أخبار

محمد النهاري يكتب : حجارة داود تلقف إفك مدرعات جالوت !

رسمة كاريكاتير للدكتور علاء اللقطة

بقلم محمد بن أحمد النهاري

ذهلت العقول من مشاهد عمليات حجارة داود التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وآخرها عملية الثلاثاء الفائت، وقد ارتقت مرتق العجب في التفسير العقلي القائم على احتمالات النجاة و الموت وحسمها للموت على المعطيات الميدانية التي رأيناها ! والجواب والعبرة في المسار الإيماني والفكري والمقاصد عند منفذ العملية البطولية الذي لم يذهب إلى المدرعة خلف خطوط العدو المحتمية بركام من الرمال ودبابة محاذية لها ورصد جوي وبشري على الأرض إلا يقينا بأن الموت المحقق حياة دائمة وارتقاء بالغ عن النجاة بدرجة رغم حسنه وعظمته ولذة النصر والأثخان في العدو .

إن الأساس الصلب الذي ارتكزه في مواجهة نسبة البقاء الضئيلة هو الإيمان بأن الحياة الحقيقية المستمرة له فيها، فانقلبت معادلة الحياة المحدودة وسمت للحياة الخالدة “وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”، بمعايير الوعد الرباني الرفيع للشهداء “فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.

لقد أدبنا هذا المقاوم وهذبنا بتوكله على الله حق توكله والرجاء إليه وأخذه بأسباب نجاة مع قلتها، سلاح على اليمين وكاميرا على الرأس وعبوة احتضنها وغطاء صوفي للتخفي ثم دعا إلى الله بالظفر والأثخان ثم قفز إلى أرض المعركة يختالُ حتى انبرى على فريسته ولم يرف له جفن ولم يبالِ بالدنيا كلها عن فريسته ثم وثب وثب الأسود فعاد متبخترا إلى مربضه وقد أجابه الله ونصره وأعطاه سؤاله.

مقلاع داود الذي أيده الله به على عظيم الجثة مهيب الصيت وفير العتاد جالوت حين تقابلا فرادا ودعا وقومه “ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين” فاستجاب لهم “فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت”، ويالسنن الله التي لا تبديل لها في العملية آنفة الذكر توكلٌ على الله وأخذٌ بالأسباب مع قلتها ودعاء الباذل لا العاجز المتواكل والإجابة ذاتها نصر من الله وإنه لترياق النجاة من العبور إلى الحيوان الدائم والمستقر الأبدي.

ومنذ الوهلة الأولى لطوفان الأقصى قبل أكثر من ٦٠٠ يوم أذهلت المقاومة وحاضنتها في غزة الألباب وأعادوا بوصلة المفاهيم إلى فطرتها ورواكز الحياة الجوهرية لا المادية الصرفة القاتمة الظانة بالله الظنونا، حياة أساسها الإنسان العابد إلى ربه المتوكل عليه في خيره وشره، الراضي بمقادير الحياة العابرة إلى مقاصد الإيمان والخلود والغايات الرفيعة والأمثلة في ذلك تطول ولا تتسع مجلدات في صبر ورباط وسمو أهل غزة،

وليس ببعيد عن بطولة المقاوم ما نال الدكتورة آلاء النجار التي فقدت تسعة من فلذات أكبادها في نهارا واحد والذي لم أقف مع جهلي وقلة حيلتي على أحد تجرع نظير مصابها عبر التاريخ وقد أذهلت من رأها صابرة محتسبة ثابتة حتى قالوا “لم نفهم معنى الصبر الجميل حتى رأيناها “بشهادة الدكتور منير البرش.

إن أشد المعارك وأكثرها فتكا ما يقع في عقل الإنسان وقلبه فأما ما يحدث بعد ذلك قدر كتب وأجل حسم وميعاد ضبط ولكل قلبٍ وعقلٍ مآله الذي ارتضاه بإرادة حرة وهبها إليه الله وعقلا أرشده للظفر وإلى النجاة السرمدية، والدعوة للتأمل والتفكر في حال أهل غزة و شواهد الإيمان والصبر والعلو الأخلاقي والإنساني المتواتر عنهم ، وإنها لفرصة لرفع غشاوة المادية وتسارعها فتعسا لنا إن أضعنا العبر بدنيا مقدارها ساعة، “كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا”

فرج الله عن غزة وأهلها ونصرهم نصرا عزيزاً مباركا وثبتهم وأعانهم فهم صفوة الصفوة في أمة محمد ﷺ .

Your Page Title