موزة بنت أحمد الوشاحية – ماجستير في القيادة والسياسات التربوية
لم تكن المرأةُ في عُمان مجردَ قضية يتم المُتاجرة بها لإضفاء صيغةِ التحضر والمدنية في المحافل العالمية بل هي نتاجُ فكر سُلطاني آمَنَ بها وسعى إلى ترسيخ ذلك عَبر تمكينها تمكينا كاملا لتكون المرأةُ العمانية الصيغة الأكثَرَ بهاءً لمعنى امرأة.
وإذ تحتَفل المرأةُ العمانية بيومها السنوي هذا العام فهي تحتفل بخمسينَ عاما من رحلة التمكين و الدعم المستمر التي بدأت بتعليمها و محوِ أميتها في عام ١٩٧٠ إلى أن وَصلَت إلى ما لا يُحصى من الإنجازات في كافة القطاعات، و في مجال قضايا المرأة وحقوقها فإن ما حصلت عليه المرأة العمانية خلال هذه المدة القصيرة مقارنةً بمجتمعات كثيرة يُعد إنجازا قياسيا.
إن تمكينَ المرأةِ العُمانية لم يكن وليد الصدفة أو ناتجٍ عن مطالباتٍ حقوقية إنما كان رؤيةً متأنية مستنيرة من فكر قائدٍ آمنَ بها قائدٍ عظيمٍ نشأ في كنفِ سيدةٍ جليلة أزكَت فيه كل عوامل الاحترام و التقدير العظيمين لدور المرأة في المجتمع ، فكان أن وضع رؤيةً شاملة متواءمة مع محتويات هذا المجتمع وعمقِ قيمه وتقاليده فلم يكن الانتقال بالمرأة من مرحلة الأمية الى مرحلة التمكين التام بالأمر السهل إنما كان لا بد ان يتم ذلك من خلال تهيئة و توعية للمجتمع وفقَ خُطط متوازية لرفع مستوى التعليم لدى قطبي المجتمع الرجل و المرأة لذلك فإن ما وصلت اليه المرأة اليوم من آفاق و نجاحات ممتدة إنما هو ناتج طبيعي لذلك الفكر الثاقب و دعم المجتمع لها.
وهنا أستحضر ذلك اللقاء الصحفي لباني نهضة عُمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه مع مجلة (ميدل ايست) اللندنية في عام ١٩٩٨م في سياق حديثه حول المرأة حيث قال طيّب الله ثراه (إنني بالتأكيد أرتئي زيادَة في مشاركة المرأة في حكومة سلطنة عُمان، وإن المرأة أثبتَت بعد انتخابها في مجلس الشورى نجاحا منقطع النظير و ليس هذا فحسب فقد أثبتت المرأة التي دخلت مجال الأعمال و الخدمة في الحكومة و مجموعة واسعة من المؤسسات التقنية الحيوية أنها قادرة على تحقيق تقدم مشجع و الاسهام في حياة السلطنة و إذا اُستثنيَت المرأة و قدراتها و حماستها من حياة البلاد النشِطة سيكون معنى ذلك أنّ البلد يحرم نفسه من كل عبقريتهُ و قدرتهُ على الإبداع)
شخصيًا أرى في هذه الأسطر فلسفة الإعتقاد و مذهبية الفكر النبيل الاكثر تقديرا و اعزازاً و اعتزازا بالمرأة و ما نحن اليوم بكل نجاحاتنا و طموحاتنا المتحققة و هذه الارض الصلبة التي نقف عليها من مجتمع ايجابي النظرة و منظومة تدعم المرأة الا خلاصة ذلك الفكر و نتيجة متوقعة له.
و ها هي المرأةُ العمانية تنتقل من عهدٍ عظيم الى عهدٍ سعيد و قائد مؤمنٍ برسالتها و شراكتها الكاملة و لا غرابةَ في ذلك فالكرام مذهبهم الإكرام و ها هو الدعم يمتد لمنحى بأبعاد متجددة و ها هو التشكيل الوزاري الجديد يحمل في مجمله ايماناً بقدرات المرأة في القيادة و الذي تمثل في اسناد ثلاث حقائب وزارية هامة تعنى بالتعليم و تنمية المجتمع و في ذلك بُعد استراتيجي يستهدف وضع سياسات تمكين المرأة و الارتقاء بها بين يديها و بإسناد منظومة متكاملة كما انها رسالة و وسام ثقة في المرأة و مقدرتها على الإنجاز.
و في معرض الحديث عن وضع المرأة العمانية و تصاعد ادوارها فإن هناك بلا شك الكثير من التحديات التي قد تواجهها المرأة فيما يتعلق بأشكال التمييز التي قد تتعرض لها و فقدان المساواة و تقديم الحماية و الدعم اللازمين لها و للطفل ، و تشترك المرأة العمانية مع بنات جنسها في مختلف بقاع العالم هذه المشاكل و الصعوبات و بشكل عام فإن تمكين المرأة و منحها الفرصة الكاملة في قمة الهرم في وحدات الجهاز الحكومي و القطاع الخاص من شأنه ان يساهم بشكل مباشر في تحسين السياسات الداعمة للمرأة و ادوات تنفيذها ، كما انه من المتوقع ان تساهم المرأة الأكثر تأهيلا و تمكيناً في مختلف القطاعات من دعم قضايا المرأة و المساهمة في وضع الحلول لها.
أرى عمان قادرة على ان تكون الأفضل دائما بسمو فكر ابنائها و بناتها ، و اعتقد اننا الى حد كبير نمتلك القدرة الكاملة لنتعامل مع كافة القضايا و التي تأتي في مقدمتها قضايا المرأة و الطفل لان المجتمع المتآلف ينجح دائما في تحقيق التوازن الداخلي في التفاعل مع قضاياه دون مغالاة او تهميش و المرحلة القادمة بتحدياتها تستوجب تمكين ادوات الدعم و الحماية للمرأة سواءً من جانب المراة او من جانب شريكها في المجتمع الرجل لان الحفاظ على استقرار الأسرة و التي هي نواة المجتمعات المستقرة يبدأ من المرأة و يُبنى على الاستقرار الإجتماعي للمجتمعات التقدم الإقتصادي و غيره من مجالات التنمية.
قصة المرأة العمانية وإنجازاتها وأدوارها هي قصةُ عُمان التي ندونها نحن شريكات الرجل بمبادئ وركائز يتفق عليها المجتمع بشكلٍ متناغم وتتربى عليها الأجيال بكل قَناعة.