أثير – ريما الشيخ
في الوقت الذي قد يهرب فيه الجميع من فيروس كورونا وتداعياته، في محاولة للنجاة بعائلاتهم وأسرهم منه، والذي أودى بحياة العديد هنا وحول العالم، لكن هناك أيدٍ تعالج وتنقذ حياة الكثير من المرضى المصابين التي كانت ولا تزال تضحي بوقتها لانتشال البلاد من مخالب الفيروس الفتاك.
غالية بنت مبارك الحسني، مسؤولة التمريض في قسم العناية المركزة لمرضى كوفيد-19، واحدة من ضمن “الجيوش البيضاء” اللاتي يعملن على إنقاذ ما يمكن إنقاذه والاجتهاد في معالجة مرضى كوفيد-19، الذي لا يوجد له علاج أو لقاح حتى الآن، بالرغم من مساعي العديد من العلماء حول العالم جاهدين من أجل الوصول لعلاج هذا المرض المُميت.
في نهاية مناوبتها، التي تصل مدتها لـ 7 ساعات يوميًا، تقضيها بين المرضى والممرضين في محاولة للتخفيف من اعراض الوباء، يتعين على الممرضة “غالية” أن تطهر نفسها قبل العودة إلى منزلها، حيث تعزل نفسها في غرفة منفصلة عن عائلتها لتجنب انتقال العدوى إليهم.
غالية التي تعمل في وحدة العناية المركزة منذُ 13 سنة بمستشفى جامعة السلطان قابوس، وحاصلة على درجة الماجستير في تخصص العناية الحرجة للكبار، تبدأ مناوبتها بارتداء الملابس الخاصة لوحدة العناية؛ حيث يبدأ عملها ما بين الاهتمام بشؤون المرضى وتوزيع المهام على الطاقم التمريضي اليومي مع الأطباء المشرفين على حالات المرضى، ومتابعة مع الأقسام الأخرى التي لها الدور الكبير في هذة الأزمة.
تقول غالية خلال حديثها مع “أثير”: التمريض مهنة سامية جدًا، ولكن التعرض لخطر الإصابة موجود سواء داخل أو خارج المستشفى، وقد وفر المستشفى لنا المعدات الكافية لمواجهة هذا المرض والحمدلله. بالإضافة إلى ذلك هناك المتابعة اليومية من إدارة المستشفى بشكل عام وإدارة التمريض بشكل خاص والتي لها الدور الفعال في بث روح العمل الجماعي وتحفيزنا على أداء واجبنا المهني بتفانٍ وإخلاص لمواجهة هذه الجائحة، كذلك لا ننسى دور قسم مكافحة العدوى بالمستشفى الذي يمدنا دائمًا بالإرشادات والتعليمات الدورية التي تتماشى مع البراهين والأدلة العالمية لمكافحته.
وأكملت حديثها: أشعر بالأسف لإصابة البعض من زملاء العمل بهذا المرض، ومن وجهة نظري، أعتبر جميع مرضى كوفيد-19 في وحدة العناية من الحالات الصعبة، وذلك لما يواجهون من فشل في عمل الأعضاء الرئيسية في الجسم كالرئة والكلى والكبد والقلب، وخاصة المرضى الذين لا تتجاوز أعمارهم العقد الثلاثيني ولا يعانون من أمراض مزمنة سابقًا، لهذا أرجو الجميع الالتزام بالإرشادات للحد من انتشار الفيروس مثل غسل اليدين دائمًا، عدم لمس الوجه، لبس الكمامات عند الخروج، تجنب التجمعات، الخروج من المنزل للضرورة فقط، الالتزام بالتباعد المجتمعي والجسدي، والتوجه لأقرب مركز صحي في حالة الشعور بواحدة من الأعراض الآتية: ألم في الحلق، الحمى، الكحة، أو صعوبة في التنفس.
لم تفكر غالية يومًا بالتراجع عن هذا العمل منذُ دخول الفيروس للسلطنة، وهذا ما أكدته بقولها: بالتأكيد لم أفكر بالتراجع فنحن الجيش الأبيض الذين يعمل ما بوسعه لإنقاذ الكثير، لهذا دائمًا أشبه الممرضين بالجنود الذين يقفون شامخين في الصفوف الأمامية في الحرب لمواجهة العدوان لدحره، ولا ينتابهم الخوف، فهم يحاربون بإنسانيتهم من أجل حماية بلدهم وأهلهم ومن يعيش على أرضهم، كما هو الحال الآن في جميع المستشفيات، فالممرضين والأطباء والطاقم الصحي أجمع يقفون سدًا حصينًا ومنيعًا لعلاج المرضى من هذا الوباء.
ومنذُ بداية ظهور هذه الجائحة شعرت عائلة غالية بالخوف من هول ما يسمعون من أخبار وما تتداوله جميع القنوات الإعلامية، والمصير الذي واجهه بعض الأطباء والممرضين، حتى إن البعض نصحها بأخذ إجازة للابتعاد عن محيط العمل في هذه الفترة، ولكن إصرارها وقوة عزيمتها ورغبتها لأداء واجبها الوظيفي على أكمل وجه وبما عاهدت به الله وبلدها، إرتأت عدم التنصل من المسؤولية التي أوكلت لها والوقوف يدًا بيد بجانب الفريق الطبي، ومع مرور الوقت والتعود على التعامل الصحيح مع المرضى أصبح عملها مصدرًا فخر لها ولعائلتها.
التخفيف من معاناة المرضى تحتاج إلى مهارة والقدرة على مساعدتهم دون تعب أو تذمر، هي مهنة إنسانية، وهذا ما قامت به غالية والكثير من الممرضات لتحسين ومعالجة المرضى المصابين بوباء كوفيد 19. فهم فعلا يستحقون لقب ملائكة الرحمة، فهنيئًا لهم هذة التسمية التي يستحقونها، ولهم التحية والاعتزاز لعملهم الكبير وصبرهم الطويل.