتر يقيد فيه أسهم مياه الفلج ودورانها وأسماء الملاك، كما تقيد فيه المعاملات التي تحدث في هذه الأسهم من بيع أو شراء أو هبات أو وقف او غيرها) فلج المُيَّسَّر بالرستاق والتي تعود إلى 1219هـ /1804م، والتي أثبتت أن ما يقرب من 18% من أسهم مياه الفلج تعود للوقف، كما أجرى دراسة أخرى مشابهة على نسخة أخرى تعود لفلج الملكي بإزكي، وكانت أسهم الوقف في الفلج في حدود 25%، وهي نسب كبيرة تثبت أهمية الأفلاج في رعاية وتمويل الوقف، كما تثبت درجة اهتمام المجتمع العماني بالوقف لدرجة أن يُعطى ما يقترب من ربع أسهم الفلج الذي كان شريان الحياة في المدينة والقرية العمانية.
الوقف
يُعد الوقف صفحة بيضاء ناصعة من صفحات التاريخ الإسلامي، ومظهرًا حضاريًا اجتماعيًا، قلما تجد مجتمعًا إسلاميًا سواء أكان في القرية أم في المدينة إلا ويوجد للوقف فيه مساحة كبيرة، تغطي احتياجات ذلك المجتمع أو جزءًا منها، لكنه لم يحظَ بالكثير من الاهتمام في الدراسات التاريخية، لذلك أراد أن يسهم بقدر طاقته في البحث في مكنونات المدن العمانية من الأوقاف، وإبرازها للجيل الحالي علّ الخلف يقتدي بالسلف وتفتح عمان صفحة جديدة في تاريخ الوقف مستمدة من التاريخ الحضاري الإسلامي عموما والعماني خصوصا.
وبرز الوقف في عمان كغيرها من أقاليم العالم الإسلامي كأحد أبرز ركائز الحياة في المجتمع العماني في مختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها، متسمًا بسمات فرضتها طبيعة المنطقة ونظامها الاقتصادي والسياسي، إذ لا تكاد تخلو مدينة أو قرية عمانية من أوقاف في جانب أو أكثر، حيث وقف العمانيون لمساجدهم ومدارسهم ومكتباتهم وحاراتهم ولرعاية المرضى، وموارد المياه المتمثلة في الآبار والأفلاج، كما وقفوا أموالا للخدمات العامة مثل الطرق والرحى والمقابر وغيرها من متطلبات البنى التحتية والخدمية في المجتمع.
وقد عُرفت عمان الوقف منذ القرون الإسلامية الأولى، إلا أن أقدم وقف معروف في عمان حتى الآن -بحسب الباحث- هو وقف الإمام الوارث بن كعب المتوفى عام 192هـ، إلا أن الوقف في عمان كغيرها من البلاد الإسلامية مر بفترات من المد والجزر، التطور والانكماش، الازدهار والركود، حيث شهد الوقف في عهد دولة اليعاربة ازدهارا كبيرا بسبب النشاط الاقتصاد المزدهر الذي صاحب الاستقرار السياسي في عهدهم، كما كان لتواصل العمانيين مع غيرهم من الشعوب الإسلامية دور كبير في تنشيط هذا الدور للوقف، فقد وقفوا أوقافا للمساجد، وأوقافا تعليمية، وأوقافا صحية، وأوقافا اجتماعية لأغراض مختلفة، فقد كانوا يتلمسون حاجة المجتمع ويقفون لها أوقافا.
ولا يزال الباحث خالد الرحبي، ينقّب صفحات نسخ الوقف التي تعود إلى فترات تاريخية تمتد بعضها إلى القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجريين ليخرج مظاهر اهتمام العمانيين بهذا المظهر الحضاري ساعيًا إلى إبراز ذلك الجهد الكبير لأبناء عمان، مشجعًا الجيل الجديد لاستلام الراية والعمل بجد نحو إعادة العمل بسنة الوقف كي يستعيد مكانته في خدمة المجتمع تعليميا وصحيا واجتماعيا، وفي كل الجوانب التي تهم المجتمع.






