فضاءات

‏م.محمد التميمي يكتب: الحافة التراثية بصلالة.. عبق التاريخ

‏م.محمد التميمي يكتب: الحافة التراثية بصلالة.. عبق التاريخ
‏م.محمد التميمي يكتب: الحافة التراثية بصلالة.. عبق التاريخ ‏م.محمد التميمي يكتب: الحافة التراثية بصلالة.. عبق التاريخ

م. محمد بن نادر التميمي- مهندس معماري

جولة قصيرة في أزقة منطقة الحافة القديمة في ولاية صلالة كافية بأن تعطي الزائر لمحة تاريخية عن المنطقة التراثية وأهميتها قديما حيث إنها تعد إحدى أقدم التجمعات العمرانية في مدينة صلالة والتي كانت مليئة بالتقاليد الاجتماعية من قبل ساكنيها والتي تتنوع فيها التفاصيل المعمارية الدالة على سلوك العماني المتوارثة عبر التاريخ حيث يمكن ملاحظة كثرة المساجد والمصليات إضافة إلى الدكك (منصات الجلوس) المنتشرة في الأنحاء، هذا مع الدخول في دهاليز تصاميم المنازل الفريدة التي تستوحي من التراث الإسلامي الشيء الكثير. ويكاد الزائر للمنطقة التراثية في الحافة أن يسمع صدى من سكنها، بين قهقهات أطفالها وحوارات رجالها وأهازيج أفراحها . كل هذه التفاصيل ترويها لنا المباني القديمة والسكك الفاصلة بينها .

التفاصيل المعمارية المتعددة بالمنطقة والتي حافظ عليها العُماني منذ مئات السنين إلى يومنا هذا ظلت شاهدا زمكانيا على حرفة الصانع المستوحاة من عناصر البيئة المتوفرة، فسماكة الحوائط للمباني كانت رادعا لتقلبات الطقس، كما إن تصاميم الأبواب والنوافذ التقليدية المنحوتة يدويا من العلامات المميزة في إضفاء خصوصية داخلية لمن سكنها بحيث تسمح بدخول أشعة الشمس الساطعة ويصعب في المقابل كشف ما بالداخل في دلالة تقنية قديمة استمد منها المعماريون أفكارا في التصاميم الحديثة.

وشكل تصميم الحارة القديمة نموذجا منفردا في تعدد المسالك المؤدية من وإلى الشاطئ من جهة وإلى السوق القديم من جهة أخرى بالإضافة إلى الارتباط الميداني الوثيق مع المزارع المحيطة بها.

سلوكيات إنسانية متعددة أفضت إلى الثبات على مرتكزات تخطيطية عرفية امتازت بها الحارات العمانية التاريخية. والتراث المادي القائم حاليا بمنطقة الحافة والذي قامت الجهات المعنية مشكورة بتسويره حماية له من أيدي العابثين تمهيدا للمضي قدما في ترميمها والحفاظ عليها، يعد معلماً خلاباً للزائرين الذين يستمتعون بمشاهدة قرية حجرية وطينية مشيدة بكل تفاصيلها منذ مئات السنين‏ ‏وحافظت على روحها حتى وإن كانت تلك المشاهدات غير مكتملة نظرا لعدم البدء في المشروع، لكن التأمل في تفاصيل الحارات وتداخل المباني وتلاصقها وتصميمها الخارجي الفريد هو إرث حضاري مهم بالسلطنة يُضاف إلى القرى التراثية العمانية التي تسعى وزارة التراث والثقافة الموقرة إلى توثيقها لدى المنظمات الدولية للتراث المادي لما لها من انعكاسات إيجابية على وضع اسم السلطنة كأحد أهم دول العالم في الإرث التاريخي والمحافظة عليه مع الإشارة إلى أن الموقع جزء من مشروع تطوير وتجميل منطقة الحافة والصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٢٠٠٦/٨٣) بتاريخ ( ٢٥/٧/٢٠٠٦) والذي أكد خصوصية المنطقة التراثية وأهمية المحافظة عليها، مع أهمية إشراف وزارة التراث والثقافة الموقرة على مرحلة الترميم المنتظرة من قبل أهالي المنطقة الذين بادروا في التعاون مع رؤية الحكومة نحو تطوير المنطقة وفق المرسوم السلطاني المشار إليه وفق تطلعاتهم إلى أن تكون المنطقة مزارا يحكي عبق التاريخ العُماني الضارب في القدم على غرار الكثير من القرى العالمية التي حافظت على تشكيلاتها البنيوية في دلالة على احترام التاريخ المكاني والوجداني لهذه المناطق.

إحياء المنطقة التراثية في الحافة بصلالة يتطلب الاطلاع الدقيق على تاريخ المنطقة ومدى ارتباطها بالمجتمع المحلي وآلية مساهمتهم في إضفاء المعلومات المتعلقة بالمباني والسكك والأزقة والجوامع والمصليات وغيرها من تفاصيل ذات رونق يسلب العقول للتمعن في قصص ساكنيها . ويعتقد الجميع أن هذا الأمر لن يخفى على الجهات المعنية المشرفة على تطوير المشروع بحيث يجب أن تضع في الاعتبار كافة الملحوظات التي تمشي جنبا إلى جنب مع النهج السامي لباني النهضة حفظه الله ورعاه نحو المحافظة على التراث المادي والثقافي والحضاري للإنسان العُماني في كل شبر من هذا الوطن، والذي معه نشد على أيدي الجهات المعنية بسرعة ترميم جميع المباني بالمنطقة التراثية دون استثناء لتضفي لمدينة صلالة معلما آخر يلامس مشاعر الآلاف ممن ارتبطوا بها وجدانيا، ويتأملون أن يروها في أجندة القوائم الدولية للمزارات التاريخية.

وهذا الدور المنوط بوزارة التراث والثقافة الموقرة للإشراف المباشر على عمليات الترميم المعمارية وفق الأساليب العالمية الحديثة إضافة إلى مشاركة أهاليها وفق المراجع المتوفرة حولها.
وتختلف تقنيات الترميم المتبعة هندسيا باختلاف المنشآت وحالها، إلا أنه مع عدم وضوح الرؤية حتى الآن لمن قاموا بتسليم ملكياتها التي توارثوها منذ مئات السنين يطرح الكثير من التساؤلات حول الوعود المرتبطة بترميمها، فهل حافظت التصاميم المقترحة الجديدة على هذه الوعود؟


الجدير بالذكر أن المنطقة تمت دراستها منذ عام ١٩٩٨م عن طريق وزارة الإسكان الموقرة وشركات استشارية مختلفة وجميع هذه الدراسات انتهت إلى المحافظة على كافة تفاصيل المنطقة التراثية والميادين والمساجد بشكلها الحالي مع ترميمها نظرا لأهميتها وذلك بالتنسيق مع ملاكها آنذاك. وإعادة دراستها دون استطلاع آراء الأهالي أو المجتمع المحلي بشكل عام يوحي بتوجهات تثير التوجس حول ترجيح كفة الاستثمار الدخيل على الهوية العامة للمناطق التراثية والتي قد تنعكس سلبا على قبول المجتمع ورفضهم التام لأفكار مختلفة عن واقع المناطق القديمة بشكل عام.

Your Page Title