ناصر الحارثي
السؤال هو مفتاح العلم، فما دمنا نسأل فنحن نكتشف الجديد ونتقدم خطوة للأمام. وقد كان السؤال ولا يزال هو المحرك الأساسي للبشر، لذا ليس من الغرابة أن تجد عند دخول الفيسبوك أسئلة مثل ما الذي يجول في خاطرك، لأنه ما دام هناك سؤال فهناك فراغ للإجابة، لكن لماذا يُعد طرح السؤال في المجتمع إشكالية حقيقية قد تؤدي إلى العداوة بين السائل والمجيب. هذا ما نسعى إلى الإجابة عنه في هذا المقال.
نجد الطفل يطرح أسئلة كثيرة حول كل شيء يراه أمامه، وهو ما يعده التربويين نوعا من حب الاستكشاف والتعلم، وما يعده عدد من المفكرين أن الطفل فيلسوف بطبعه. يكبر الإنسان وتتغير الأسئلة على حسب الظروف التي ينشأ فيها، لذلك يرى عدد من الباحثين والمفكرين أن بيئة المجتمع العربي بيئة محجمة للأسئلة فيضطر الفرد إلى التماهي في المجتمع والتخلي عن طرح الأسئلة، وإذا قمنا بتأمل ظاهرة طرح الأسئلة في المجتمع العربي فإننا نجد الإشكالية تكمن في الطرفين: في طارح السؤال وفي مستقبله، لذا نجد أن المعلم أو الشيخ يطلب من طلابه طرح الأسئلة ويقول لهم إن السؤال أساس المعرفة ويبدأ بالإجابة عن أسئلتهم حتى تتشكل المعرفة عند طلابه بمقدار الفضاء الذي يستطيع السيطرة عليه ولكن بعد ذلك تظهر أسئلة يرى أنها تحمل طابعا من التمرد عن النهج الذي رسمه فيبدأ بمحاربة بعض الأسئلة معتقدا بذلك أنه يقوم بحماية المنهج الذي يحمله لطلابه، وهنا نجد أن المعلم والمربي يقع في مشكلة منهجية فهو يتخلى عن دوره المعرفي ويرتدي ثوبا أيدولوجيا فيصبح حامي الحمى للمنهج الذي يحمله ويتخطى حدود الرسالة أو الفكرة التي يرغب في إيصالها، فيمارس سلطة لحماية منهجه وهذا ما نجده بارزا عند عدد من المسؤولين والتربويين والأكاديميين.
ولكن لو تأملنا الجانب الآخر وهو جهة طارح السؤال نجد أن السائل يقع في خطأ منهجي وهو عائد إلى الثقافة التي تربى عليها وهي الرغبة في الحصول على إجابات قطعية مشابهة تماما للثوابت التي تربى فيها ، فينظر طالب العلم الشرعي إلى الدين من موجب حلال صرف وحرام صرف، وينتظر المواطن من المسؤول حلولا جذرية مباشرة، وينتظر الطالب من المعلم الإجابة المثالية التي لا يعتريها أي نقص، هذه الرغبة في الاحتواء وهي أشبه بمسار خطي يتسم بالحدية يجعل المسؤول في ريبة دائمة من السائل ويجعل السائل في شك مستمر في مصداقية المجيب عن السؤال، وهو ما يوجد هوة غير مستحبة عند طرح الأسئلة لذلك نرى أن كلمة مساءلة كلمة ذات طابع عدائي، فيتهم المجيب السائل بأنه لا يدرك حقيقة الأمور ويتهم السائل المجيب بأنه يمارس نوعا من التهرب عن كشف المستور لنسقط في حلقة من سوء الفهم اللامنتهية.