فهد بن راشد الجهوري
تتعدد الحروب بأنواعها وأشكالها وأساليبها ودوافعها، ونتائجها، فنجد الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية ، والحرب السياسية وغيرها من المسميات، كحرب المدن وحرب العصابات وحرب الشوارع، إلا أن أخطر أنواع هذه الحروب، بل هي مفتاح النجاح والتفوق لكل نوع من أنواع الحروب آنفة الذكر إنها وبلا أدنى شك هي : الحرب النفسية أو كما تسمى حرب استعباد العقول!.
يقول المنظر العسكري “صن تزو” ( إن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال). وفي عام 1951م أنشا الرئيس الأمريكي “هيئة للاستراتيجية النفسية” من أجل تقديم المشورة لمجلس الأمن القومي. وفي عام 1953 كان هناك مستشار شخصي في الحرب النفسية يعمل في البيت الأبيض لمعاونة الرئيس “آيزنهاور”.
من هنا ندرك بأن أهم مقومات أي حرب يعتمد على العامل النفسي للدولة المستهدفة، فتأثيره يمكن أن يتدخل في الإرادة والعزم والتصميم ، فيجعل الشخص غير قادر على التفكير السليم وقد يجعله عاجزا عن التفكير تماما. وتعتمد الحرب النفسية في المقام الأول على معرفة طبائع الشعب الذي ستوجه إليه حملاتها، ولذلك تسعى أساليبها إلى دراسة عقائد هذا الشعب وميوله واتجاهاته وأساليب تفكيره، حتى يتسنى لها التأثير عليه والضرب في مواطن الضعف عنده، مستخدمة جميع الوسائل بدون أن تكشف عن هويتها وعن أهدافها ، ولا يكلفها ذلك أموالا طائلة كتلك التي تهدر في الحروب الأخرى، ولا داعي أن تتحرك جيوشها أو أن تطلق رصاصة واحدة، مكتفية باستخدام أدواتها عن بعد. ومن هذه الأدوات وأهمها شبكة المعلومات الدولية( الإنترنت) من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كالمنتديات والفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من البرامج والتطبيقات المختلفة التي أصبحت في متناول الجميع، فهي تسهل انتشار المعلومات المراد بثها في مجتمع ما سواء أكانت صحيحة أم إشاعة .
إن أهداف الحرب النفسية أن تتوجه إلى عقل الإنسان ونفسيته لتحقيق السيطرة على الإرادة وتغيير مسار الولاء والاعتزاز بالوطن إلى وطن آخر، كذلك التأثير على الآراء والمواقف في الاتجاه الذي يخدم سياسة الدولة وأهدافها، وذلك بشن هجوم عنيف على القوى الروحية والمعنوية والنفسية والمعتقدات الثابتة لدى الخصم لزعزعتها ومن أهدافها أيضا: إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والعنصرية بين طبقات المجتمع، وإيجاد الأزمات والصراعات الداخلية، وإثارة الفرقة والانقسام بين صفوف الأمة، وإضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية، وزرع عوامل اليأس والإحباط في النفوس وبث روح الانهزامية .
ويختفي العدو في الحرب النفسية وراء الدين والصحافة والإذاعة أو الأحداث أو الأصدقاء أو الفكاهات ، وما إلى ذلك فهذه الحرب ليست مباشرة وليست وجها لوجه .
ومن مقومات الحرب النفسية البساطة والإثارة والتشويق ، وقد توجد هذه المقومات بيئة نفسية مواتية للاختراق إن لم تعمل الدولة المستهدفة على ردمها سريعا.
ورغم شراسة الحروب النفسية إلا أن هناك أساليب مناسبة لمقاومتها منها: تحديد أشكالها، ثم قياس شدتها واتجاهاتها ومعرفة الأدوات والوسائل المستخدمة لتنفيذها، والقيام بعمل إيجابي في ميدان التوعية الوطنية، وغرس القيم الدينية والخلقية حتى لا تترك الفرصة لتسريب المبادئ الانهزامية، وتحصين الشعب ضد سموم الشائعات التي يروجها العدو، والإيمان بقبول الاختلاف الفكري والمذهبي ، فكل إنسان مسؤول عن معتقداته بشكل فردي لا جماعي، وتغليب الوعي والرهان على التعايش في المعركة الوجودية المستهدفة، وتعزيز مبدأ العيش المشترك في ظل قبول الاختلاف داخل الوطن .
فالحذر كل الحذر من ابتلاع هذا السم مهما تقاطعت وتناغمت حججه ومرئياته مع هوى وأمزجة نفسية، فالكل يعبر بحور الفتن بسفينة التعايش.
المراجع :
-الإعلام العسكري- الدكتور عبدالله الكلباني
– فتنة تروج من الخارج ورهانات المواجهة الوطنية الدكتور عبدالله باحجاج