محمد بن علي الوهيبي- كاتب عماني
قيل أن مسمى الحاجر يعني
الأَرض التي ترتفع جوانُبها وينخفض وسَطها.
وقيل أيضا بأن الحاجر هو ما يحجر ويمسك الماءَ ويحيط به من جانبي الوادي، وهناك من يقول بأن اسم الحاجر اشتق من الحجر أو المكان كثير الحجر، وما أكثر مسميات الحاجر في نواحٍ عديدة من جغرافية بلادنا.
وحديثي هنا عن الحاجر القابعة في مزهرية الذاكرة وفن المسافة الممتد بين وادي عدي والعامرات وسيح الظبي وتلال العتكية وسهولها في اتجاه النواحي الشرقية من البلاد، والتي تُعد من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في وادي حطاط حيث تم العثور على آثار لمرابط الخيل تعود إلى فترات تاريخية متأخرة، كما عثر فيها أيضا على أقدم المسكوكات النقدية، وتزخر الحاجر بالعديد من الأبنية الأثرية القديمة.
وعبر هذا المكان الذي يملك شيئًا من البهاء الغامض، سأعود إلى الجذور الأولى لحكايات تتحين الفرص، ولفلجٍ يراقص فراشات الروح وينساب على رؤوس الأحلام، وعبر زبرجد وعقيق أوديتها، ولصوت خرير هذا الفلج المسمى بالفلج الأسود الذي لم ينقطع عن مسامع أهل تلك الديار يومًا وما جفت سواقيه أبدًا، فبقي وفيا ينضح بخيره.

وللبحث عن إضاءات وسط عتمة هذا الفلج كان لا بد من الاستعانة بالفاضل حمد بن سالم الوهيبي العارف ببعض تفاصيل الحاجر فحدثني قائلا: إن الأوائل شقوا الفلج بين النقطة الأولى عند خزان المياه الجوفي في منطقة الملتقى، والنقطة الثانية عند السهل المستفيد من تلك المياه، ويجري هذا الفلج في مسافة تقدر بثلاثة كيلو مترات تقريبا، وروعي أثناء الحفر التدرج في العمق حسب ارتفاع سطح الأرض، مما يساعد على جريان الماء، ويواصل حمد السرد بأنه لا أحد على وجه التحديد يعرف تاريخ إنشاء هذا الفلج إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنه تمت صيانته وإعادة تأهيله في عهد السلطان فيصل بن تركي على يد المرحوم خميس بن محمد المعولي، ومن الأماكن التي يسقيها هذا الفلج الطريف ومزرعة العين وملحة السيدة وملحة الزواوي وملحة الصرم والبهجة (الطويلة) وأرض حريز (بستان البيت) وأرض العماني والفتح الشرقية (الفتح العودة قديما) والفتح الغربية (الفتح الصغيرة قديما) والهند وصنعاء والولاج والغربية.
وتشتهر الحاجر بنخيلها الباسقات ذات الطلع النضيد مثل النغال والخنيزي وبونارنجة والخلاص والمبسلي والبرني والقدمي والخمري، وقديما في منطقة سيح التمام كانت توجد (تركبة) وهي فرن يدوي توضع عليه القدور الكبيرة (المراجل) لغلي بسر المبسلي (الفاغور)، وعرفت الحاجر (بالزفن) أو صناعة الدعون للاستفادة من سعف النخيل في العديد من الاحتياجات.
كما تشتهر الحاجر بمزروعات عديدة منها اليقطين والبطيخ والخيار والفجل والبطاطا الحلوة (الفندال) وغيرها، ويضيف حمد بن سالم بأن ثمرة القشطة (المستعفل) كانت تزرع بكثرة في الحاجر، بالإضافة إلى الجوافة والفرصاد والقاو، كما تجود أرض الحاجر بالشعير والذرة.
ومن مناطق الحاجر الجامود والشريعة والمزرع وسيح الغراق والنجد والعين وحلة الغرب والخفيجي والطويان وسيح المسطاح وسيح التمام والمرتفع والعلاية والعتكية والواسط وسيوح المرخ والمفترق، وعن سبب تسمية حلة الغرب بهذا الاسم أطلعني حمد على صك شرعي يفيد بأن السيد محمد بن هلال بن أحمد البوسعيدي أوقف أرضا لفقراء المسلمين على أن لا تباع ولا تورث ولا ترهن يسكنها كل من تغرّب عن وطنه، ومن هنا جاء اسمها الذي عرفت به وهو حلة الغُرب.
كما تحافظ الحاجر على الحياة الفطرية فيوجد بها أشجار السَلم والسمر والغاف والسدر، وعلى أرضها كانت الوعول والظباء ترتعُ آمنةً، ويُشاهد الوشق في جبالها بين الفينة والأخرى.
تلك هي الحاجر عراقة أرض اكتنفها الغموض، وجذور ضربت في عمق التاريخ موعدًا، وذاكرة وفيّة للإنسان، وقطر من سحاب.
*صور الموضوع من شبكة المعلومات (الإنترنت)