فهد الغافري
ماذا فعلت بنا أيها الفيروس التاجي كوفيد – 19 ؟
لقد بعثت ألفاظًا من قاموس لم يألفه جيلنا: وباء وجائحة وتباعد وهلع وفتك وذعر يلفّ العالم، وأنانية تطغى في الغذاء والدواء، وتضحيات بشرية لم تُعهد على المدى القريب.
من كان يتوقع إعلانات حالات الطوارئ في عدد من الدول حتى الآن بما فيها العظمى دون وقوع حرب عالمية تتطلب ذلك؟ من منّا خالجه الظنّ يومًا أن الحياة بصخبها ستكون بهذا المستوى من الهدوء والحركة، شوارع فارغة، تباعد مجتمعي، دول معزولة، أجواء أكثر نقاءً بلا طائرات ولا مصانع، ميادين العواصم والمدن الكبيرة خالية من الناس وجماهير السائحين، مدن خاوية وكأنها الأشباح تسكنها، سائحون يتوجعون، وأموات بلا وداع ؟
أصبحت يا كورونا شغل العالم الشاغل، فقد العالم حركته وأخذ يلاحقك، تتسابق الدول لاحتوائك والحد من انتشارك ومحاولة القضاء عليك، دول كانت تصنف من أوائل الدول على مستوى العالم في الرعاية الصحية لم تصمد وانهزم نظامها الصحي أمامك لدرجة خرج معها الوضع عن السيطرة.
بماذا تُبشّر يا كورونا ؟
نعترف لك أنك أجبرت العالم على تعلّم عادات حميدة، نعترف لك أنك فضحت الكثير من السياسات بين الدول وكشفت زيف الكثير منها، نعترف لك أنك أبنت لنا ثغرات عديدة في النظام الاقتصادي، نعترف لك أنك أظهرت لنا هشاشة هذا العالم.
ومع إيماننا العميق بما قدّره الله، هل كان من الضرورة أن يموت الآلاف حول العالم حتى الآن ثمنًا لذلك؟ أن تتوقف الحياة لبرهة لا يعلمها إلا الله؟ أن يُراجع العالم سلوكه وسياساته لتكون أكثر صدقًا ونزاهةً ونفعًا للبشرية، وتقديرًا للإنسانية؟
ماذا فعلت يا كورونا ؟
الأزمات تكشف العورات، وتُجبر على التغيير والتطوير، ولا يزال العالم يتوقع أنك تخبئ الكثير، و- بعيدًا عن التفاؤل – تنذر بمزيد من الدمار، وتستمر في تقديم العديد من الدروس والعبر التي نأمل أن نكون على قيد الحياة بعدها، متمنين وداعين الله أن تمر الأزمة بسلام، كما نطمح أن نرى نموذجًا عمانيًا متفرّدًا للتعامل معه ومع غيره لا سمح الله.
اليوم يجب على كل واحد منا أن يقف في وجه هذا الوباء وأن نسهم في حماية عُمان من كل سوء، وألا نتهاون في الأخذ بأسباب الوقاية، وعلينا أن نُذكّر بعضنا أن تباعدنا اليوم يعني اجتماعنا غدًا، فهل نعي حقًا أهمية أن نلزم بيوتنا، أن نعيش هانئين بين أبنائنا، أن نحمي أنفسنا والآخرين؛ كي لا يصل بنا الحال لما لا تُحمد عُقباه، ولا يُرجى مُنتهاه، وكما قال الشاعر :
إذا لم يسقها سائق من ضميرها … وإلا فأعيت سائقًا بعد سائق
ومثلما الوطن هو الأمان والملاذ الكبير، فالبيت هو أماننا وملاذنا الصغير.