د.بدر المسكري يكتب عن وظيفة التعويض القضائي
د.بدر المسكري – كلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس
إن جبر الضرر الناجم عن الخطأ العقدي أو الفعل الضار هو مرام المشرع الرئيس من تنظيم المسؤولية المدنية بجناحيها: العقدية والتقصيرية، ويعد التعويض أداةَ المشرع لتحقيق ذلك ووسيلة ضمانه، فالتعويض جبر للضرر الذي أصاب المضرور أيا كانت صورة هذا الجبر أو مصدره؛ وبصرف النظر عن نوع الضرر وحجمه.
وتتنوع صور التعويض من حيث محله إلى تعويض عيني يقوم على إزالة الضرر ومحوه على نحو يعيد الحال إلى ما كانت عليه قبل الضرر، وإلى تعويض بمقابل قد يأخذ صورة التعويض النقدي أو صورة أداء معين يتفق عليه أو يحكم به القاضي أو يقرره القانون.
أما من حيث مصدره فإن التعويض يتخذ واحدة من ثلاث صور: فقد يكون تعويضا قانونيا يقرره المشرع في حالات معينة كالتعويض عن ضرر التأخر في الوفاء بالتزام، أو التعويض عن فصل العامل تعسفيا، وقد يكون سند التعويض اتفاقيا؛ وهو ما اصطلح على تسميته بالشرط الجزائي، وأخيرًا فإن التعويض قد يقرر بحكم القضاء. ويتركز مقالنا حول طبيعة التعويض القضائي والوظائف التي يضطلع بها.
فالتعويض القضائي هو ذلك الضمان الذي يقرره قاضي الموضوع وفق ضوابط يرسمها القانون، وموجبات يستند إليها، غايتها الرئيسة ضمان إعادة حال المضرور الجسدية والمعنوية والمالية إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل الضار أو الخطأ العقدي ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وقد اختلف الفقه حول وظيفة التعويض عن الضرر إلى ثلاثة اتجاهات؛ يرى الاتجاه الأول أن وظيفة التعويض وظيفة إصلاحية، في حين يرى الفريق الثاني بأن التعويض له وظيفة عقابية، بينما يذهب الاتجاه الأخير إلى أن التعويض وظيفة إرضائية.
يرى الاتجاه الأول أن وظيفة التعويض وظيفة إصلاحية ذلك لأن الهدف الأساسي للتعويض يتلخص في إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر، وذلك بمحاولة إزالة كافة الآثار المترتبة عن الضرر وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل الضار أو الخطأ العقدي، ومثالا لذلك تقوم مسؤولية المنتج أو الموزع عن الضرر الناتج عن بيع دواء مغشوش بأن يتحمل نفقات علاج المتضرر إلى أن تعود صحته إلى الحالة التي كانت عليها قبل تناول الدواء المغشوش. فهنا نلاحظ أن الوظيفة الإصلاحية للتعويض تأخذ بعين الاعتبار إصلاح الضرر الواقع بالفعل الضار دون تفرقة بين من ارتكب خطأ جسيما أو فعلا عمديا وبين من ارتكب خطأ بسيطا غير متعمد.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن وظيفة التعويض وظيفة عقابية؛ الهدف منها ردع المسؤول عن الضرر حتى لا يرتكب الفعل مرة أخرى، وخير مثال على ذلك ما كرسه القضاء الفرنسي في بعض أحكامه من توقيع عقوبة خاصة لمنع بعض الصحف أو حدها من نشر فضائح الناس؛ ففي حالة قيام صحيفة ما بنشر خبر أو معلومة غير صحيحة عن شخصية مهمة في المجتمع بهدف تحقيق شهرة أو أرباح طائلة؛ نجد القضاء في فرنسا لا يتردد في الحكم على الصحيفة بدفع مبالغ طائلة، فالحكم لا يهدف فقط إلى إعادة الحال إلى ما كانت عليه، بل إن الهدف الرئيس من التعويض هو ردع الصحيفة عن نشر معلومات زائفة بهدف تحقيق الأرباح.
وأما الاتجاه الثالث فيرى أن وظيفة التعويض وظيفة إرضائية؛ حيث إنه في بعض الحالات لا يمكن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، فعلى سبيل المثال الحزن والأسى الناتج عن فقد قريب أو الضرر الذي يصيب الشخص في شرفه لا يمكن إصلاحه بحال؛ من هنا فالتعويض لا يمحو الضرر، لكن يخففه ويُسهم ولو بشكل يسير في إرضاء المتضرر من الناحية النفسية. ويتضح هنا أن الوظيفة الإرضائية للتعويض هي وظيفة منفصلة ومستقلة عن الوظيفة العقابية والإصلاحية.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن وظيفة التعويض تختلف باختلاف نوع الضرر؛ فالتعويض عن الضرر المالي يهدف إلى الجبر الكامل للضرر سواء أكان عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر أم عن طريق التعويض المالي. بينما في حالة الضرر غير المالي أي الضرر المعنوي يكون الهدف من التعويض عقابيا أو إرضائيا أو الاثنين معا.
وفي الختام، بناء على ما تم بيانه من وظائف التعويض القضائي؛ فإن القاضي عند تقديره للتعويض يجب أن يضع نصب عينيه تلك الوظائف الثلاث فذلك مما يُسهم في الوصول إلى مقاربة التعويض الكامل عن الضرر، وينسجم مع نظرة الفكر القانوني الحديث للتعويض.