هيثم سالم الرواس
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) صدق الله العظيم
في يومٍ كانت فيه ساعات الوطن ثقيلة، عشنا من خلالها ألم الفقد وصدمة الخبر، حيث تلقينا نبأٌ هز أركان عُمان من أقصاها لأقصاها حُزنا وألما، وامتلأت أرجاء عُمان بدموع الفراق ، خبرا كنا نظنه حُلما غير حقيقي .
“جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور في ذمة الله” كانت هذهِ الحقيقة المُرة التي لابد أن نتقبلها بإيمانٍ بقضاء الله وقدره فالحمد لله من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون .
بينما كانت الدموع تتناثر وترتعش أجسامنا حزنا وألما ، استعدنا منذ تلك اللحظة الثقيلة جميع الذكريات والأيام مع الوالد القائد جلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه – حيث في الصغر عشق الطفل لأبيه، وفي الشبابِ اعتزاز وفخر الابن بسند أبيه وقوته ، أما لكبار السن علاقة خاصة لا تصفها الكلمات وبينهم حكاية خمسين عامًا من المجد والازدهار .
ولدنا وكانت من أوائل الكلمات التي ننطقها بابا قابوس، ونقبلُ صورته الشامخة دون أن ندرك معنى ما نقول أو نفعل وكنا لا نسمح بأن تسقط منا النقود ليس لقيمتها بل لجمال صورة من فيها ( بابا قابوس ) ، ثم كبرنا لندخل المدرسة ونردد في كل صباحٍ السلام السلطاني ونتنافس من يعلو صوته عندما نردد جميعا بصوت واحد “يعيش جلالة السلطان قابوس المعظم … يعيش يعيش يعيش” و في كل حصة نفتح فيها كتابا تتصدر أولى صفحاته صورته البهية ذات الهيبة والوقار لتمنحنا قوة وعزّة وطموحًا للقمة . وكانت أجمل أيام المدرسة وذكرياتها احتفالات الأعياد الوطنية المجيدة حيث تغمرنا لحظات الفرح والفخر ويزين لبسنا العماني الأصيل أوشحة وأوسمة تحمل صورته البهية – طيب الله ثراه – وأجمل عبارات الوفاء للقائد الحكيم نبراس عمان.
ثم كبرنا لنبلغ سن العقل والوعي ، لنقرأ ونرى منجزاته ونهضته المباركة وما وصلت إليه السلطنة من نمو وازدهار . علمنا بأننا درع من دروع السلطنة والسلطان ، وأصبح شغفنا أن نحسن لمن أحسن إلينا وأفنى شبابه ووقته للوطن وأبنائه ، كنا ننتظر كل خطابٍ نسمع من خلالة أسمى الحكم وأشد العبر ونناظر عيناه نشعر من خلالها بالصلابة والأمان وحب الأب الحنون . في كل يوم نردد أبياتٍ شعرية وأغاني ومعزوفات وطنية تلك التي تحمل أسمى عبارات الولاء والعرفان والفخر بالقائد الفذ الحكيم ونشارك بفخر وشغف وحماس أفراح الوطن لنزين عمان من أقصاها لأقصاها بصوره الشامخة.
كبرنا أكثر لتتوسع المفاهيم لدينا وهنا تحديدًا تمنيت بأن أكون ثريًا بالمفردات كي لا أدخل في صراعٍ معها فلم أجد ما تود قوله نفسي . سأكتب ما وجدته من مفردات فلا الكلمات أو المكان بمقام ما قًدِّم في خمسين عاما
بكل فخر واعتزاز وشموخ أبناء عمان وبفضل من الله ثم جلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه – ( نحن العمانيين الذي لا ينحي رأسنا الا لله عز وجل ) فوالله وتالله الفخر يسكن ربوع عمان كلها من شمالها لجنوبها بكبارها وصغارها ورجالها ونسائها ففي صمتك حكمة وفي حديثك عبرة وفي حضورك هيبة ورزة ، فجلعتنا يا أبي نفخر ونفاخر بك وبأنفسنا في كل مكان فلم تغيرنا الحياة واختلاف الثقافات والاضطرابات والأحداث وظلت عمان بقيادتك الحكيمة تسمو بخير المبادئ والقيم لتكن مسقط عاصمة السلام والتسامح ومحط أنظار العالم حينما يتعلق الأمر بالعدل والإصلاح ، وقفت بعمان على مسافة واحدة من الجميع ، لم تشركنا في خصامات أو حروب وكنت الذي يجمع ولا يفرق ليرفرف علم عمان عاليا بكل شموخ تسمو بلدنا بالسلام والأمان .
وفي سفرنا خارج حدود عمان نجد من الجميع الاحترام والتقدير والمعاملة الخاصة فكم سمعنا بأننا بلد الخير والتسامح وسلطاننا عنوان للحكمة والمروءة وشعبنا مثال للطيبة والأخلاق فكنا دائما الأخوان والأصدقاء للجميع .وعاش العماني كريما مـصانا أينما حل وارتحل يتباهى بسلطنة التــاريخ وسلطان الخيــر ذي الخلق الجليل والصفات الرفيعة .
لكبار السن حكاية حب ووفاء ، يا لها من حكاية و علاقة تقشعر لها الأبدان ولا تصفها المعلقات وبحور الكلمات . ويا له من ولاء وعرفان كان مدرسة حقيقية تعلمنا من خلالها الإخلاص للوطن والقائد الفذ الهمام فهم عاشوا المعنى الحقيقي للانتقال من الظلمات إلى النور وأسهموا منذ البداية في هذه النهضة المباركة فلا يكاد أن يذكر اسمه أو يسمع صوته إلا وارتفعت الأكف عاليًا بالدعاء له -–طيب الله ثراه – فحقًا بأنها علاقة حبٍ ووفاء وإخلاص منقطع النظير لم تأتِ صدفةً بل كانت نظير ما قدم لهم منذ مطلع فجر النهضة المباركة ، ذلك اليوم الذي يتربع على عرش تاريخ عمان .
خمسون عاما من النهضة المباركة ، خمسون عاما من الازدهار والسخاء والرخاء ، خمسون عاما من الحكمة ، النمو ، التسامح ، العدل ، الهيبة ، الوقار ، الاتزان ، العفو ، المروءة ، الحزم ، القوة ، الأمانة وقل ما شئت من محاسن ومكارم الأخلاق ، فخمسون عامًا وعمان تزهو بك وباسمك عاليا يا سيدي – طيب الله ثراك -.
أكتبُ هذا ودموعي قد ملأت خدي ، أكتبُ هذا ولا تفارق مخيلتي صورته في شبابه وكبر سنه ومعاناة مرضه، لم تعد مشاعري ويدي على وفاق، ولم تعد دموعي تسمح لي بالنظر . فكم تمنيت بأن أملك من الكلمات مخزونا وافرًا، وكم تمنيت بأن أجيد الشعر وفنون اللغة لأعبر عن قليل مما في داخلي . سأكتفي بهذا القدر وأنا على إدراك تام بأن ما ذكرته قطرة ماء ٍ في عرض البحار وعمقها ، أستمحيكم عذرًا على هذا القصور فلم أعد قادرا على التعبير، لكني سأختم قولي بما رأيته في هذه العائلة المالكة الوفية ومجلس الدفاع المخلص وشعب عمان الأبي :
جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراك – أعلم بأن كلماتي هذه لن تصلك لكني أنا ابنك الوفي المخلص الذي سيدعو لك دائما في السجود في أقرب صورة يكون فيها العبد لربه وستظل دائما محفورا في صميم قلبي . وكما أوصيتنا سأواصل العمل في الإسهام بالنهوض بعماننا في كافة القطاعات بكل همة وإصرار، فرحمة من الله عليك يا سيدي وجعل مثواك جنات الفردوس الاعلى فإني أشهد لك بأنك أديت الأمانة وعشنا معك في أمن وأمان وتقدمٍ وازدهار .
أصحاب السمو أفراء العائلة المالكة الكريمة ، مجلس الدفاع ، ديوان البلاط السلطاني ، أبناء الوطن ، شكرًا لا تكفي فكم نحن فخورون بما كنا عليه من تماسك وإخلاص وبما تم من تعامل مع هذا المصاب الجلل فأنتم سطرتم أقوى أنواع الوفاء وسيكتب التاريخ هذا بماء الذهب بأن عمان كانت بين أيديكم أمانة قولا وفعلا . جزاكم الله عنا خير الجزاء
سيدي ومولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظك الله ورعاك – خطابك بعث لنا الأمل والتفاؤل وأدركنا بأنك خير خلف لخير سلف فأنت نسل السلاطين وممن لهم الفضل الكبير على عمان وشعبها ، وأعاهدك على الولاء والعرفان والطاعة وأن أكون ابنًا من أبنائك المخلصين وجنديًا من جنودك وجنود الوطن، وشابًا وفيًا من شباب الوطن الأوفياء حيث سنعمل بكل جد واجتهاد لنرفع معا اسم عمان الغالية ليرفرف علمها عاليا . حفظك الله يا مولاي وسدد خطاك إلى كل خير .