د. حارث بن عبدالله الحارثي
وضعني القدر في مفترق العديد من الطرق ووسط الكثير من الأحداث، بعضها أحداث وطنية جسام، وبعضها الآخر أحداث شكلت نقاط تحول محوري أثرت على ما يليها من أيام حياتي..
يوم أمس كان يوافق ذكرى نقطة محورية مهمة في حياتي وحياة العديد من شباب عمان، ذكرى مرور ٥ أعوام على رحيل المرحوم الشيخ خلفان العيسري..
في تلك الليلة كنت الطبيب الاختصاصي المناوب في المستشفى الذي توفي فيه المرحوم الشيخ خلفان، وصلت إلى المستشفى مبكرا وكان يوما عاديا كباقي الأيام، بعد الاجتماع الصباحي مع فريق المناوبة السابق، بدأت في زيارة المرضى المنومين في الأجنحة والرد على التحويلات التي تردني من الطوارئ، مضت الدقائق والساعات سريعة منذرة بانقضاء النهار وحلول الليل، تم الاتصال بي لإخباري عن المرحوم وطلب مني الذهاب للجناح..

ما زلت أشعر وأتذكر هول وقوع الخبر علي إلى الآن، كنت أعلم سابقا إنه مريض من تسجيلاته المصورة التي كان يبثها وينشر من خلالها الأمل في شفائه وثقته بالله، ولكن لم يخطر على بالي أنني سأكون مناوبًا في نفس المستشفى وفي ذلك اليوم حيث قد يودع الحياة منتقلا إلى الرفيق الأعلى..
ساعات وأنا أتابعه عن بعد يصارع المرض، الحياة تذوي من جسده رويدا رويدا والوجوم يخيم على الجميع، أحسست بحزن عميق وغصة في صدري وأنا أودع أخا وصديقًا ومعلمًا قريبا. عندما توقف قلبه عن الخفقان، اغرورقت عيناي بالدموع، من النادر أن يبكي الطبيب عند وفاة أحد مرضاه، ولكنه لم يكن أي مريض!.
تذكرت وأنا أبكي عليه أول حديث لي معه قبلها بسنوات، عندما اتصلت ببرنامج إذاعي كان هو ضيفه، سألته عن الحج ولماذا يحب أن نعده “اكتمالا لعقد التزام الانسان بالإسلام” فقط ونرفض أن يكون “بداية لالتزام أفضل واستمتاع بالطمأنينة التي تغمر المؤمنين”. جوابه كان واضحًا وصريحًا: “الحج هو رحلة لإصلاح الذات ولا يمنع أن تبدأ رحلة التزامك منه”. أدركت من رده أن هذا الشيخ الشاب لا يردد ما قرأه وحفظه من الكتب فقط بل هو متفكر ومتدبر ونابغة جدا.
تواصلت محطات صدف لقائنا في العديد من المواضع والحالات، وجميعها تشترك في تعلمي من المرحوم شيئا جديدا في كل مرة. كان الشيخ خلفان رجلا صافي القلب ونقي السريرة، محبًا للآخرين ومخلصًا لوطنه ولدينه ولمجتمعه، كان صاحب فكر ونظرة ندر أن تجد مثلهما، ظل إلى آخر يوم من حياته ثابتا على مبادئه كالجبل الراسخ، أحب الجنة وعمل لها ولم يخف الموت. ستظل ذكراه في قلوبنا وسيظل علمه نبعًا تستقي منه أجيال الحاضر والمستقبل.
رحمه الله وجزاه الخير على كل ما قام به وجعل منزله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.