أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي
لا شك أنّ الأوضاع الأمنية في العالم غير مستقرة ، فهي ملتهبة في أماكن معينة كما هو الحال في منطقة الخليج العربي، بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ، ومنطقة الشرق الأوسط عموما كما هو الحال أيضا بين العدو الإسرائيلي من جهة وفلسطين وسوريا ولبنان من جهة أخرى ، بينما في أماكن أخرى قد تصل إلى حد السخونة ، وفي أماكن ثالثة لا تعرف الالتهاب ولا السخونة إذ منّ الله عليهم بالهدوء والسكينة ، وسبحان الله مقسّم الأرزاق والأحوال.
وتتفاوت درجة الالتهاب والسخونة بتفاوت واختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ولتأكيد هذا المعنى ، فحال الخليج في عهد الرئيس الأمريكي ترامب ليس كما كان في عهد أوباما ، فمع أنّ الأطراف واحدة تبقى الظروف الزمانية والموضوعية مختلفة تحكمها لعبة السياسة والمصالح ، وهي طبعا متغيرة أيضا بحكم عوامل شتى .
يربط الكثير من السياسيين والمحلّلين ، سياسة دولة مثل أمريكا بتغير الرؤساء ، فأوباما مثلا حملٌ وديعٌ في نظرهم ، بينما ترامب كلبٌ مسعور ، وعندي أنّ الاثنين سواء ، يبقى كلّ منهما رهن إشارة أهداف الحزب الذي ينتمي إليه، مع التأكيد الشديد على دور جماعات الضغط ، والإعلام الأمريكي واللوبي الصهيوني المتغلغل في الحياة الأمريكية ، وغير ذلك من أدوات الضغط على الإدارات الأمريكية ، سواءً كانت تلك الإدارة ديمقراطية أو جمهورية ، بالرغم ممّا يقال بأن الدولة الأمريكية هي دولة مؤسسات .
وأستدرك القول ، بأنه مع ذلك يوجد هامش بسيط للرؤساء للمناورة وكيفية التنفيذ ، فلو عُدنا إلى أوباما وترامب ، فالأول تحكمه الفلسفة والتنظير في تنفيذ سياساته وإقناع الآخرين بها ، في حين تحكم الثاني الرعونة والعنف في تنفيذ سياساته. وبخلاف ذلك لا حديث إلا عن سياسات وخطط يرمي الحزب المنتمي إليه الرئيس لتنفيذها .
ومن منطلق ذات الفهم عند أولئك السياسيين والمحلّلين ، زعم بعضهم منذ فترة إلى فرضية إقالة ترامب من قبل الكونجرس الأمريكي خلال أسبوعين ، ثم خلال شهر أو شهرين ، ثم خلال السنة الأولى ، وهكذا إلى أن وصلنا إلى فرضية كبرى يرددونها ليل نهار ، وهي عدم التجديد له لولاية ثانية . وغالطنا منذ فترة هذه الآراء – برأي متواضع -وقلنا ببقاء الرجل في رئاسته ، وذهبنا مبكرًا باحتمالية التجديد له لولاية ثانية ، واليوم نؤكد وبشدة فيما ذهبنا إليه ، فلا يخدعن أحد نفسَه بالأمنيات فيصحو على حين غفلة ، ليكتشف بأنها أماني فاشلة وواهمة .
وليس هذا هو لبّ المقال الذي أرمي إليه ، بل أردت التنبيه إلى هذا الضجيج والصراخ والكمّ الهائل من التحليلات اللحظية اليومية ، التي أردتُ كبحَ جماح انفعالاتها ، وعدم صدقيتها ؛ إذ إنّ قائلها من السهل عليه تغيير مواقفه وتحليلاته في اليوم التالي ، ما يهمّه الشهرة وضخامة عدد المتابعين له ، ولذلك ترى البعض يتخذ من الكلمات الشعبوية أسلوبا لجذب المتابعين ، ويستعين فريقٌ منهم بلغة تحريض الشعوب على دولها أو أنظمتها ، وهو يدرك في قرارة نفسه بأنّ كل ما يقوله مجرد خداع وتنويم مغناطيسي لمتابعيه ، مع أنه لو تتبّع قرّاؤه أو مستمعوه أو مشاهدوه لمواقفه وآرائه ، لوجدوها غير ثابتة في زمن قصير جدا ، وأحيانا تصل إلى حد التناقض الواضح .
نأتي إلى العقدة الأهم عند الكتّاب والمحلّلين العرب ، وهي الجرائد الأجنبية وخصوصًا الإنجليزية مثل الإندبندنت والأمريكية مثل الواشنطن بوست، والفرنسية مثل الفيجاورو وغيرها ، واعتبار ما تأتي به من أخبار ومعلومات وتحليلات من المسلّمات والحتميّات التي لا تقبل الشك ، وهذا لا يمكن قبوله على إطلاقه ، فهذه الجرائد لها توجّهاتها وسياساتها الظاهرة والباطنة ، ويجب الحذر منها ، لكنها في نظري تبقى عقدة الخواجة الأجنبي العارف العالم المطلع الصادق في كل مجالات الحياة .
وفي إطار التحليلات التي نقصدها ذلك التهويل في وقوع الحرب ، كما قدّر أحدهم وقوعها بعد أسبوعين بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وكأنه صاحب قرار الحرب والمطّلع على خبايا الأمور ، تهويل بالصراخ والضجيج وكأنّ الحرب نزهة بحرية ، وعزز كلامه بافتراضات وتوقعات وهمية وهو في نشوة تامة وفرحة عارمة ، يتسوّل التصفيق والاقتناع والانحياز لرأيه وهذيانه لكسب المزيد من الدولارات والدنانير من هنا وهناك .
ما إن تتحرك سفينة عسكرية لأمريكا أو روسيا أو الصين أو إيران ، أو لأي دولة أخرى ، أو ظهور جنرال ببزّته العسكرية ، أو مشاهدة طائرة حربية ولو على مدرج المطار ، حتى ينبح النابحون بالحرب ، ويهرول المهرولون الظانين بأن الحرب ستحقق لهم أمنياتهم وأوهامهم المدفونة في نفوسهم المريضة ، يظنون بأنهم سيحصلون على كريسي يجلسون عليه مع المنتصرين ، لكنه حلم المجانين فعلى فرض وقوع الحرب وحصول الانتصار ، فإنّ المنتصرين لن يسمحوا للسذّج بالجلوس معهم احتفاءً بالنصر .
لم يستفدْ كل هؤلاء من الحروب التي قامت ولا تزال قائمة هنا وهناك ، ألم يدرك هؤلاء أن الحرب إذا اندلعَت لا أحد يملك إطفاءها ، مهما كانت قوته على الساحة الدولية، نعم قد يحوزون مفاتيح الحروب أو عود الثقاب ، لكنهم بالقطع ليس لديهم مفاتيح الغلق أو الإنهاء ، فلا داعي لدق طبول الحرب في نهاركم وليلكم ، فلا إيران مستعدة للدخول في الحرب ، ولا أمريكا ترغب بالدخول في حرب مع إيران في هذه المرحلة ، ولا أظن طرفًا آخر على استعداد في الذهاب إلى حرب جديدة ، قد تطول فتدمّر الأخضر واليابس . أما تصريحات السياسيين والعسكريين من الأطراف ، فهي ليست إلا من قبيل الحرب النفسية التي يشنّها كل طرف من قبيل كسْر الروح المعنوية لدى الطرف الآخر ، في الوقت الذي يدرك فيه كل طرف حجمه وقدراته العسكرية ، وكل الأطراف التي خبِرَت الحروب ، ستفكّر آلاف المرات قبل الإقدام على أي خطوة نحو الحرب .
هل تريدون الحقيقة وأقولها من نظرة وتحليل شخصي ؟ لا حرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لا بعد أسبوعين أو شهر أو شهرين ولا حتى بعد سنة ، في ظل المعطيات والمناخات السياسية والأمنية الحالية . لا حرب شاملة بين العدو الإسرائيلي ، وأي من فلسطين أو لبنان أو سوريا خلال الستة الأشهر القادمة ، إلا إذا تغيّرت الظروف الحالية بين الأطراف ، وهذا وارد بالطبع .
دَعُوكم من التهويل والضجيج والصراخ والتخويف للشعوب ، وتلْهيتهم بما لن يكون ، وأنتم في قرارة نفوسكم موقنين بعدم صحة كلامكم وتحليلاتكم ، والدليل : ها قد مضى الأسبوعان اللذان كنتم بهما تُوَلوِلون وتحوم توقعاتكم حولها ، فهل أنتم منتهون؟