مسقط-أثير
إعداد-جميلة العبرية
تقوم بلدية مسقط بإبراز تاريخ السلطنة عبر تشييد معالم مختلفة ووضعها في أماكن بالعاصمة، وهذا ما نراه عند التجوال بالمركبة في أرجائها، فمنها ما هو معروف لدينا، ومنها ما يثير تساؤلنا.
“أثير” تساءلت هذه المرة عن السفينة التي وضعتها البلدية بمثابة معلَم في الدوار المقابل لمبنى مجلسي الدولة والشورى، وقبل فندق قصر البستان، فعندما نرى هذا المعلم نجد بأنه عبارة عن سفينة شراعية، تضم أربعة أشرعة وهيكلا مصنوعا من الخشب، وبزيارة من فريق “أثير” للمتحف الوطني اطلع على مجسم مصغر لتلك السفينة الموجودة في الدوار.
ويشير المجسم إلى السفينة صحار ذات الألواح المخيطة بعضها ببعض في مدينة صور، حيث سميت السفينة بسفينة صحار نسبة إلى ميناء صحار التاريخي، وعند جاهزيتها في (1400هـ/1980م) أبحرت السفينة من السلطنة إلى الصين متتبعة طريق الحرير البحري، والذي شكل آنذاك أطول طريق تجاري في العالم، والذي يبلغ (9600) كم، ليثبت بذلك قدرة السفن المخيطة على الإبحار من عُمان إلى الصين.
وينصب أصل السفينة اليوم وسط الدوار الذي يقع أمام فندق قصر البستان، أما المجسم المعروض بالمتحف فقد كلف صانع المجسمات أشرف بن خالد الحمداني بصناعته، ليكون نموذجًا طبق الأصل يمتلكه المتحف الوطني، كما قام الحمداني أيضًا في وقت سابق بتصميم مجسم للسفينة جوهرة مسقط، حيث صنع الاثنتين بنفس طريقة خياطة الألواح ببعضها وشدها بالإطارات.
وأشار الحمداني عندما كلف بعمل مجسم السفينة صحار إلى استمتاعه وفخره وهو يقوم بحساب القياسات المصغرة الصحيحة لكافة مكوناتها بما يتناسب والسفينة الأصلية التي تربط بين فترتين مهمتين من تاريخ عُمان البعيد منها والقريب، فصنع المجسم من خشب الكرز ويبلغ طوله 2.3 متر وسلم في العام 2012 ميلادي.
وناشد مواطنون مؤخرًا بوضع السفينة صحار في متحف خاص يحكي رحلتها التي وصفوها برحلة السندباد فغرد سعود بن سالم البلوشي بفيديو عن الرحلة كتب عليه: حفل تدشين السفينة صحار عام ١٩٨٠م في خور البطح بولاية صور العريقة، أبحرت السفينة إلى الصين ثم عادت إلى مسقط، وهي الآن في دوار فندق قصر البستان، وأنا أضم صوتي للأصوات المنادية بأهمية أن يكون لهذه السفينة متحف خاص بها يحكي رحلة السندباد هذه، وتاريخ عُمان البحري .
وكانت ندوة “السفينة صحار دلالات واستشراف” التي أقيمت في عام 2016م بمشاركة نخبة من العلماء وأساتذة التاريخ والباحثين والمتخصصين من جمهورية الصين الشعبية والسلطنة وإيرلندا واستراليا، أوصت بإنشاء موقع إلكتروني خاص برحلة السفينة يتضمن صورا ووثائق عن الرحلة وربانها وطاقمها على أن يكون باللغة العربية والإنجليزية.
كما طالب المشاركون في تلك الندوة بضرورة إنشاء قاعة خاصة برحلة السفينة صحار في أحد المتاحف العمانية، كالمتحف البحري بولاية صور، بحيث تضم القاعة كل وثائق الرحلة والمقتنيات الخاصة بها وإنتاج فيلم وثائقي يسجل بصيغة فنية محترفة تفاصيل الرحلة.
والسفينة “صحار” تم بناؤها كما النسخ المماثلة لسفن القرن التاسع الميلادي العربية التي يبلغ طولها 87 قدما أي ما يقارب (26.5 متر) وذلك خلال سبعة أشهر من ألواح خشبية ضمت مع بعضها البعض بواسطة حبال ملفوفة تتكون من قشر جوز الهند.
وانطلقت السفينة “صحار” في صباح الثالث والعشرين من نوفمبر 1980م، وعلى ظهرها عشرون بحارا معظمهم من العمانيين تحت قيادة المغامر الإيرلندي تيم سيفرن.
وواصلت السفينة “صحار” إبحارها حتى وصولها إلى ميناء قوانغتشو الصيني بعد أن قطعت 6000 ميل بحري ، ولقيت السفينة ترحيبا حارا من قبل الشعب الصيني وأقيمت مراسم ترحيب رسمية في يوم 11 يوليو من العام 1981.
وبقيت السفينة صحار بضعة أيام في قوانغتشو ثم أبحرت إلى هونغ كونغ ومن هناك عادت إلى العاصمة مسقط حيث وضعت في مكان قريب من فندق قصر البستان.
وأبحرت السفينة دون استخدام وسائل المساعدة الحديثة في الإبحار، وقد استغرقت رحلتها عاما كاملا.
ويمثل اليوم 23 نوفمبر ذكرى مرور 41 عامًا على انطلاق الرحلة التاريخية للسفينة إلى جمهورية الصين الشعبية.
