أثير- موسى الفرعي
بمناسبة مرور 275 عامًا على تأسيس الدولة البوسعيدية، قدمت إذاعة الوصال المسلسل التاريخي الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية، حيث قام ببطولته الفنان الكبير أسعد فضة مع نخبة من النجوم. ويُعدّ هذا المسلسل أول عمل درامي يتعاطى مع سيرة الإمام أحمد بن سعيد، وليس هذا المقام مقام عرض منجزات الدولة البوسعيدية في القرن الثامن عشر وشرح لقدرة العمانيين على بسط قوتهم ونفوذهم، لكننا في حضرة عمل درامي يستحق النظر إليه بشكل استثنائي ابتداءً من كتابة الأستاذ حسن يوسف لسيناريو العمل بدقة تاريخية وحوارية منطلقة من محاور ومحددات تاريخية فاصلة في سيرة الإمام أحمد بن سعيد، وبطريقة تجعل من الحوار اللفظي حوارًا حركيا وبهذا أصبح تبادل الحواس أثناء متابعة هذا العمل الدرامي أداة استثنائية في إنجاح العمل، غير أن هذه الجزئية لا يمكن أن تشكل سببا كافيا لنجاح العمل لولا القدرة الفذة لأبطال هذا العمل على تأدية العمل، ليجيء الأستاذ حسن حناوي مخرج العمل ويترجم سيرة الإمام أحمد باحترافية عالية ابتداءً من تجسيد الرؤية الفنية الواضحة للجميع مرورًا بالمخطط الزمني وصولًا للصورة النهائية التي قُدمت في شكل عمل درامي إذاعي.
إن هذا التوافق والتكامل بين متطلبات التنفيذ أعطت للعمل بعدًا جماليا آخر وهو السماح للخيال ( السمعي ) بأن يكون ناقلا بصريا للمستمع وتنمية زوايا تخيلية متنوعة لديه من أجل الوصول به إلى أعلى مستويات الإدراك لموضوع العمل.
في الضفة الأخرى كان هناك عمل موسيقي راقٍ ينضج ليتسق مع أبعاد هذه الدراما التاريخية الملحمية كتب كلماته الشاعر يوسف الكمالي وقام بتلحينه السيد خالد بن حمد البوسعيدي، وقد استطاعت ثنائية الكلمة والموسيقى في إبراز العناصر الدرامية لهذا المسلسل، بل لا أبالغ إن قلت إن هذا الجانب لعب دورًا مهمًا في نجاح العمل، لأنه استطاع أن يرسم إطارا واضحا لأحداث هذه الملحمة التاريخية باعتبار المقدمة الغنائية باب العبور الأول لهذا العمل.
إن هذا العمل التاريخي مفخرة كبرى ولو أنه أخذ شكل الدراما التلفزيونية لكان أكثر إبهارا وتحقيقا لقيمة الثقافة التاريخية، وشكّل نقلة نوعية في الدراما العمانية بشكل خاص وإضافة للدراما العربية بشكل عام، وكم رجوت أن أحيط بمبادئ النقد لمثل هذه الأعمال كي تتسنَى لي الكتابة عنه بشكل يليق بجودة العمل، لكن الحديث عن هذا العمل كما يبث الفخر والاعتزاز فهو يحرك في داخلي أيضا الغيرة والرغبة الكبرى في أن يكون دافعا لرجال الأعمال والمؤسسات الإعلامية لإنصاف تاريخنا، وها هو السيد خالد بن حمد بصفته رجل أعمال، والوصال بصفتها مؤسسة إعلامية قد بادروا بأداء الواجب تجاه وطنهم وتاريخهم وبصورة مثالية، وعلى الآخرين الآن أن يسلكوا مسلكهم بدءًا من إعادة إنتاج هذا العمل الدرامي تلفزيونيًا، وتبني موضوعات أخرى بمثل هذه الجودة العالية مع عدم الاكتفاء بالإعلام الداخلي بل أن يتم التعاون مع مؤسسات إعلامية عربية وعالمية سواء إذاعية أو تلفزيونية؛ فالعمانيون أعلم بتاريخهم.
ولا شك بأن مثل هذه الأعمال مدعاة للفخر والمتعة لكن الأعظم والأعم فائدة هو إنشاء جسر لعبور المعرفة والإمتاع إلى أكبر شريحة ممكنة، لا سيما أننا نملك كل مقومات النجاح، بدءًا بالثراء التاريخي وصولا إلى القدرة الإنتاجية، وكم أرجو ختاما أن أكون قد وُفقت في أن أقدم بطاقة شكر لكل طاقم العمل على ما قاموا به بشكل لائق بهم فأنا ما زلت مسكونًا بدهشة العمل التي لم أتخلص منها بعد، كما أرجو أن تكون خاتمة هذه الكلمات افتتاحية حراك رجال الأعمال في هذا الاتجاه، والتفات المؤسسات الإعلامية إلى هذا البعد الفني، والتفافها حول هذا البُعد التاريخي.