فضاءات

محمد الهادي الجزيري يكتب: جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة

محمد الهادي الجزيري يكتب: جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة
محمد الهادي الجزيري يكتب: جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة محمد الهادي الجزيري يكتب: جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة

أخطاء فادحة

جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة 2018

فاطمة كرومة

محمد الهادي الجزيري

سبق لي أن نوّهت بهذه التجربة المتميّزة قبل صدور الديوان..أمّا وقد صارت المجموعة بين يديّ ..فحريّ عليّ أن أكتب عنها خصوصا وصاحبتها شاركت هذه الفترة في ملتقى ببريطانيا ..إثر دعوة من المجلس الأعلى للثقافة البريطاني ..وذلك بعد نجاح المشروع الشعريّ العالمي الذي انطلق في تونس السنة الفارطة..، وقد سعدت باتخاذ مجلة الملتقى إحدى قصائد الشاعرة عنوانا لها …وهذا دليل على قدرة كلّ موهبة في النجاح خاصة والمقرّبون لفاطمة كرّومة يعرفون مدى إخلاصها للعمل واشتغالها على نصوصها وعلى اللغة الأنجليزية ..، المهم مجموعة ” أخطاء فادحة ” بين يديّ ..خصوصا أني علمت أنّها وزّعت كلّ النسخ التي أخذتها معها إلى بريطانيا …….

أوّل ردّ فعل ايجابي تقوم به فاطمة كرومة ، هو أن تقرأ اسمها من خلال الأسطورة وعبر المخيال الشعبي ..، فتنجح في افتتاح مجموعتها الشعرية بوضعها في قالب سحريّ / أسطوري ..يفتح لها آفاقا رحبة كي تقول ما تريد ..، فهي ” فاطمة ” المرأة الشاعرة ملهمة القصائد للشعراء عبر التاريخ، ومن منّا لم يقل شعرا من وحيها ..، هي ليست جسدا أو عنوانا محدّدا ..بل وجهة من لا وجهة له، أظنّ أنّها أفلحت في اختيار التمهيد للمجموعة باسمها لما له من تأثير بالغ في عموم القراء العرب ..، لما له من سلطة على النفوس..فنحن إذن في حضرة فاطمة ….

” اسمي فاطمة

وأرتعد عند سماعه،

تقول أمّي إنّني زهرتها التي تنبت في الخراب

ويظنّ أبي أنّني نجمته التّي يتعقبها،

أنا أراني خيط سراب

ونقطة سوداء

تشوب وجه العالم وتثقبه

كلّما اقتربتُ

أراني أبعد

وأحتار في ماهيّتي”

كلّما زدت تعمّقا في شعر هذه الطاقة الإبداعية ..ازددت يقينا بأنها موهبة شعرية لها في الغد مستقبل باهر..خاصة إذا ظلّت معتكفة ومنعزلة بعض الانعزال للناس..فنحن نعرف أنّ الوحدة والانكباب على مشروع بعينه يصنعان المبدع ..أقول هذا بعد أن فازت المجموعة بجائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة، وكان ذلك في السنة الفارطة..لذا وجب التأكيد على ضرورة الابتعاد عن كلّ ما هو خارج دائرة الفنّ..فالرداءة متوفرة بشدة لأهل الجعجعة والثرثرة…أمّا ما ينفع الناس فيبقى في الأرض…

ثمّة إصرار على الانتصار لجنسها..لأنوثتها الباذخة..، تتكلّم عنهنّ بكلّ حبّ وتأوي إلى حجرتها أين تجلس إليهنّ …أعتقد أنّنا أمام أنثى تلخّص كلّ إناث العالم..تريد أن تقول معاناتهنّ ومكابدتهن للعيش…للآخر للمجتمع ..، فلا يخفى على كلّ نزيه مدى ثقل الحمل الذي تنوء به المرأة..فما أدراك حمل الشاعرة..تختزل عذابات ملايين النساء وطموحاتهن وتحاول أن تكون في مجتمع ذكوري لا يؤمن إلا بواجباتها ..أمّا حقوقها فحدّث ولا حرج…


” يسِرن أثناء نومِهنّ
من الأراضي البعيدة حتّى غرفتي
يتمسَّكن بضفائري الوهْميّة
وأتمسّك بأكفّهن
أقرؤها على ضوْء خافت




الشَّاعرات تزوَّجْن وانْتحرْن باكرًا
بعد أن كتبن الحياة بصُدور مَكْشُوفة
وجراح غائرة
مَخْفيّة بعناية
كلّما اقْتحمن غُرفتي
أخفيْتُ وجهي، مثل حُفرة صغيرة في غابة مُخيفة
بأيديهنّ الرّقيقة والمتشابكة
ونظرتُ إلى العالم من شُقوق بين أصَابعهنّ..”





لقصيدة النثر فارساتها ومجنوناتها وفاطمة واحدة منهنّ، تكتب بخلاياها ..بجسدها كلّه من دون شرط ولا قيد..، لذلك يجئ النّص كاملا لا ينقصه أيّ شيء..، إنّها المرأة العربية بمشاكلها ومطالبها تجرد أحلامها وكوابيسها كأيّ طفلة نقيّة ..لا علاقة لها بالسياسة الصاخبة والظاهرة وما يجري في العالم من مظالم لا حدّ لها ..، تكتب نفسها بصدق شديد وهذا ما ينقصنا في كتابات المرأة التونسية..، نريدها كما هيَ..يكفينا من الدمى ممّن يقلن ما لا يفعلن ..، وإنّي أراهن أنّ فاطمة كرومة لو واصلت على هذا المنوال ..وظلّت بعيدة عن الغوغاء والنطيحة والعرجاء ..معتنية بقصيدتها ..ستكون لها الرتبة التي تستحقها تماما..

” صفيني أيّتها الكلمات النّورانية
لا أراني
لا أعرفني
كل ما كتبته وعشته كان صدفة
وبلغت قمّة الضّجر في وجودي الذي أكمل دوْرته
وأعجز عن ترويضي لأكرّره مثل تاريخ بلا حكْمة..”




Your Page Title