سيف بن خلفان الكندي

نائب الأمين العام المساعد للإعلام والعلاقات العامة بمجلس الشورى
تتسم العلاقات العمانية – السعودية بجذور تاريخية وثقافية وعلاقات اجتماعية ضاربة في القدم، مما أسهم في تعزيز أدوارهما الحضارية على مدى الأزمنة والعصور عبر الاستفادة من النسيج الاجتماعي والثقافي المتقارب جدا بين الشعبين الجارين التي مهدت لها أواصر المودة ووشائج القربى بين البلدين. إضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به الدولتان في المنطقة ناهيك عن الثقل الجيوسياسي لسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية في المنطقة مما أكسبهما احترام دول العالم وثقتها باقتصاد البلدين، وحتما فقد أثرت جميع تلك العوامل المتوفرة في إيجاد بيئة تشاركية متكاملة تسهم في دعم المصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين والانتقال خلال مرحلة زمنية وجيزة إلى مراحل أرحب وأشمل من المصالح الاقتصادية المشتركة. وقد انعكس ذلك إيجابا على زيادة التعاون الاقتصادي ودعم ميزان التبادل التجاري بين البلدين وفق رؤيتيهما المستقبلية “عُمان 2040” و” المملكة 2030” اللتين تسعيان إلى التنويع الاقتصادي.
وفي هذا الصدد تشير الإحصائية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بسلطنة عمان إلى أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، بلغ 960 مليون ريال عماني في عام 2020م، بينها 549 مليون ريال عماني حجم الصادرات و 411 مليون ريال عماني حجم الواردات. كما تشير الإحصائيات الى أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الثانية في قائمة مستوردي الصادرات العُمانية غير النفطية، وفي المرتبة الرابعة من حيث إعادة التصدير.
ومؤخرا تشهـد تلك العلاقة نمواً متسارعا توج ذلك في شهر يوليو من هذا العام خلال الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم _حفظه الله_ إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة _حفظه الله_، وهي أول زيارة دولة يقوم بها جلالته إلى دول المنطقة وما يمثله ذلك من اعتبارات تؤكد متانة العلاقة بين البلدين وأهمية ومكانة المملكة لدى السلطنة قيادة وشعبا، وما تلى تلك الزيارة التاريخية من نتائج إيجابية مثمرة ومشاريع مشتركة انعكست بالخير والازدهار على البلدين وأظهرت رغبة صادقة في تحقيق تطلعات وآمال الشعبين الشقيقين لمستقبل أكثر رخاء، ونماء وازدهارا.
كما أن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية إلى سلطنة عمان، أتت استكمالا لما أسفر عنه اللقاء الكريم بين صاحبي الجلالة عاهلي البلدين الشقيقين ورؤيتيهما لدعم التعاون المشترك، ومواصلة لما سيتم تنفيذه من مشاريع مشتركة وكذلك في إطار تنفيذ ذلك على أرض الواقع والتوسع في مشاريع اقتصادية واعدة.
والمعروف عن صاحب السمو الملكي ولي العهد نظرته الاقتصادية الطموحة ومبادراته الاستثمارية الاستراتيجية بما يتناسب مع متطلبات العصر واحتياجات الاقتصاد الحديث والتنمية المستدامة ورؤية سموه لأهمية التكامل والتعاون بين الأشقاء في منظومة دول مجلس التعاون بعد مرور أربعة عقود على تأسيس المجلس الذي ظل متماسكا طوال عقوده الأربعة ، حيث سعى الآباء المؤسسون له إلى استدامته لما يمثله من استقرار للمنطقة، وكذلك سعي الجيل الحالي من القيادات الحكيمة إلى تغليب لغة المصلحة المشتركة، وتوسيع المنافع الاقتصادية التكاملية بما يضمن ازدهار دوله.
وفي هذا السياق فإن الدلائل كثيرة على نمو التكامل الاقتصادي بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية الشقيقة، فخلال فترة وجيزة شهدت العلاقة نمواً مضطرداً خاصة في مجالات الاستثمار الصناعي والخدمات اللوجستية مثل الشراكة في تطوير مدينة خزائن الاقتصادية التي أسست في العام٢٠١٨ بشراكة عُمانية سعودية، والشراكة في مجال الطاقة البديلة والنظيفة عبر مشروع عبري ٢ الذي يعد أكبر محطة طاقة شمسية في سلطنة عمان، و كذلك مشروع صلالة ٢ و مشروع محطة صلالة المستقلة لتحلية المياه وغيرها من المشاريع الصناعية الحيوية المشتركة القادمة في كلا البلدين والتي من المتوقع أن يتبناها أصحاب الأعمال العمانيون والسعوديون مستقبلا في مرحلة تعزز ما يمكن أن نطلق عليه الاستثمار التكاملي المستدام.
كما عزز التعاون بين البلدين مؤخراً انطلاق الملتقى الاقتصادي العماني السعودي إضافة إلى عقد مجلس الأعمال العماني- السعودي المشترك في مسقط والذي يؤمل منه المساهمة الفاعلة في تبنى رؤى استثمارية جديدة بين البلدين الشقيقين ويعول عليه السعي الجاد من أجل زيادة حجم التجارة البينية والارتقاء بحجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والنهوض بهاإالى آفاق اقتصادية أوسع. وفي اعتقادي الشخصي وعلى الرغم من أن الأرقام الدالة إحصائيا على حجم الاستثمارات المشتركة لا تزال حتى الآن متواضعة نوعا ما وربما لا ترقى الى تطلعات وآمال الشعبين الجارين، الا أن ما تم إنجازه بين البلدين في الربع الأخير من هذا العام من توقيع مذكرات تفاهم ومشاريع مشتركة وخلال فترة وجيزة من الزمن، كل تلك المبادرات ستسهم وبشكل متسارع في زيادة حجم التبادل التجاري ودعم اقتصاد البلدين بشكل أفضل. فعلى سبيل المثال ومن ثمار تبادل الزيارات والوفود المشتركة، تم خلال اليومين الماضيين توقيع 13 مذكرة تفاهم للعمل المشترك في القطاع الاقتصادي شملت الدخول في شراكات في مجالات البتروكيماويات والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية وقطاع التعدين وقطاعات السياحة والاستزراع السمكي والأسواق المالية وتقنية المعلومات وريادة الأعمال. ويتوقع العديد من المراقبين أن تتجاوز القيمة الاستثمارية لمذكرات التفاهم الموقعة حاجز العشرة مليارات دولار أميركي. حيث تمثل تلك حصيلة جهود متواصلة من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وجهاز الاستثمار العُماني من جهة، وجهود وزارة الاستثمار السعودية مُمثَّلة ببرنامج ريادة الشركات الوطنية من جهة أخرى.
ويأمل مواطنو البلدين في إيجاد مشاريع استثمارية أخرى جديدة تسهم في إيجاد فرص عمل مستدامة لأبناء البلدين، وتسهم في النمو الاقتصادي، فما زال هناك الكثير لإنجازه من أجل زيادة تلك المؤشرات الاقتصادية الى مستويات قياسية. فعلى سبيل المثال يمكن تحقيق ذلك عبر الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لموانئ سلطنة عمان المطلة على بحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي ومن أبرزها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والتي تبلغ مساحتها الإجمالية ٢٠٠٠ كيلومتر مربع تتضمن ساحلاً بطول ٩٠ كيلو مترًا وتعد مصدر نمو أساسيا لدفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية في سلطنة عمان وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، لما تملكه من مقومات اقتصادية وتسهيلات استثمارية مغرية باتت تستقطب رؤوس الأموال من مختلف دول العالم لتشغيل مشاريع استثمارية مجدية. وكذلك في ظل وجود ميناء عالمي كميناء الدقم الذي يمتاز بمواصفات عالمية قياسية وببيئة آمنة وموقع استراتيجي يشرف على بحر عمان و لقربه من المحيط الهندي ويمكن اعتباره همزة وصل تجارية بين قارتي آسيا وأفريقيا وكذلك إمكانية المستثمرين الاستفادة من البنى الأساسية في المنطقة ومنها مشروع الحوض الجاف الذي يوفر خدماته للسفن العملاقة عبر شركة عمان للحوض الجاف والذي بات ينافس العديد من الأحواض الإقليمية والعالمية.
كما أن الدخول في مشاريع صناعية مشتركة بين أصحاب الأعمال من البلدين مطلب مهم، خاصة في مجالات صناعية واعدة مثل تصنيع المركبات الثقيلة وصناعات البتروكيماويات والصناعات التعدينية الثقيلة والصلب، وصناعات السكك الحديدية ومشاريع الطاقة النظيفة والصناعات الغذائية والدوائية والصناعات القائمة على المعرفة ودعم مشاريع الابتكار وغيرها الكثير من المبادرات التي يمكن أن تمهد كذلك لولادة مشاريع أخرى عبر إتاحة الفرص البينية لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدين بإنشاء مشاريع مساندة تساهم في إعادة تصدير المنتجات الصناعية وتسويقها الى مختلف دول الشرق الأوسط من جهة و دول القرن الأفريقي من الجهة الأخرى وصولا الى العديد من دول القارة السمراء التي تمثل أسواقا استهلاكية ضخمة في معظمها نظرا للكثافة السكانية الكبيرة التي تشهدها تلك الدول.
وفي السياق نفسه، فإن الدخول في انتقاء المشاريع المستدامة طويلة المدى، ذات الجدوى العالية للبلدين، حتما سيعزز من استدامة فرص الاستثمار وسيسهم ذلك في رفد اقتصاديات دول المنطقة بشكل عام وتوفير منتجات من الصناعات التجميعية وكذلك المواد الخام التي تحتاجها العديد من الصناعات التحويلية ومن ثم إعادة شحنها الى قارات العالم المختلفة لصالح ميزان الصادرات للدولتين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات من خارج دول المجلس.
وبعد نجاح المبادرات الاستثمارية العمانية-السعودية، فإن المطلوب في المرحلة المقبلة هو السعي لتعميم هذه الفكرة بين دول مجلس التعاون بزيادة العمل المشترك ودعمه المباشر من أصحاب القرار، وان تكون هناك رغبة صادقة من أصحاب الأعمال والمستثمرين في دول المجلس في إعادة توظيف رؤوس الأموال وزيادة وتيرة الاستثمار المتبادل والاستفادة من البيئات الآمنة التي توفرها دول المجلس بشكل عام، وتوفير المزايا والتسهيلات للمستثمرين الخليجيين، ومواصلة الدفع بالتكامل الاقتصادي قدما الى آفاق أرحب نحو مزيدٍ من الازدهار والرخاء لشعوب المنطقة.