المحامي أحمد بن سالم العرفي
شيئان يملآن قلبي، يثيران فكري ووعيي دائمًا، مهنة المحاماة العظيمة والقانون الذي أشعر به بداخلي.
تنطلق مهنة المحاماة من مبدأ أساسي وهو الدفاع عن حقوق المتقاضين وتحقيق العدالة، فالمحاماة رسالة سامية ومهنة عظيمة، وأن تكون محاميًا يعنى أن تُسخّر حياتك وعمرك وصحتك دفاعًا عن الحق، وأن تكون صاحب رؤية أشمل لمعنى الحياة، مؤمنًا بقيم الحق والعدل والحريّة والمساواة.
من هذا المنطلق ولدى تتبعنا لتاريخ التشريع العُماني نجد أن المحاماة كانت من أوائل المهن المقنّنة، بدءًا من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم:(101/96)، الذي يعد الهرم الأعلى للقوانين في السلطنة، وذلك ما أكدت عليه المادة (65) بأن: “ينظم القانون مهنة المحاماة”، وهذه دلالة واضحة على أهمية المحاماة في المنظومة القضائية بالسلطنة.
مما ألهمني في الآونة الأخيرة للحديث عن قضية تمس شريحة كبيرة من المجتمع، وهي تعمين مهنة المحاماة في سلطنة عُمان، وسأسرد أحداثًا جوهرية في مسيرة المهنة في السلطنة: –
صدر قانون المحاماة في 29/12/1996م، بالمرسوم السلطاني رقم (108/96)، ونصّت المادة (1) من القانون على الآتي: “المحاماة مهنة حرة تشارك في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وذلك بكفالة حق الدفاع عن المتقاضين. ويمارس المحامون مهنتهم مستقلين لا يخضعون إلا لضمائرهم وأحكام القانون”.
كما اشترطت المادة (12) لمزاول مهنة المحاماة، أن يكون المحامي وطنيّا، أي متمتّعًا بالجنسية العُمانية.
ولأن المحاماة في عُمان كانت حديثة النشأة في تلك الفترة، راعى القانون المحامي الأجنبي، فقد نصّت المادة (66) في الفقرة الثانية على الآتي: “وفي جميع الأحوال لا يجوز لغير العمانيين الحضور أو الترافع أمام المحاكم بعد مُضيّ سبع سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون..”، فتم منح المحامي الأجنبي مهلة سبع سنوات لممارسة المهنة.
ولا شك أن للمحامين الأجانب فضل كبير في تأسيس المهنة في السلطنة باعتبارهم المزاولين للمهنة منذ صدور القانون في نهاية عام 1996م، فتلوح في سمائنا نجوم برّاقة لا يخفت بريقها عنا وإن ذهبت بعيدًا..
ومع انقضاء المهلة المنصوص عليها في المادة (66)، ترقب المحامي العُماني ومن تهمه المهنة بدء سريان النص السابق، لكن تم التمديد للمرة الثانية في 2003م، وفي عام 2009م تم تطبيق نص المادة (12) من قانون المحاماة لأول مرة، ولكن اقتصر ذلك على المحاكم الابتدائية وما في مستواها، فتم تعمين المهنة على مستوى هذه المحاكم، وأصبح الحضور أو الترافع فيها للمحامي العُماني ابتداءً من الأول من أكتوبر2009م
وفي ذات الفترة تم التمديد للمحامي الأجنبي بالحضور والترافع أمام محاكم الاستئناف والمحكمة العليا حتى 31/12/2012.
وتكرر مشهد التمديد مرة أخرى في عام 2012و2016م، وكانت الحجّة المعلنة للجميع طوال السنوات الماضية عدم توافر العدد الكافي من المحامين العمانيين لتغطية القضايا والدعاوى في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا.
وشهد عام 2016 وقبل صدور قرار التمديد الأخير الكثير من الآراء بين مؤيد ومعارض لفكرة تعمين المهنة في السلطنة.
وتعد مهنة المحاماة من المهن السيادية في دول العالم أجمع، ولن نحصل في السلطنة على نظام قضائي مميز إلا إذا كان هناك نظام محاماة متين الأركان متكامل؛ فالمحاماة جزء من المنظومة القضائية تقف وتساند المنظومة العدلية.
فبعد مرور أكثر من (23) عامًا على صدور أول قانون ينظم مهنة المحاماة في عُمان، فقد آن الأوان للنظر بجدّية إلى هذه المهنة، وإيجاد بيئة عمل محفزة وداعمة للمحامي العُماني، فهو ابن الأرض ولا تُبنى الأمم إلا بسواعد أبنائها المخلصين.
وتماشيًا مع توجيهات صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله- بإحلال العُماني محل الوافد في مختلف القطاعات، والحرص الذي يوليه جلالته بالشباب العُماني، حيث جاء في خطاب جلالته:(إن الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب وسواعدها التي تُبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحق)، فإن تعمين المهنة يلقي بظلاله على قضية الباحثين عن عمل من خريجي كليات القانون أو كليات الشريعة، وذلك بإيجاد شواغر لهم في هذه المهنة الإنسانية، وإيجاد بيئة عمل واعدة من شأنها أن تسهم في تحفيز الخريجين المقبلين على العمل في هذه المهنة، وقد أضحت أعداد المحامين العُمانيين في تزايد مستمر، مما يدل على جدارتهم وتقبلهم لخوض غمار ممارسة هذه المهنة العظيمة وهم أهلٌ لها.
وما يُثار حول عدم كفاءة العُماني في اِمتِهان المهن بما فيها المحاماة، فقد أثبت التاريخ والإحصائيات كفاءة وجدارة العُماني في الكثير من المهن، لا سيما مهنة المحاماة، فالمحامي وصل لمستويات مميزة جدًا في المرافعات وكتابة المذكرات القانونية وتقديم الاستشارات، والشواهد على ذلك كثيرة وملموسة، ولعل أصعب وأهم مرحلة تمر بها القضية أو الدعوى هي المحكمة الابتدائية، ففيها يكون التكوين والإبداع وهذه المحاكم تم تعمينها منذ أكتوبر2009م، وأصبح المحامي العُماني نموذجًا يُحتذى به، وأضاف الكثير من العادات العمانية الأصيلة إلى أخلاقيات مهنة المحاماة.
وهنا نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لابن عمان بأن يكون محاميا فاعلا حاميا لبلاده؟ وأن تُعَمّن مهنة الشرفاء؟؟!!