د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني

د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني
د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني

د.زاهر بن بدر الغسيني- أستاذ مساعد في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ومساعد عميد شؤون الطلبة للتوجيه والأنشطة الطلابية بجامعة السلطان قابوس

د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني
د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني د.زاهر الغسيني يكتب: التقديرات اللغوية في “الضياء” بالنشيد الوطني

لا ضَيْرَ أن الاختلافات اللغوية تُعد ظاهرة صحية؛ باختلاف زوايا التأويل اللغوي؛ وتقديراته في سياق النص؛ بما يتماشى وشواهد اللغة العربية المُثبتة في المصادر، بعيدًا عن الانطباعات الذاتية التي تنتصر لرأي على حساب الآخر، وهذه النقاشات تمثل إثراءً لغويًا يؤكد صحة تعريف كلمة (الضياء) بـ (أل) في السلام السلطاني، والذي يمثل هوية وطنية، لا يُمكن للعقل أن يُسلِّم بعدم مراجعته وتدقيقه قبل اعتماده رسميًا، ولكن المُلاحظ محاولة تقييد اللغة العربية، وتجريدها من أهم سماتها؛ وهي مرونة التقدير اللغوي.

وأكتفي بتوضيح بعض النقاط؛ لتباين القناعات اللغوية، مع اليقين التام أن قراءة تأريخ اللغة العربية يُثبت أنها عاشت في خِضَم اختلافات الآراء اللغوية، ولم تظهر المدارس النحوية إلا نتيجة لذلك، والتي أثْرَت العربية، بمنأى عن ذاتية الرأي، والانتصار لمذهب نحوي على حساب الآخر.

في قول بعضهم: “التمييز واجب التنكير، وفق ما ينص عليه أهل هذه الصناعة في تعريفهم له قبل أن يخوضوا في تفاصيل أحكامه”؛ فهذا أمر مُسلَّم به، لكنها نظرة جَرَّدَتْ العربية من شواهدها، وآراء علمائها؛ بحكمٍ صارمٍ ظَلمَ اللغة العربية؛ إذ لمْ يخلُ أي مصدر نحوي من شواهد شعرية تُمثل آراء المدارس القديمة؛ مثل: مدرسة الكوفة، ومدرسة البصرة، وهي شواهد اعتمد عليها النحاة، وأُلِّفت فيها مصادر عدة، منها على سبيل المثال:
– شرح أبيات سيبويه، للسيرافي (ت385هـ)
– الحلل في شرح أبيات الجمل، لابن السيد البطليوسي (ت521هـ)
– شرح أبيات مغني اللبيب، لعبد القادر بن عمر البغدادي (ت1093هـ)
– المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية المشهور بـ “شرح الشواهد الكبرى”، لبدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني (ت855هـ)



نعم؛ تُحتم النقاشات اللغوية تباين الآراء واختلافها، وهي ظاهرة صحية؛ ولكن يجب التعامل مع اللغة العربية بمعيار المرونة في تقديراتها اللغوية؛ وهذه سمة تميَّزت بها العربية عن بقية اللغات، ولا يمكن لأيِّ شخص أن يحكم بضعف قول على آخر بذائقة ذاتية، إذ تحكمنا شواهد اللغة وأدلتها، والتي تؤكد صحة الرأي اللغوي وسلامته.
وعليه؛ فقد اختلف علماء النحو في ذلك، إذ يرى البصريون بوجوب أن يكون التمييز نكرة، وخالف الكوفيون هذا المذهب؛ حين ذهبوا للقول بجواز أن يكون التمييز معرفة، وفق شواهد لغوية استندوا إليها في رأيهم: (سفه زيدٌ نفسه، ألم رأسه، بَطِرَتْ مَعِيشَتها)، ويمكن الرجوع إلى بعض أمَّهات الكتب التي تناولت ذلك، منها:
١.مغني اللبيب عـن كتب الأعاريب، جمال الدين بن هشام الأنصاري، تحقيق. د. مازن المبارك وآخرون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
٢. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي، تحقيق أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت.



أمَّا قول بعضهم: “كلام العرب الذين يُحتَجّ بعربيّتهم ناطق صارخ بذلك بأعلى صوت، وما جاء من بعض الشواهد خلاف ذلك فهو شاذّ نادرٌ أو متأوَّل، أو ضرورة. (والشاذّ يُحفَظ ولا يقاس عليه كما هي القاعدة)، وأن التمييز لم يرد في أفصح نصٍ على الإطلاق (القرآن الكريم) إلا نكرةً، فما قولنا -مثلًا- فيما ورد في كشاف الزمخشري، وتفسيره لقوله تعالى: “تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ”، حين جعل الزمخشري التمييز معرفة، وفسَّر ذلك بقوله: من الدمع، كقولك: تفيض دمعًا. وما قولنا أيضًا في قوله تعالى في سورة القصص: (بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ)، والتي يُمكن تأويلها: بطرت معيشة!

كما أن مرونة اللغة العربية تجعلنا نضيف تقديرًا لغويًا آخر، نُقدّر به المنصوب بنزع الخافض، وشواهده في العربية عديدة، منها قوله تعالى في سورة هود: (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ)، إذ نُصبت (رَبَّ)، وأصل التقدير: (بربِّهم). وفي قول الشاعر جرير:
تمرّون الديارَ ولم تعوجوا
كلامكُمُ عليَّ إذن حرامُ


فنُصبت (الديارَ) بنزع الخافض، بتقديرنا اللغوي: تمرون بالديار، شأنها في ذلك شأن: (واملئي الكونَ الضياء)، بتقديرنا: (واملئي الكون بالضياء)، ويمكن الاعتداد بهذا التقدير اللغوي، وفق ما سُمع عن العرب بنزع الخافض، وهو مصطلح -وإن كان سماعيًا- فقد أدرك النحاة العرب دلالته الاصطلاحية.

أمَّا قول بعضهم في أن (أل) زائدة للضرورة في الشاهد: (صددت وطبت النفس..)؛ وفق ما جاء في (شرح الأشموني على ألفية ابن مالك)؛ فيبدو أن هناك مَنْ لم يأخذ من المصدر إلا ما يتماشى وذائقته اللغوية؛ ولم يكترث لرأي المبرد في المصدر نفسه؛ حين ذهب للقول: “بنات أوبر” ليس بعلم، فالألف واللام غير زائدة، ويمكن الرجوع للمصدر نفسه، كما يمكن الرجوع إلى (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) لابن هشام، حين يُقر باختلاف المدارس النحوية، دون الانتصار لرأي على آخر، إذ يرى وجه الاستشهاد في البيت: دخول “أل” على التمييز الواجب تنكيره، وهو ما يراه جمهور البصريين ضرورة، في حين يُجيز الكوفيون أن يكون التمييز معرفة، وفي مذهبهم “أل” معرفة، وليست زائدة.
وبالنظر في الشاهد الذي أورده سيبويه:
وَما قَوْمي بثَعْلَبَـةَ بنِ سَعْدٍ
وَلا بِفَزَارَةَ الشِّعْرَ الرَقابا



فالشاهد ورد فعلًا، مع تباين حجج الاستئناس به. كما أورده صاحب الكشاف في الجزء ١ صفحة ٣٢٤، وذهب للقول إن (الرقابا) تمييز معرفة على رأي الكوفيين.

يبقى القول والتأكيد أن توظيف (الضياء) ب (أل) في السلام السلطاني لا شائبة فيه، ولا غبار عليه لغويًا، مع اختلاف أوجه التقديرات اللغوية، ولغتنا العربية تمثِّل فضاءً رحبًا لذلك، في ظلِّ وجود شواهد يمكن الاستناد عليها؛ تؤكد سلامة اللفظ.

وفقنا الله جميعًا للارتقاء هام السماء في خدمة عُمان.

Your Page Title