أثير- سيف المعولي
مَن منّا يُنكِر حنان الأم، وعطفها على أبنائها حتى في أسوأ الظروف، ومَن هو العاقل الذي يقول بأن الأمهات يُفضّلن أنفسهن على أبنائهن، ويتسببن في تشتيتهم، و”بهدلتهم”، وهُن يُرخِصن أرواحهن لأجل سعادتهم وفرحتهم!
ما سنقرأه في الحكاية القادمة قد يُغيّر الإجابات البديهية التي اعتدنا عليها للأسئلة أعلاه، وقد يُثبِت بأن بعض الأمهات لم تعد “مدرسةً” يلجأ إليها أبناؤها، يوم أن أصبح “الإهمال” لديهن بديلًا لـ “المراعاة”، و”اللامبالاة” عِوضًا عن “الاحتواء”، وإلّا كيف يهون على أمّ ترك أطفالها لوحدهم في المنزل لمدة يومين!..
الحكاية التي تعامل معها “خط حماية الطفل 1100” في وزارة التنمية الاجتماعية بكل جدارة، تبدأ من زواج مواطن بأجنبية تحمل جنسية إحدى الدول الآسيوية، إلى جانب زواجه المسبق بمواطنة وإنجابه منها عددًا من الأبناء والبنات كبروا وتزوجوا واستقروا مع عائلاتهم.
أنجب المواطن من الآسيوية ولدين وبنتًا، وساءت العلاقة لوجود خلافات مستمرة بينهما، وصل الأمر في بعضها إلى الادعاء العام؛ حيث كانت الزوجة تعامل زوجها بقسوة وعنف، وقبل وفاته بشهر وعدة أيام تقريبًا أخذت الأبناء وهربت إلى بلادها، لتجعله “يُغمض عينيه” عن الحياة إلى الأبد دون أن يرى فلذات كبده بجانبه.
وهي في بلادها علِمت بموت زوجها، فعادت إلى السلطنة “طمعًا في الإرث” ربما، وأخذت تُسقِط معاملتها السابقة لزوجها على الأبناء هذه المرة؛ فهي لا تستقر في مكان معين، وتشتت أطفالها من مكان إلى آخر، مما تسبب في غيابهم عن المدرسة، وتدني مستواهم الدراسة، بل إنها لا تطبخ لهم، وإنما يأكلون مما يحصلون عليه من الجيران، والأدهى من ذلك أنها تمنعهم من الاختلاط بإخوانهم وأبنائهم، مما أفقدهم لغة الود مع الآخرين، وجعلهم منعزلين وفي “قلق وخوف” دائمين.
هذا الوضع لم يُعجِب أحد جيران الأسرة، ورأى أن من واجبه الإنساني والأخلاقي التبليغ، فاتجه إلى خط حماية الطفل- الذي يستقبل أي بلاغ بوقوع إساءة لطفل، وليس بالضرورة من صاحب العلاقة- وأخبرهم بأن هناك أطفالًا يتعرضون للإهمال وعدم المتابعة من قبل والدتهم التي دائما ما تخرج من المنزل تاركة أطفالها بدون رقيب.
تحرّك المختصون إلى المنزل، وتأكدوا من صحة البلاغ؛ فالأطفال لوحدهم بدون رقيب، ويفتقرون للنظافة الشخصية والعامة، والإهمال الشديد، والأم غير موجودة منذ يومين، وبقرار من الادعاء العام، وبتوصية من مندوب حماية الطفل تم إيداع الأطفال الثلاثة بدار الرعاية المؤقتة، بعد أن تأكد وقوع الإهمال عليهم.
أعُطِيت الأم فرصة للإصلاح، ونُظِّم لها جلسات لتعليمها وتهيئتها برعاية أطفالها والاهتمام بهم دراسيًا وصحيًا، مع عدم تنقلها من مكان إلى آخر، ثم وقّعت على تعهد بأخذ أطفالها والالتزام برعايتهم، لكن زيارة أخرى إلى المنزل كشفت بأن الأمر “محلك سر”، بل ساءت أحوال الأطفال أكثر، وضعف مستواهم الدراسي من كثرة الغياب، فأًصدِر قرارٌ جديد من الادعاء العام بعد توصية من اللجنة بإيداعهم دار الرعاية المؤقتة، واتخاذ المقتضى القانوني ضد الأم؛ فإهمالها للأطفال عن عمد كتغييبهم عن المدرسة، وعدم حصولهم على التطعيمات الطبية، وعدم الاهتمام بطعامهم كلها ممارسات خاطئة يلاحقها القانون.
الحكاية أعلاه هي مشهد من صور “الإهمال” الذي يُعدّ من أكثر أنواع الإساءة شيوعًا في إحصاءات لجان حماية الطفل للعامين 2017 و2018م، والذي تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على معالجته والحد من آثاره بالتعاون والشراكة مع جهات داخلية وخارجية، ومن ذلك المؤتمر الدولي العربي السادس للوقاية من سوء معاملة الأطفال والإهمال ” اسبكان عُمان 2019 الذي انطلق اليوم بالشراكة مع جامعة السلطان قابوس وجمعية الأطفال أولا ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وجمعية المهنيين العرب للوقاية من العنف ضد الأطفال، والجمعية العالمية لحماية الطفل من سوء المعاملة والإهمال.
https://ath.re/30kVVtk