أثير-تاريخ عُمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
كان للهويّة العربية التي اتخذها الحكام والسلاطين العمانيون في طرفي الإمبراطورية العمانية بمركزيها مسقط وزنجبار “امتداد اقليمي قائم على فكرة وحدة الشعب العربي ذي الأمجاد العريقة”، لذا فقد دعموا الجهود العربية التي بذلت من أجل التحرر من الاستعمار،والإصلاح الفكري، والنهوض بالشعوب العربية، وأصبح بلاط السلاطين في مسقط وزنجبار عامرا بالعديد من المفكرين وزعماء الإصلاح،والكتّاب، والشعراء، وغيرهم الذين دلّت رسائلهم ومخاطباتهم على مدى الاهتمام الذي كانوا يجدونه في بلاط سلاطين وسادات عمان، وكثيرةُ هي المشاريع الفكرية المتنوعة التي حظيت بدعم واهتمام أولئك السلاطين.
ويعد الكاتب والصحفي اللبناني حكمت شريف يكن المولود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أحد أولئك الذين طرقوا أبواب بلاط سلاطين عمان وتحديدا زمن السلطان حمود بن محمد بن سعيد وابنه علي بن حمود، ونهلوا من معين كرمهم ووافر دعمهم وتشجيعهم.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من هذه الشخصية العربية الفكرية، من حيث الحديث عن سيرته وأعماله، وعلاقته بحكام عمان البوسعيديين الذين عاصرهم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
نسبه وولادته
هو حكمت شريف بن محمد بك شريف بن محمد بك شريف بن محمد أمين بك ابن حمزة باشا يكن زادة.

من مواليد طرابلس الشام 1868 م – 1948م، أديب ومفكر نهضوي، مؤرخ وصحافي، رحّالة جوّال، تطرق في كتاباته لمختلف المواضيع، فكان متعدد الاهتمامات، متنوّع النتاج.
ولد في طرابلس بين عامي 1868 و 1870م، وهذا التأريخ تم تقديره استنادا إلى تاريخ زواجه وعمره في ذلك الحين، وتاريخ وفاته بعد أنبلغ الثمانين من عمره عام 1948، والدته عليا هانم، سيّدة تركية، ووالده محمد شريف يكن، ولقب يكن يدل على القرابة من السلطان، والمرجح أنّ جدّه لأبيه حمزة باشا يكن، كان ابن أخت أحد سلاطين آل عثمان.
تعليمه ونشأته الفكرية
نهل حكمت شريف علومه العربية من صرف ونحو وبيان وعلوم شرعية وقراءة للقرآن وحديث وفقه على يد بعض الشيوخ الأعلام كالشيخمحمود نشابه والشيخ عبد الغني الرافعي والشيخ عبد القادر الرافعي، وتعلم اللغة التركية من المنزل حيث كان والده ووالدته يتحدثانها بطلاقة لأصولهما التركية، وأما اللغة الفرنسية فتعلمها على يد أساتذة خصوصيين، شأنه شأن العديد من أبناء العائلات الأرستقراطية .

كما ذهب إلى الآستانة والتحق بأحد دور العلم فيها وعاد الى طرابلس يحمل”الشهادات العليا”وتعلم الفارسية والأوردية من باب الثقافة، وقدكان يطلب للوظائف الرسمية المهمة معرفة هاتين اللغتين .
واستنادا إلى ما جاء في مقدمة كتابه (تاريخ طرابلس الشام)فإن حكمت شريف قد زاول التأليف والكتابة الصحفية، فراسل سبعاً وثلاثين جريدة ومجلة في لبنان وسورية وفلسطين والعراق، بالإضافة إلى عمله الرسمي لاحقًا (باش كاتب المجلس البلدي في طرابلس الشام) أولًا ثمرئيسًا لمجلس بلدية اللاذقية.
وإذ فتنه العمل الصحافي، أسّس في طرابلس سنة 1907 جريدة “الرغائب”التي عرّفها في صدر صفحتها الأولى (جريدة عثمانية علمية أدبية سياسية تجارية أسبوعية). ويبدو أن هذه الجريدة كانت واسعة الانتشار ، حيث يظهر في أسعار الاشتراكات أن قيمة الاشتراك السنويفي البلاد العثمانية والقطر المصري، 6 روبيات في البلاد الهندية ، و7 روبلات في البلاد الروسّية.

اهتمامه بالكتابة التاريخية
ويبدو أن الكتابات التاريخية كانت من أهم أعماله وأكثرها، والأوفر حظًا في الطباعة والنشر أيّام حياته، ومن بعض عناوين الكتب التيطبعت تلك الفترة يبدو لنا بوضوح أن حكمت شريف كان يكتب تواريخ البلدان، بعد أن يزورها ويشاهدها عيانًا، فقد كان الرجل سائحا ثقافيا بامتياز، وجوالا كبيرا داخل بلاد السلطنة العثمانية وخارجها، فكتابة المطبوع (سياحة في التيبيت ومجاهل آسيا)مشفوعا بكتابه(تاريخسيام) ثم (تاريخ اليابان) الذي نشر على أجزاء في جريدة لسان الحال، و(تاريخ زنجبار) الذي منحته حكومتها على أثره وسام الكوكب الدريّ،كلها تؤكد مشاهدته لتلك البلاد، في حين نراه عندما يكتب تاريخاً لفرنسا، يعرّفه بأنه (ترجمة).
ترك حكمت شريف يكن إرثا زاخرًا بالكتب القيمة والمؤلفات النفيسة قام بطبع بعض منها ونشره وتوزيعه، وبقي ما يزيد عن سبعين مؤلفًا مخطوطا بخط بيده محفوظة حاليًا في جامعة الجنان – طرابلس لبنان

علاقته بحكام زنجبار
زار حكمت شريف زنجبار لما سمع به عن اهتمام حكامها ومساندتهم للمشروع الإصلاحي العربي، ودعمهم للعديد من أصحاب المشاريع الفكرية العربية عربا كانوا أم مسيحيين، وكثيرة هي مساهماتهم الداعمة لعل من بينها على سبيل المثال لا الحصر: مراسلاتهم مع المؤرخ جورجي زيدان لاسيما من خلال كتابه ” تاريخ الأدب الإسلامي”، وكتب زيدان عن علاقته بحكام زنجبار في رسالة نشرتها مجلته (الهلال)،كما كانت هناك مراسلات بين السلاطين وابراهيم اليازجي الذي نشر معجمه المشهور “نجمة الرائد” بدعم من السلطان علي بن حمود، كما قدم السلطان حمود دعمًا إلى ” مجلة التاريخ” لصاحبها نيقول سابا الانطاكي، هذا عدا عن دعمهم لعلماء ومفكرين وأصحاب دور نشرعديدين كالشيخ محمد أطفيش، ومحمد رشيد رضا، وغيرهم.
وعندما التقى شريف بالسلطان حمود اعتبره “قدوة لمن يريد أن يدفع عن بلاده غوائل الممالك الغربية من حكام الشرق”، وذلك لما وجده لديهمن دعمٍ واهتمام، نتج عنه تأليف كتاب عن “تاريخ زنجبار”.

كتاب تاريخ زنجبار
يبدو أن هذا الكتاب الذي نشرت فصوله جريدة “طرابلس” اللبنانية في العقدين الأولين من القرن العشرين ويقع في حوالي 136 صفحة قدألّف بطلب من السلطان حمود بن محمد، ويورد كتاب “مراسلات زعماء الإصلاح إلى سلطاني زنجبار حمود بن محمد وعلي بن حمود” لمؤلفيه محمد المحروقي وسلطان الشهيمي أربع رسائل تتمحور حول هذا الكتاب ؛ ففي خطاب إلى السلطان حمود بن محمد يصف فيها حكمتشريف كتاب “تاريخ زنجبار” الذي قام بتأليفه بأنه ” كتاب لم يؤلف في العربية ويطبع نظيره”، ويطلب من السلطان رفع قيمة المكافأة المالية نتيجة الجهد الذي بذله في تأليف الكتاب، كما يأمل من السلطان رفع وسام الكوكب الدري من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية ” ..وقد صارلي متقلدا وسام الكوكب الدري السامي نحو خمسة سنوات فهل هذه المدة المديدة والخدمة العلمية الأدبية التاريخية الفريدة لا تستحق رفعالنيشان من الدرجة الثالثة..”.
وفي رسالة أخرى بتاريخ 23 رجب 1318 هـ يطلب من السلطان مبلغاً مالياً لإعادة طبع الكتاب في مصر بعد أن نفدت طبعاته، وفي رسالةٍ ثالثة تعود إلى رمضان 1318 يشير إلى وصول حوالة له من قبل السلطان بقيمة عشرة جنيهات، وينتظر أوامر السلطان في إعادة طبع كتاب” تاريخ زنجبار” مرة ثانية حيث يكتب ” وها إني حسب الأمر العالي منعت نفسي من طبعة ثانية إلا إذا صدر أمر جلالتكم بطبعه بعدإصلاحه كما عرضت عندما تريدون عظمتكم طبعه”، وفي رسالته الرابعة يكتب “…أما بعد فلم يزل هذا المملوك منتظراً الأمر الشريفالسلطاني وكتاب تاريخ زنجبار الذي صدر الأمر الملوكي قبلاً بأن المراد طبعه بعد إصلاحه ثاني مرة بمعرفة هذا المملوك، ولا زال الطالبونيطلبونه من هذا المملوك المرة بعد المرة فاقتضى أن عرضت لسدة مولانا السلطان الأعظم من قبيل التذكار في أمره الشريف السابق،والمملوك لا زال على قدم الانتظار..”

ويتضح من خلال تحليل أسلوب الرسائل مدى الأريحية التي كان يتعامل بها حكام زنجبار البوسعيديون مع خاطبي ودّهم والباحثين عندعمهم من شخصيات المشرق العربي، وكذلك الدعم المتواصل واللا محدود والذي يمكن أن نلمسه من خلال العودة إلى الرسائل المتبادلة بينتلك الأطراف وبين السلاطين، و هو الأمر الذي أثّر إيجاباً على حركة النهضة السياسية والفكرية والأدبية في المشرق العربي.

كتاب تاريخ مسقط
يشير عدد من الصفحات التي تناولت سيرة حكمت بيك شريف إلى أنه قام بتأليف كتاب آخر بعنوان “تاريخ مسقط”، وأنه لا يزال مخطوطا، دون الإشارة إلى ماهية الكتاب، وزمن تأليفه، وعدد صفحاته، كما تشير تلك المواقع والصفحات إلى أن المخطوط محفوظ بجامعة “الجنان” اللبنانية التي تضم عددًا من المكتبات بأسماء أفراد من أسرة المؤلف، وتسعى ” أثير” إلى العثور على معلومات إضافية حول هذا الكتاب فيالفترة القريبة القادمة.


المراجع
1- مجموعة مؤلفين. التأريخ العربي وتأريخ العرب، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، ط1، 2017.
2- المحروقي، محمد بن ناصر، والشهيمي، سلطان بن عبد الله.مراسلات زعماء الإصلاح إلى سلطاني زنجبار حمود بن محمد وعلي بنحمود ،مركز الخليل بن أحمد، جامعة نزوى، ط1، 2015.
3- “حكمت يكن (1868-1948): الصحافي متعدد اللغات”، منارات لبنانية، السبت 14 تموز، 2012،موقع تريبولي سكوبhttp://tripoliscope.com/
• صور الوثائق من كتاب مراسلات زعماء الإصلاح