كتبت: رقية بنت راشد العبرية
إن الواقع غير المسبوق في هذه الألفية والذي فرضته الجائحة الصحية العالمية (كوفيد/١٩) وما أفرزته من تغيرات حتمية غيرت ملامح العالم وأجبرته على اتخاذ طرق وأساليب متعددة في محاولة للبحث عن طوق نجاة يضمن الحد الأدنى – في كثير من الأحيان- لتوفير المتطلبات الأساسية للحياة الإنسانية والتي على رأسها الصحة والتعليم.
وعلى الرغم من آثار الجائحة السلبية الكارثية نجد أنها قد رسمت خارطة جديدة لمفهوم التعليم والإبقاء عليه مستمرا كأحد الحقوق الأساسية للإنسانية رغم التحديات والإمكانات، فقد ظهر مصطلح (التعليم عن بعد) كأحد الإفرازات والاستثمارات الإيجابية للأزمة وما رافق ذلك من تغيرات جذرية حوّرت العملية التعليمية التقليدية إلى عملية عصرية معتمدةٍ على تقنيات الاتصال الحديثة لم تستثن أيا من المراحل التعليمية أو الفئات العمرية متخطية بذلك الحدود الزمانية والمكانية التي فرضها التعليم التقليدي على مدار عقود من الزمن.
ومما لا بد من التأكيد عليه هو أن مرحلة التعليم عن بعد جاءت نتيجة التطور التقني الكبير والحداثة في وسائل الاتصال المختلفة التي يشهدها العالم اليوم ونتيجة الجهود المبذولة في نجاحها وتخطي فترة الجائحة بأقل الخسائر الممكنة، إذ لمسنا نتاج ثمار التعليم عن بعد على مختلف الفئات العمرية في مختلف الصفوف الدراسية والمراحل الجامعية بكل سلاسة وسهولة، حيث إن تجربة التعليم عن بعد حظيت بالقبول المجتمعي المتوقع على الرغم من الاحتياج الكبير للمرونة والانضباط الذاتي وكذلك حاجة أولياء الأمور والطالب نفسه إلى التدريب على التقنيات المستخدمة في التعليم عن بعد لكنه برغم ذلك أصبح التعليم عن بعد ركيزة أساسية يعتمد عليها الطالب بكل كفاءة.
ومن خلال هذا التحقيق سنستقرئ رؤى وأفكار عينة من الفئات التي عايشت هذه التجربة الحقيقية منذ بدايتها على المستوى التعليمي والأكاديمي ما بين واقع التحديات والإمكانات والموارد المتوفرة وما بين الطموحات المرتجاة من المستفيدين والمتأثرين بهذه الجائحة من مختلف شرائح المجتمع داخل العملية التعليمية وخارجها.
إحصائيات
في تقرير صادم صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافة أن 290 مليون طالب وطالبة على مستوى العالم انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة بسبب فيروس كورونا.
*الدكتور سعيد بن حمد الربيعي
وفي خطوة حثيثة نحو تمكين وتطوير وإثراء عملية التعليم عن بعد نحو منصة تعليمية رقمية بات التعليم عن بعد عامل التكافؤ الأعظم والإنجاز الباهر الذي سار وفق نظم تعليمية شاملة تتسم بالجودة والكفاءة للجميع في ظل هذه الجائحة. وفي هذا الصدد تحدث الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في لقاء سابق له قائلا: ” نستشرف عاما أكاديميا جديدا بعين ثاقبة وبصيرة واعية وعزيمة ثابتة لنكون رقما إيجابيا في سجل الإنجاز الوطني”.
*الدكتور يحيى بن خميس الحارثي
من جانبه صرح الدكتور يحيى بن خميس الحارثي مدير عام المديرية العامة لتطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم في لقاء مع الشبيبة : ” هذه المنصة هي استمرار للجهود التي تقوم بها الوزارة ، حيث إنه سابقا كانت هناك بعض الجهود التي بذلت لتقديم دروس تعليمية على شكل قنوات تعليمية أو مبادرات من قبل المعلمين لكن استمرارا في هذه الجهود تم تقديم محتوى تعليمي عن طريق الدراسة عن بعد أو المنزل وهو عبارة عن منصة تعليمية إلكترونية تضم عدة مواد دراسية بحيث تشمل كل المواد والصفوف”.
*الدكتور حمدان بن محمد المنذري
أما الدكتور حمدان بن محمد المنذري عميد جامعة التقنية والعلوم التطبيقية فرع عبري فقال عبر برنامج من عمان : ” التعليم التقني أو التطبيقي هو الوعاء الذي من خلاله إن شاء الله سوف يكون له الوقع الحقيقي والوقع المرجو منه حيث إن لدينا قوة بشرية مؤهلة قادرة على أنها تساير متطلبات الثورة الصناعية الرابعة ومتطلبات عمان 20 / 40 “.
تأثير التعليم عن بعد في تنمية التعلم الذاتي
*مبارك الحمداني
وفي هذا الصدد يتحدث مبارك الحمداني متخصص في علم الاجتماع عن الوضع النفسي للطالب ما بين إجراءات اللجنة العليا وترقب القرارات وما بين أدائه وتحصيله الدراسي في ظل تعليق التعليم التقليدي والاعتماد على التعليم والتقييم عن بعد في تجربته الحقيقية الأولى حيث قال : ” ربما يمكن مقاربة الأمر من ناحية سوسيولوجية بالنظر إلى أن المسألة لم تعد تتعلق بفكرة (التعليم / التعلم) نفسها وإنما ترتبط بالرمزية التي تشكلها البيئة المدرسية أو الأكاديمية على حد سواء بالنسبة للذات المتعلمة (ذات الطالب). والارتباط الواصل بين فكرة التعلم وبين الحاجيات التي يشبعها المجتمع المدرسي أو الجامعي على حد سواء. وإذا ما أردنا تجاوز الحديث عن الممكنات (الوسائل) في الاتصال المباشر وديمومة التعلم وما يطرحه من تحديات ناشئة عن التباين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للأسر عموما. فإننا يجب أن نركز في هذا الصدد على الأبعاد النفسية والاجتماعية لكفاءة وقبول عملية التعلم عن بعد.
مضيفا : يمكن القول بأن التفاعل المباشر الذي يتيحه المجتمع المدرسي أو الجامعي على حد سواء يؤثر في بناء شخصية المتعلمين وكذلك في أنماط السلوك الاجتماعي وتجذرها لديهم؛ حيث إن التعلم من خلال المواقف الاجتماعية مواز بشكل أساس للتعلم من خلال المواقف التمدرسية أو النظرية. وهذا معطى مهم في تحقيق التكيف النفسي والاجتماعي وبناء السمات العامة للشخصية وكذلك في مسألة تأصيل القيم، حيث إن عملية التعلم من خلال بيئة مدرسية أو جامعية هي في حقيقتها عملية تكيف وتكيف اجتماعي تسهم بصورة أو بأخرى في تسهيل اندماج الفرد المتعلم في محيطه العام.
وأضاف : تحدد المقاربات السوسيوبنائية لعملية التعلم عن بعد ثلاث نقاط محورية مهمة للتركيز عليها في فهم القبول العام لمسألة التعلم عن بعد. (البعد المتصل بالذات العارفة) والذي يفترض أن المتعلم أصبح مطالبا بمهام أخرى موازية يقوم بها في ظل التعلم عن بعد منها مهمة الرقابة والمتابعة التي تتم غالبا في المحيط الأسري ومهمة البحث عن المصادر الوافرة للشرح والفهم والاستيعاب. أما البعد الثاني فهو (البعد التفاعلي) وهو البعد الغائب في عملية التعلم عن بعد حيث إن مجمل هذه العملية ليس قائما على حدث اجتماعي (حادثة تعلم) بقدر ما هو قائم على اتصال غالبا ما يكون أحادي الوجه والتفاعل معه مشروط ومحدود بظرفيات الميديا ووسائطها. أما البعد الثالث فيتصل بمسألة (البعد الاجتماعي) وهو يتمثل في العلاقات الاجتماعية والتفاعلية الحميمة التي يتيحها مجتمع المدرسة أو الجامعة.
وعلى ضوء التبدلات الطارئة في هذه الأبعاد الثلاث فإن مسألة التأقلم مع التعلم عن بعد تحتاج إلى مدة كافية من الزمن وتكييف أدوات مستحدثة للاندماج معها وتحقيق أهداف التعلم بذات الكفاءة والقدرة والقبول والفاعلية التي يحققها التعليم المباشر. وفي تقديرنا فإن الاندماج التام مع هذه العملية ربما يأخذ مدى زمنيا متوسطا في قرابة (4-5) أعوام لتحقق مآربه وينسجم مع الجوانب الاجتماعية المختلفة. وهنا أعود للتأكيد بأنني لا أتحدث عن المقاربة الأداتية (الوصول للشبكة وتوافر الأجهزة والترتيبات اللوجستية وسواها). وإنما عن المقاربة السيوسيو تربوية.
تجارب وآراء مرحلة التعليم الذاتي ( التعليم عن بعد )
وفي هذا الجانب قالت الخريجة حليمة بنت حسن البلوشية تخصص إدارة أعمال : ” تجربة التعلم عن بعد كانت تجربة جديدة لي وللعديد من الزملاء الطلبة ، لم يكن الأمر سهلا ولا هينا لكنني أستطيع أن أقول بأنها تجربة مثرية للجميع على حدٍ سواء . بداية التجربة واجهتنا العديد من الصعوبات لا سيما شبكة الإنترنت وتوفر المكان المهيأ حيث إن بيئة المنزل مختلفة تماما عن بيئة الكلية وغيرها من الأسباب الاخرى .
وأضافت البلوشية : مما لا شك فيه أن استفادة الطالب عندما كان يحضر إلى الكلية أكثر من استفادته في التعليم عن بعد ، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد استفادة من تجربة التعلم عن بعد .بالنسبة لي شخصيا نمّت لدي تجربة التعلم عن بعد ( التعلم الذاتي )، حيث إنني صرت أكثر اعتمادا على نفسي في البحث في شتى المصادر للحصول على المعلومات. أيضا أضافت لي ولمعرفتي التقنية كيفية الاستفادة من البرامج المتاحة للتعلم .
أما سمية العبرية طالبة تربية في جامعة نزوى فذكرت : “البداية و بكل وضوح كانت فكرة التعليم عن البعد في الوضع الحالي هو الخيار الأنسب و الأفضل فكان لزاما علينا نحن الطلاب توفير أجهزة و شبكة قوية ومناسبة تفي بمتطلبات الدراسة ، ربما لأن وضعي أحسن و لله الحمد والمنة عن زميلاتي الطالبات لم أواجه مشكلة في موضوع الشبكة أو الجهاز. كان أداء الدكاترة مقبولا لأن المحاضرات كانت موجزة و مختصرة لكن المتطلبات الأخرى بعيدا عن محتوى و أداء الدكاترة في المحاضرة.
وأردفت العبرية حول نسبة نجاح خيار تسجيل المحاضرات والرجوع لها في أي وقت : ” بالنسبة للمحاضرات المسجلة كنت قليلا ما أرجع لها و إذا رجعت هذا بسبب تعذر حضوري للمحاضرة لذلك أعده خيارا ناجحا و كان من إيجابيات التعليم عن بعد.
تجارب أولياء الأمور وكيفية تعاملهم مع هذه التجربة
وفي هذا الجانب تحدثت فتحية بنت راشد العبرية ممرضة قانونية عن تجربتها كأم خلال هذه المرحلة : ” من واقع تجربتي عن التعليم عن بعد واجهت صراحة عدة تحديات بما أن لديّ بنتين الأولى في الصف الخامس الابتدائي وهي بداية لمرحلة جديدة وانتقال لمستوى أعلى عن السابق والثانية في الصف الثالث الابتدائي .من أكبر التحديات حقيقةً كعاملة في المجال الصحي ودوامي بالمناوبة هو محاولة تشجيع بناتي على الالتزام بالوقت المحدد لكل حصة. في البداية كان الحماس عاليا لديهن لكن مع المرور الأيام خف الحماس والتركيز وأصررت على الوقوف بجانبهن والتغلب على هذا التحدي فقد قمت بتغيير دوامي من الصباح إلى وقت الظهر لأتمكن من الاستيقاظ يوميا معهن والوقوف بجانبهن وتشجيعهن إلى أن فزنا بالتحدي واستطعت الاعتماد عليهن. كانت متابعتي لهن مستمرة بالهاتف. تحديات كثيرة أخرى وتجارب مختلفة في المنصة التعليمية لجوجل والمنظرة أيضا وتسليم الواجبات واجهنا بعض الصعوبات في البداية بسبب تراكم الواجبات لعدة مواد في اليوم. كان تشجيع المعلمات لنا كبيرا جدا وكان له الأثر الأكبر بكل صدق. تحدي الاختبارات كان أيضا صعبا قليلا في البداية بسبب الشبكة أحيانا تكون سيئة ولكن العذر دائما كان مقبولا من عند المعلمات. الآن وبعد مرور أربعة شهور من تجربة التعليم عن بعد اكتسبنا مهارات كثيرة واقتربنا أكثر من الكتب وأبنائنا بالأخص. تعلم التقنية أيضا كان حافزا إيجابيا لأبنائنا ولنا أيضا. الالتزام بالوقت والاعتماد على النفس كان واضحا لدى بناتي بالفعل. مناقشات كثيرة أيضا عن طريق الرسائل عندما أكون في العمل وهذا بحد ذاته يزيد الترابط بين الأبناء والآباء. حصاد هذا الفصل كان مثمرا حقا بالنسبة لنا”.
تجربة التعليم عن بعد في مراكز الوفاء لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة التابع لوزارة التنمية الاجتماعية
ذكرت فاطمة بنت راشد الحديدية فنية تربية خاصة : ” لم يكن لدينا تعليم عن بعد ، لقد أخذنا بالأمور الاحترازية ثم قمنا بتجهيزها والتعقيم المستمر وكذلك وضع المسافة الآمنة بمترين أو متر ونصف بين الطالب والأخصائية ، وبعد ذلك قمنا بتنظيم جداول خاصة للجلسات بحيث يكون لكل طالب جلسه أو جلستان في الأسبوع ، وبالطبع أخذنا موافقة أولياء الأمور في ذلك”.
مدى تحقيق التعليم عن بعد أهداف خطة الجامعات والكليات
وفي هذا الصدد ذكر الدكتور عبدالله بن حمد المحروقي أستاذ مساعد بقسم إدارة الأعمال ورئيس قسم البحث العلمي بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية ( كلية العلوم التطبيقية بنزوى) : ” التعلم عن بعد له إيجابيات وسلبيات حاله كباقي أساليب التعليم المباشرة. فمن إيجابياته وأهمها أنه ساعد في تجنب التواصل المباشر وبالتالي الحد من انتقال الفايروس ومرض كورونا، كذلك من أهم إيجابياته توفير الوقت والجهد والمال للطالب والمعلم عوضا عن قطع المسافات الطويلة يتمكن الطالب من ولوج المحاضرة بضغطة زر واحدة. كما أنه يجعل العائلة أكثر اطمئنانا على مكان وجود أبنائهم.
وأضاف : أما السلبيات فمن أهمها ضعف التفاعل بين المدرس والطالب وبين الطلاب فيما بينهم أثناء النقاش وعرض محاور الدرس ، أيضا : انشغال بعض الطلاب بأمور جانبية تشغلهم عن التحصيل والانتباه وبالتالي التفاعل مع المدرس ، وعدم قدرة بعض الطلاب من المشاركة في التعلم عن بعد لمشاكل تقنية منها ضعف شبكة الإنترنت أو عدم توفر أجهزة الحاسب الآلي أو ضعف عتاد هذا الجهاز مما أدى إلى رسوب بعض الطلبة. كما أن أكبر جوانب القصور بالتعلم عن بعد يتمثل في استخدام أساليب التقويم ومراقبة الطلبة أثناء الامتحانات مما يشكل مشكلة كبيرة في هذا النظام من التعليم. ورغم وجود هذه السلبيات إلا أنه نظام قابل للتطوير والتحسن ومن الممكن الاعتماد عليه مستقبلا كأسلوب دائم للتعليم”.