أثير-جميلة العبرية
التوثيق المرئي للأحداث والإنسان ليس مجرد صورة عابرة بل يُعدّ وثيقة تاريخية باقية لامتدادات زمنية لاحقة، تستفيد منها الأجيال القادمة في بحوثها ودراستها لتكوّن لها رافدا معرفيا مهما حالها حال أية وسيلة أخرى من الوثائق الإنسانية، وهذا ما قدمه الفيلم القصير (آخر الباقين) الذي فاز مؤخرًا بجائزة أفضل فيلم وثائقي ضمن فعاليات مهرجان موسكو الدولي للأفلام القصيرة.
وأوضح علي بن سعيد البيماني مخرج الفيلم لـ “أثير” بأن هذا التوثيق المرئي الذي عمد هو وزملاؤه على إنتاجه بإمكاناتهم الفنية الحالية يقوم على تشكيل صورة الأفلام الوثائقية الخاصة بالإنسان العماني، ومنها حكاية قصصه للعالم والناس، ومنها يوثق الأحداث التاريخية والإنسانية ، ومنها يوثق ما مر ويمر على تربة هذا الوطن العزيز.

وأضاف: “فيلم آخر الباقين” هو باكورة مشروعنا التوثيقي، والذي منه نأمل أن يكون بداية لسلسلة مستمرة من الإنتاجات الفنية الوثائقية غير المنقطعة.
وعن فكرة الفيلم يخبرنا البيماني: يوثق الفيلم حال أقدم تجار سوق بهلا الآن، حيث يسرد فيه التجار حالهم مع التجارة سابقا والآن، ويتناول بشكل أساسي عن سر بقائهم في السوق لعقود عديدة تصل إلى ٧٠ سنة لبعضهم، فهو يؤكد مقولة غابريل غارثيا ماركيث ”السن ليس ما بلغه أحدنا ، بل ما يشعر به“

وأضاف: تأتي أهمية الفيلم العلمية بأنه سلط الضوء على وضع سوق بهلاء التقليدي في حقبته المزدهرة والآن؛ حيث تم تصوير مقاطع أرشيفية للسوق وحركة الناس فيه سابقا، في حين انعدمت هذه الحركة الآن؛ وبالتالي فقد السوق روحه، وأصبح سوقا تقليديا ومقصدا للقاء والجلوس فقط. وهذا يعكس تحولات الحياة الاجتماعية في المجتمع العماني، فبينما كانت الحياة بسيطة ويكفيها سوق مركزي واحد لكل المدينة، أصبحت متطلبات الحياة اليوم مختلفة تماما، توسعت الأسواق وتخصصت المحلات، وزادت حركة البيع والشراء، وازدهرت حياة المدينة وزاد صخبها، وأصبح السوق الذي كان بالأمس مركزيا، أصبح اليوم تقليديا، ويرتاده قلة بسيطة من الناس، وربما ارتيادهم ليس إلا ترويح عن النفس ومقابلة الأصدقاء والمعارف ويمكن أن نسميه يعكس نمط الحياة السابقة التي تتمركز دائما على الحياة الاجتماعية التشاركية وتبتعد عن الفردانية والخصوصية التي يعيشها الناس الآن.

وأشار البيماني إلى أن الفيلم ركز على قضية الاعتياد والراحة التي يستشعرها الإنسان في سنينه المتأخرة، حيث إن جميع التجار تقريبا الذين تم مقابلتهم جاوزت أعمارهم السبعين، إلا أنهم يرتادون السوق بشكل دائم، ويمتهنون المهنة ذاتها منذ عقود عديدة بدأوها، كل هذه العوامل شكلت لهم نمط حياة مستقرا وبسيطا ومريحا، بالتالي ارتضوا به كحال دائم لهم، بعيدا عن مظاهر التطوير والترف، يعيشون يومهم بسعادة بالغة وإن لم يكسبوا ريالا واحدا، لكنهم كسبوا وقتا ومكانا يعود بهم إلى نمطهم الذي اعتادوا العيش فيه، وشخوصه الذين يحملون ذات أفكارهم وتطلعاتهم البسيطة من الحياة.
وقال البيماني عن الصعوبات في عمل مثل هذا النوع من الأفلام: الأعمال الإبداعية إذا ما أردناها أن تكون بجودة عالية، فهي تحتاج أولا إلى التفرغ والوقت الكافي وهو ما نحاول جاهدين أن ندفع أنفسنا لتجاوزه كوننا مرتبطين بوظائف حكومية، وثانيا التكاليف المادية، فكل عمل يحتاج إلى مال كبير نسبيًا ولا تجد من يدعم مثل هذه الأعمال، ونحن حاولنا جاهدين لكن دون جدوى وأغلب المؤسسات توجهها قصير المدى، فسعينا إلى أن نغطي التكاليف من مالنا الخاص بالرغم من معرفتنا أنه في الأغلب لن يكون هناك عائد ومردود من الفيلم.

جديرٌ بالذكر بأن العمل ترجم إلى اللغة الإنجليزية والروسية، ويستهدف في رسالته جمهورًا مختلف الأعمار تبدأ من ١٢ عامًا وما بعدها، كما أن فريق عمل الفيلم ضم كلًا من حمد القصابي، وعلي البيماني، وعبدالرحمن التميمي في الفكرة والسيناريو، وأخرجه علي البيماني بمساعدة حمد القصابي، وعبدالرحمن التميمي كمنتج، وترجمه إلى الروسية الكاتب والمترجم أحمد الرحبي.