أثير – المختار الهنائي
قد يكون التريّث في نشر مواضيع صحفية حتى تكتمل صورتها هو ما يميز مصداقية السلطة الرابعة، رغم أنه في كثير من الأحيان قد يقضي هذا التريث على الخبر ويضعه في خانة “غير المهم” خصوصًا مع التسابق في تداول المعلومة في عصر التواصل الاجتماعي وثورته الكبيرة في سرعة الانتشار، وما يميز الصحافة عن التواصل الاجتماعي هو “المهنية” وعدم الانجرار نحو كل ما يُثار أو يُقال.
نطرح في هذا الموضوع مثالًا حيًا للاستقصاء عن المعلومة والسعي للبحث عن الحقيقة والالتزام بمبدأ الرأي والرأي الآخر ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الفردية، خصوصًا وإن كانت شكوى من فرد يحاول “استعطاف” الصحافة لصفه دونما حسبان بأن النشر لمجرد النشر ليس هو الهدف والغاية، وإنما الغاية الأسمى هو إيصال الصوت الحقيقي والإسهام في حل مشكلة أو عرقلة يتعرض لها المواطن ومناشدة الجهات المختصة علنًا إن استدعى الأمر.
خصوصًا وأن الصحيفة انتهجت ومنذ فترة ليست بالقريبة بمنهج البحث عن حل للمشكلة قبل طرحها، كالتواصل مع الجهة المختصة بجهد شخصي والحديث معها لحل هذه المشكلة، وخلال الفترة الماضية استطاعت الصحيفة أن تتوسط لحل الكثير من المشكلات بفضل تجاوب بعض الجهات.
بدأت قصتنا حين تواصل معنا أحد المواطنين تحدث خلالها عن قضية في ولاية العامرات بطلها عضو مجلس الشورى، يقول المواطن “بأن هذا العضو ضغط على وزارة الإسكان لاستحداث مخطط حديث في منطقة المحج وبه حوالي 130 قطعة، وسعر الأرض تتراوح بين 35 إلى 40 ألف ريال عماني وقام بتوزيعه على أفراد قبيلته فقط في تاريخ 25 مارس الماضي”.
وتساءل المواطن “هل يُعقل أن يتم ذلك ونحن في دولة القانون والمؤسسات وفي عام 2019، وهل يمكن أن يمر هذا الموضوع مرور الكرام دون تدخل الأجهزة الرقابية في البلاد، وهل يمكن أن نتغاضى لممثل الشعب أن يلعب بمصالح الشعب لصالحه ولصالح أهله وعشيرته ومن يتوقع أن يروجوا له لانتخابات مجلس الشورى للفترة القادمة، وهل يمكن أن نضع رقابنا لمثل هؤلاء الذين يعبثون بالأمانة التي وضعها الناس فيهم، وأقسموا بالله أمام قبة المجلس بأن يحافظوا على الأمانة؟ وهل يمكننا أن نتخيل نوع التشريعات التي سوف يضعونها في الاعتبار وهذه هي تصرفاتهم وسلوكياتهم”؟
أسئلة كثيرة لم تتوقف، طرحها المواطن علينا وتساءل أيضًا كيف لعضو بالمجلس أن يقوم بهذه التصرفات التي تدعو إلى القبلية والعنصرية البغيضة والمحاباة الصارخة والواسطة الفاضحة؟ وهل يحق لعضو مجلس الشورى أن يُسخِّر موارد البلاد لتحقيق مصالحه الشخصية؟
طلب منا المواطن أن “نُثير” هذا الموضوع إعلاميًا -حسب تعبيره- لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتحدث بأن لديه أدلة تُثبت كلامه، وعندما طالبناه بالدليل قال: “ابحثوا عنه في وزارة الإسكان”.
بدورنا قمنا بالتواصل مع عضو الشورى المقصود من مبدأ “الرأي والرأي الآخر” وتحدثنا معه عن الموضوع لينفي كل ما ادعاه المواطن، وذكر بأن المخطط يحتوي على 70 قطعة وليس 130، وتم منحها لأهالي المنطقة وفق قانون الاستحقاق، وهي ليست محصورة على قبيلة واحدة، بل إن المستفيدين من عدة قبائل، وما حدث بأن الأكثرية لقبيلة معينة جاء بسبب تكتل تلك القبيلة في المنطقة وهو أمر طبيعي يحصل في كثير من مناطق السلطنة وسبق وحدث في عدة مخططات بولاية العامرات وفق التركيبة السكانية للمنطقة.
كما أكد العضو بأن الموضوع تم مخاطبة الإسكان فيه منذ عام 2012م برسالة موقعة من الأهالي، وهو جهد الأهالي وليس جهده الشخصي والأمر ليس له علاقة بانتخابات مجلس الشورى، كما أكد العضو بأن أسعار الأراضي لا تصل قيمتها كما ذكر المواطن وأغلب القطع تحتاج إلى تسوية بسبب وقوعها على جبل.
بعد حديث عضو مجلس الشورى، أصبحنا في حيرة بين الرأيين، ولم نجد خيارًا سوى التواصل مع أحد مصادرنا في وزارة الإسكان للتأكد من المعلومات، وفعلًا جاءت المعلومات بعد حوالي يومين من حديث الطرفين معنا، وتبين بأن قطع الأرض هي 70 قطعة وليست 130 كما يدعي المواطن، وأكد المصدر بأن معاملة المخطط تعود إلى 2012م فعلا. كما أكد بأن الموضوع تم رفعه لجهاز الرقابة أيضًا.
ارتأت الصحيفة عدم نشر الموضوع للأسباب التي ذكرناها أعلاه، ولكن تفاجأنا بتغريدات لوزارة الإسكان توضح فيها حول الموضوع ردًا على تساؤل أحد المواطنين.
وقد ذكرت الوزارة في توضيحها بأنه ورد إليها في عام 2012م مطالبة من أهالي وادي الميح عن طريق عضو مجلس الشورى بالعامرات بأهمية توفير مخطط لأهالي المنطقة لعدم توفر أراضٍ بسبب تضاريس المكان، وتم التواصل مع الأهالي للبحث عن مخطط في تلك الفترة وتم تحديد مخطط في المحج -الامتداد الثاني- كمقترح لمنح المستحقين من الأهالي.
وأضافت الوزارة بأنه تم حصر أكثر من 200 مواطن ومواطنة من أهالي وادي الميح المستحقين، وبعد التنسيق مع الأهالي تم منح 70 مواطنًا ومواطنة ممن انطبقت عليهم شروط الاستحقاق بحيث يشمل المنح أكبر عدد من الأسر لمحدودية قطع الأراضي.
وبناءً على ما تقدم، أكدت الوزارة ما قاله مصدرنا وعضو مجلس الشورى، لتحقق “الصحيفة” واجبها ومسؤوليتها في عدم نشر القصة، وهي بلا شك ليست القصة الأولى بل هناك قصص أخرى لم ننشر عنها، استطاعت الصحيفة من خلال خبرتها أن تميّز القضية الحقيقية من المفتعلة، وأن تضع مصلحة المواطن والمصلحة العامة فوق أي مصلحة خاصة.