أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
تلقى الأخبار المتعلقة بالدعاوى التي يرفعها مسؤولون على مواطنين انتشارًا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتقد بعض الناس بأن المسؤولين بمجرد أن يرفعوا دعوى ضد أي مواطن سوف يكسبونها؛ نظرًا لمكانتهم الاجتماعية والعملية في الدولة، والحقيقة أن هذا الاعتقاد خاطئ؛ فهناك الكثير من الدعاوى التي تم رفعها من قبلهم حُفِظت، أو لم تُحكم لصالحهم، بل حُكِمت لصاحب الحق بغض النظر عما كان مسؤولا أو لا، وذلك وفقًا لمحاكمة عادلة دون تمييز بين الطرفين.
وفي هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنتطرق بالحديث عن حق التقاضي، وما ينشأ عنه من مبادئ مهمة أبرزها حق المساواة أمام القضاء.
إن حق التقاضي هو من الحقوق العامة التي شاع تسميتها بهذا الاسم في القرن الثامن عشر في فرنسا، وقد اتجه الرأي في النظام الأساسي للدولة إلى تسميتها بالحقوق والواجبات العامة وذلك إشعارا للفرد بواجبه نحو المجتمع إلى جانب شعوره بحقه.
وتقرر هذه الحقوق بصفة عامة للمواطنين والمقيمين جميعهم على حد سواء، وهي تختلف في ذلك عن الحقوق السياسية التي يتمتع بها المواطنون فقط. وقد نصت المادة (30) من النظام الأساسي للدولة على أن: “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق، وتكفل الدولة – قدر المستطاع – تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في القضايا”؛ إذًا فإن حق التقاضي هو حق الإنسان في الالتجاء إلى القضاء إذا وقع عليه اعتداء على حق من حقوقه لرد ذلك الاعتداء والانتصاف لنفسه ممن ظلمه وسلبه حقه.
هذا الحق يقوم على عدة مبادئ وأصول أهمها مبدأ المساواة أمام القضاء، ومبدأ المساواة أمام القضاء في الشريعة الإسلامية من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام القضاء في الإسلام فهي لازمة بنصوص القرآن الكريم والسنة، قال تعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا” (النساء:105). وفي آية أخرى قال تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ ٱلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعًۢا بَصِيرًا (النساء: 58).
ويعد مبدأ المساواة أمام القضاء تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون وهو أحد أهم المبادئ الدستورية التي كفلها النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٦ /٢٠٢٠ في نص المادة (٢١) التي تنص: “المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي.”. والمادة (15) بأن “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة.”
ويقصد بمبدأ المساواة أمام القضاء إقامة العدالة بين الأفراد وفقا لمبدأ المحاكمة العلنية العادلة بواسطة جهة قضائية موحدة محايدة ومستقلة لجميع المتقاضين، يتمتع أمامها دون تفرقة بينهم بجميع حقوق الدفاع أصالة أو بالوكالة، بغض النظر عن جنسهم أو أصلهم أو مركزهم الاجتماعي أو ثروتهم. كما أكد النظام الأساسي في المبادئ الاجتماعية أن العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة، ولهذا تعد المساواة أمام القضاء الأساس الأول الذي يرتكز عليه حق الإنسان في اللجوء إلى القضاء.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك العديد من النصوص في الأنظمة القضائية التي تكفل حياد القاضي ونزاهته باعتباره المظهر الملموس لمبدأ المساواة أمام القضاء، وفي ذلك نصت المادة (76) من النظام الأساسي على أن: “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وشرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم ضمان للحقوق والحريات”.
وجميع هذه المبادئ تؤكد أن جميع المواطنين لهم الحق في اللجوء للقضاء فهو حق كفلته الدساتير والمواثيق الدولية، وأن هذا الحق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمبدأ المساواة أمام القضاء، إذ لا يمكن القول بأن شخصًا صاحب سلطة أو نفوذ أو صاحب ثروة سيكسب دعوى بدون وجه حق كونه فقط يمتلك سلطة ونفوذًا؛ إذ إن هذا الأمر يتعارض قطعًا مع المبادئ الأساسية التي كفلها النظام الأساسي للدولة.