فضاءات

محمد الهادي الجزيري يكتب: صحاح الروح لـ أمينة زريق

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

صحاح الروح
أمينة زريق


محمد الهادي الجزيري

من ضمن نوادي الأدب التي أرتادها في العاصمة التونسية..نادي توفيق بكّار للسرد..وقد استضاف مؤخّرا الشاعرة والروائية أمينة زريق لمحاورتها حول روايتها “اصحاح الروح” وقدّمها الدكتور حمد حاجي والناقد مراد ساسي..وأهدتني مشكورة نسخة من الرواية ..وها إنّي أطّلع عليها وأفكّ خيوطها …….

قسّمت أمينة روايتها إلى ثلاثة محاور هي على التوالي: إصحاح القلب ـ إصحاح الروح ـ إصحاح السلام ..والقصة أنّ امرأة مهووسة بالكتابة وبتحبير كلّ ما تقع عليها يدها ..وقد وجدت نفسها في ورطة ذات مرّة في غرفة بفندق..إذ لم تجد وريقات ترسم فيها ملامح الشخصيات التي تتحّرك في باطنها ..فاضطرت إلى الخروج بلا حذاء ..حاسرة المقام ..وفجأة رأتها هي الشخصية المركونة في الذاكرة ..هي بلحمها ودمها تقف أمامها :

” أجل رأيتها …صاحبة القلادة ذاتها تلك التي تركتها في أوراقي بين حياة وموت…الوجه ذاته بكلّ حروفه…الظفائر ذاتها كما رسمتها تماما…حافية وممشوقة الوجد كانت ناسكة وموكولة للضجيج ..متعبة ومفعمة نشاطا..”

ومن هنا تبدأ الحكاية ..إذ تتبعها الكاتبة طيّعة مستسلمة ” لا أدري هل أنا خائفة من فقدانها أم أمارس دور الأمّ وأرعاها أم أنّها غدت مرشدتي وأنّي بفقدانها قد أفقد خارطة عودتي “

في المحور الثاني أعجبتني فكرة غريبة انبثقت في دماغ أمينة زريق ..فكرة قالت عنها الكاتبة أنّها من وحي الواقع ..حين أعطاها الدكتور مصطفى المدايني الكلمة لتفسّر بعض المواقف والفقرات وتحدّثنا عن جذع الرواية ككلّ ..، باحت أمينة بأنّ فكرة اختفاء الباب انطلقت من عمارة تابعة لها ولزوجها ..فقد دخلت إلى مكان عال وخطرت عليها الفكرة الغريبة العجيبة وإنّي بحثت على النصّ الذي ينقل الفكرة العجائبية ..لكي تتذوّقوها :

” استدرت بكلّ عفوية لأعيد الخروج من نفس الباب الذي دخلت منه، لكنّي صعقت، لا يوجد باب، استدرت ..لا باب للمكتب..لا ..حملقت حذوي وحولي وتأمّلت الحائط لا باب في المكتب بأكمله ، لا شيء أصلا سوى النوافذ والسقف الغريب، لحظة إرباك داهمتني، أين الباب ؟ ارتعدت ..أيمكن أن يكون المكتب بلا باب؟ من أين دخلت إذا…؟ “

دأبت القيروان على إدهاشنا منذ كانت ..وها هي اليوم تخرج لنا على شكل سيّدة بيدها قلم وأمامها كتب وأوراق..منكبّة على شغلها الشاغل ..ألا وهو : الكتابة ..هل نرى أروى القيروانية أم أمنة التونسية تحاور الأبجدية وتستنطقها لما فيه خير الأدب والثقافة..إنّها في هذا المتن الروائي تقدّس الموت والحياة وتمجّد خالق المعنى والمجاز..بأسلوب سهل ومتاح للجميع وإن كان لا يخلو من مراوغات كثيرة وتتجوّل بين الغرائبية والواقعية وتسبح طورا في رومانسية طافحة من شوق امرأة إلى الحرية والانعتاق ..وها هي في المحور الأخير المعنون بإصحاح السلام تتحدّث على لسان عصفور في قفص وتحاول أن تتناهى معه وتقول العالم دفعة واحدة ..:
” ألوان ريشي ..غنائي ..رفيف أجنحتي..، منقاري، كلّ شيء، لكنّي لم أر قلبي، كان عليّ لحظتها أن أغرس رأسي داخل قلبي كي أبصر وبدون حجب ما كان منّي، ونظرت ..كانت بقعة الضوء بداخلي قد فاضت كما تفيض الشمس عند المساء ، وحدّثني قلبي يومها وسمعته كما لم أسمع صوته من قبل…”


من خاتمة مداخلة الدكتور حمد حاجي نقتطف هذه الفقرة الدالة على إعجابه بالرواية:
إنَّ هذا المتن الروائي للاستاذة أمينة رزيق ليس استثناء فقط انه تجديد وإبداع ”
وإن هذا البعد الحكائي بنصوصها لا يمنع تطعيم النص بخطابات عجائبية وبأنساق دينية أو عجائبية أو تاريخية أو أسطورية “


Your Page Title