أحمد بن علي بن عبيد العجمي- محامٍ في قضايا المحكمة العليا
تجذرت محنة وباء كورونا وتربعت على قمة التصعيد الدولي بعد تصنيفه كوباء عالمي من قبل منظمة الصحة العالمية في برهة زمنية تعد من قبيل الصدمة على كافة الأصعدة؛ مما استدعى التنبيه على كافة الدول بأخذ التدابير الاحترازية والوقائية والحيطة والحذر من التهاون مع هذا الفيروس المستجد على أصحاب الاختصاص في المجال الطبي وبالخصوص المختصين في صناعة الأدوية والأمصال اللقاحية وزاد الوضع تعقيدا عدم وجود لقاح أو مصل للوقائية والعلاج من هذا المرض؛ وتعد الإجراءات الوقائية المشمولة ذكرا لا حصرا عدم الخروج إلا للضرورة، وكذلك الابتعاد عن التجمعات وأماكن الزحام؛ وأصبح الإشكال واقعا لدى العاملين في القطاعين الحكومي والخاص لظروف المهنة الخدمية للعموم أو مباشرة أداء عمل نتاجه للعامة؛ وانسحب على الكافة وكذلك السلطة القضائية بكافة مرافقها والمتصلين بخدماتها سواء السادة القضاة أو الطاقم الإداري بالمحاكم أو المحامين والمتقاضين ذاتهم.
وتثمينا لما تقوم به الدولة بعد صدور الأوامر السامية لجلالة السلطان -حفظه الله- بتشكيل لجنة عليا لمتابعة التدابير لمواجهة هذا الوباء وإناطة كافة المهام لها والأمر بأن تكون في انعقاد مستمر حتى جلاء هذه الغمة عن بلدنا الحبيب؛ لكن الحال يستنهض استباق الحال إن قررت اللجنة العليا بتعطيل بعض المرافق ومن ذلك عمل المحاكم لمدة معينة مثلما فعلت بعض الدول وتضييق العمل القضائي في دائرته المقننة بالقضاء الوقتي والمستعجل والجنايات فيما يخص الموقفين بغية ضمان حريتهم وفق خط العدالة الكوني؛ وهذا القرار ليس بالمستبعد فإن الإشكال الذي يفرض نفسه ليس في تأجيل نظر الدعاوي إذ الأمر يحتمل الجواز قانونا بالتنصيص عليه ضمن قانوني الإجراءات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية لكن المشكل يتجلى في المواعيد المحددة قانونا للطعون كافة (الاستئناف؛ الطعن لدى المحكمة العليا الموقرة؛ التظلم؛ أو التقادم والسقوط بنوعيه وإجراءات إعلان التنفيذ ذات المدد القصيرة؛ والتظلم من قرار الحفظ لدى الادعاء العام وميعاد قيد المعارضة أو التنصيص الإجرائي بالمادة (215) من قانون الإجراءات الجزائية) إذ يثور التساؤل أمام قانونية النص المنظم للمواعيد الإجرائية والخوف من فواتها تسطيرا لمقولة بأن الحقوق تُحمى بالإجراءات لا بالموضوع؛ إذ إن المواعيد الإجرائية لارتباطها الوثيق بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة من جهة ومن جهة ثانية على ما يرتبه من انصرام مددها من وقع بليغ على تلك الحقوق وذلك كله في حالة التعطيل القضائي لسير المحاكم وقاية ودفعا لهذه الجائحة.
وباستقراء القانون العماني بأحكام قانوني الإجراءات المدنية والتجارية المنظم للمادة المدنية وقانون الإجراءات الجزائية في مواعيد الطعون أو الآجال القانونية لاستيفاء الفترة الزمنية التي حددها القانون للقيام بإجراء ما وأوجب القيام به خلال هذه المدة أو بعد نهايتها أو قبل بدايتها تحت طائلة سقوط الحق في الإجراء؛ وبالتالي فوات هذه الفترة أي المواعيد يسقط الحق في الطعن في الأحكام القضائية وتسبك المحكمة العليا الموقرة القول (المقرر قانونا وما جرى به قضاء النقض أن ميعاد الطعن هو من النظام العام الذي لا يجوز بحال من الأحوال تجاهله أو الالتفات عليه؛ فإذا تبين لدى محكمة الاستئناف أن الطعن قد قدم خارج المدة القانونية المقررة فإن على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله شكلاً؛ فإذا قضت محكمة الاستئناف بعدم قبوله شكلا ثم تقدم الطاعن بالطعن عليه أمام المحكمة العليا فظهر من الأوراق أن الطعن بالاستئناف مقبول شكلاً قضت بذلك ولو لم يثره أحد الخصوم) الطعن رقم (77/2006م) وترتيبا على ذلك فإنه وإن كان التنظيم الإجرائي للقضاء الإداري هو ذات المسلك في تطبيق قانون الإجراءات المدني والتجارية إلا أن الانفراد في القضاء الإداري يستلزم شرطية أخرى ألا وهي ميعاد التظلم من القرارات الإدارية لاستقامة نثر الدعوى الإدارية أمام القضاء الإداري وهي وإن كان مسلكها ليس ضمن دائرة القضاء إلا أن لزومية التظلم الإجرائي في الميعاد المقنن بالمادة (9) من قانون محكمة القضاء الإداري تستوجب ذلك ومناط التشريع ( أن الهدف من تحديد المشرع ميعاد الستين يوما لتقديم التظلم ثم لرفع الدعوى هو حماية المصلحة العامة التي تقتضي استقرار المراكز القانونية المترتبة على تلك القرارات) استئناف رقم (546) لسنة (14 ق.س؛ ويجدر القول بأن القضاء العسكري ليس بدعا في ذلك إذ إن قانون القضاء العسكري وإن اتسم بميزة كونه قانون إجراءات وعقوبات إلا أنه يستتبع في ذلك ما تم التنصيص عليه في قانون الإجراءات الجزائية وفق المادة (68) من قانون القضاء العسكري وينفرد في بعض مواده بخصوصية خاصة وذلك بمراعاة الميعاد الزمني اختلافا في ميعاد التظلم من قرار الحفظ الصادر من لدن الادعاء العسكري بالمادة (62) ودأبت المحكمة العليا للقضاء العسكري الموقرة على التشديد في شرطية مراعاة ميعاد الطعون بكافة درجاتها.
وتنزيلا لما تقدم وأمام الزخم القانوني تصريحًا وتلويحا واستفاضة البعض منهم بوصف وباء كورونا بالقوة القاهرة التي تؤدي إلى تعطيل حركية المواعيد فتقف صامدة لحين جلاء الظرف القاهر؛ إلا أنه وبالقراءة المتأنية فإن المشرع العماني لم يتعرض للقوة القاهرة البتة في مسألة التعطيل الإجرائي وإن تم التلميح بها عرضا كسبب أجنبي في المادة (264) من قانون المعاملات المدنية بالقول (.. اذا استحال على المدين تنفيذ الالتزام… أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه..) وذاك تخصيص في مادة لا يمكن التعليل بها في مواعيد إجرائية إلا بنص خاص واجتهاد المشرع المصري فقها وقضاء من خلال محكمة النقض التي ذهبت إلى اعتبار القوة القاهرة سببا لوقف ميعاد الطعون بكافة أنواعها بالقول (.. تعطل عمل المحاكم وعدم تمكن المتقاضين من اتخاذ إجراءات الطعن في مواعيدها هو من قبيل القوة القاهرة التي توجب توقف ميعاده) وأمام جدية المشرع العماني في مادة المواعيد الإجرائية في المادة المدنية والجزائية فإننا بالبحث ضمن النصوص والمواد القانونية ومبادئ المحكمة العليا الموقرة يتجلى لنا المخرج القانوني في حالة التقرير بتعطيل سير المحاكم من لدن اللجنة العليا وذلك على النحو التالي:-
1- الحالة الأولى: الأوامر السامية لجلالة السلطان المعظم حفظه الله:- تنص المادة (41) من النظام الأساسي للدولة ( السلطان رئيس الدولة.. وأمره مطاع..) وبالتالي فإن ما تقرره اللجنة العليا المشكلة بناءً على الأوامر السامية من لدن جلالة السلطان – حفظه الله- وجب جعل أمره مطاعا وعليه يكون التعطيل مبررا بوقف سريان كافة مواعيد الطعون أو الإجراءات المتعلقة بميعاد زمني وهو الأمر السامي الذي يرفع الحرج عن صلابة المادة القانونية ويشكل طورا استثنائيا وفي ذلك تقرر المحكمة العليا الموقرة (إن رفع النزاع للمقام السامي وصدور الأمر بإعادة نظره بواسطة المحكمة مرة أخرى يخرج عن تقدير المحكمة والأطراف ولا تملك المحكمة إلا التقيد به إذ إن أمره مطاع وفقاً لنص المادة (41) من النظام الأساس للدولة) قرار رقم (111) في الطعنين (160و161/2002م).
2- الحالة الثانية: استجلاء أحكام المادة (19) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والتي تنثر نصها (إذا صادف آخر يوم في الميعاد عطلة رسمية امتد الميعاد إلى أول يوم عمل بعدها) وتضع المحكمة العليا الموقرة المادة (19) في قالبها المحكم تفسيرا بالقول ( إن أحكام المادة (19) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية هي أحكام عامة ولا تهم مواعيد الحضور والإعلان فقط وإنما تهم أيضا مواعيد الطعن لورودها ضمن الأحكام العامة بالباب التمهيدي) مبدأ رقم (29) في الطعن رقم (32/2003م)؛ وبالتالي فإن الأمر السامي لجلالة السلطان الذي يتساوق مع الحالة الثانية يؤدي إلى التعطيل الإجرائي لعمل سير المحاكم والذي بدوره سينسحب بالوصف إنهاء الإجراء أو الإيقاف وهو بمثابة العطلة القانونية والتي بإنتهائها سيكون أول يوم عمل بعدها باعتبار (حساب ميعاد الطعن. امتداد ليشمل أيام العطلات الرسمية إلى أول يوم عمل بعدها) المبدأ رقم (127) في الطعن رقم (290/2006م) ومقتضيات المادة (19) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية تنسحب على كافة المواعيد الإجرائية وأحكامها ملزمة للقبول شكلا حال التقرير بها لدى المحكمة المرفوع بها العذر القانوني.
من وجهة نظرنا فإن المشرع العُماني يكون بمنأى عن استلهام فكرة القوة القاهرة أو السبب الأجنبي باعتبار أن الحالات السالفة الذكر ترتب تشريعا واجتهادا يستساغ العمل به دون المساس بقسوة المادة الإجرائية والمصلحة التي شرعت لها ونطمح إلى أن يتم العمل بموجبها ترتيبًا لأثر الوقف بألا تحتسب المدة التي وقف سير الميعاد خلالها ضمن مدة السقوط وإنما تعد المدة السابقة على الوقف معلقة حتى يزول السبب بأمر من قام بإنشاء الحالة الاستثنائية للمشكل القانوني ويستأنف سير الميعاد وفق ترتيب الحالة التي سيتم اللجوء إليها، فإن كانت الحالة الأولى فإن المدة السابقة قبل الوقف ستضاف للمدة اللاحقة في احتساب الميعاد الإجرائي بقرار يحدد الإذن بالسير في عمل المحاكم بزمن معين؛ أما في حالة اللجوء للحالة الثانية فإن المدة القانونية ستكون في حالة سريان مستمر باعتبار أنها تتساوق مع التعطيل بالعطلة الرسمية؛ وبالتالي ستكون أيام التعطيل داخلة في الاحتساب ويتجلى ذلك بأن يكون آخر ميعاد للإجراء هو أول يوم عمل رسمي بعد العطلة المقننة بالأوامر السامية أو الجهة المناط بها اتخاذ الإجراء.
حفظ الله عُمان وجلالة السلطان وشعبها والبشرية جمعاء من هذا الوباء.