الأولى

“ترند لابوبو” يكشف مشكلة عالمية في الذوق والهوية والانتماء

دمية “لابوبو”

رصد - أثير

إعداد: ريما الشيخ

شهدت المنصات الاجتماعية خلال الأشهر الماضية تفاعلًا واسعًا مع دمية “لابوبو”، التي ظهرت فجأة لتتحول إلى ظاهرة بصرية لافتة، لاسيما بعد تداول صورها ومقاطع الفيديو المرتبطة بها عبر “تيك توك” و“إنستغرام“.

ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت هذه الدمية مادة استهلاكية يتسابق كثيرون لاقتنائها، لينجر خلفها عدد كبير من الأفراد في مختلف المجتمعات، بما في ذلك مجتمعنا، ضمن موجة “ترند لابوبو” التي ما تزال تتصاعد.

ورغم أن الأمر قد يبدو مجرد موجة ترفيهية عابرة، إلا أن الانتشار المتسارع لهذه الدمية يكشف أبعادًا أعمق تتعلق بثقافة الاستهلاك، وتأثير المنصات الرقمية على السلوك الاجتماعي، خصوصًا في أوساط الشباب.

كيف بدأت “لابوبو”؟

ظهرت دمية “لابوبو” لأول مرة عام 2015 ضمن سلسلة “The Monsters” التي أطلقتها شركة “بوب مارت” الصينية، من تصميم الفنان كاسينغ لونغ، وقد استُلهم شكل الدمية من الأساطير الإسكندنافية، فجاءت بمظهر يجمع بين البراءة والغموض، مع ملامح لافتة كالأذنين المدببتين، الأسنان الحادة، والعيون اللامعة، ما جعلها تتميز عن الدمى التقليدية.

الانتشار العالمي: من الصين إلى العالم

رغم بداياتها المحدودة، انفجرت شعبية “لابوبو” في أبريل 2024 بعد أن ظهرت في صورة نشرتها نجمة الكيبوب “ليسا” من فرقة “بلاك بينك”، وهي تحمل الدمية. لتبدأ موجة انتشار غير مسبوقة اجتاحت آسيا ووصلت إلى أوروبا وأميركا، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا “تيك توك”، في تعزيز هذا الانتشار، حيث ظهرت الدمية في محتويات ترفيهية وحقائب فاخرة يحملها المؤثرون، ما زاد من جاذبيتها لدى الشباب والمراهقين.

فوضى عالمية وانتقادات واسعة

مع ارتفاع الطلب على “لابوبو”، تزايدت المواقف السلبية والمخاوف في عدة دول، لتتحول الدمية من منتج ظريف إلى محور للجدل:

-في المملكة المتحدة، شهدت متاجر “بوب مارت” ازدحامًا شديدًا، تطور إلى شجارات بين المتسوقين، ما اضطر بعض الفروع إلى تعليق المبيعات مؤقتًا.

-في الصين، أعلنت السلطات عن ضبط مهربين حاولوا تهريب كميات من دمى “لابوبو” إلى الخارج، بسبب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء.

-أما في الولايات المتحدة، فقد تم تسجيل حادثة سرقة سيارة في كاليفورنيا بعد أن لاحظ اللصوص وجود ثلاث دمى “لابوبو” بداخلها.

هوس جماعي خلف ترند متقلب

الظاهرة الأبرز التي كشفتها قصة “لابوبو” هي حالة الهوس الجماعي والانجراف وراء الترندات دون تفكير، فمشاهد التجمهر أمام المتاجر، المضاربة على الأسعار، وحالات الشراء بدافع التقليد لا الحاجة، تعكس كيف يمكن لمنتج واحد –لا يملك قيمة وظيفية حقيقية – أن يتحول إلى رمز استهلاكي بسبب التأثير النفسي لوسائل التواصل.

هذا السلوك يُعرف بـ“تأثير القطيع“، حيث يتبنى الأفراد قراراتهم بناءً على ما يفعله الآخرون، مدفوعين بالخوف من التخلف عن الموضة أو الشعور بالانتماء المؤقت، وبينما لا ضرر في اقتناء دمية، فإن الهوس المبالغ فيه قد يكشف خللًا أعمق في أنماط الاستهلاك والهوية الفردية في العصر الرقمي.

الأرباح: نجاح تجاري ضخم

في خضم الجدل، حققت “لابوبو” أرباحًا قياسية لشركة “بوب مارت”. فقد تجاوزت مبيعاتها عام 2024 نحو 3 مليارات يوان صيني (ما يعادل 419 مليون دولار أمريكي)، وقد أسهمت هذه الدمية وحدها بنسبة كبيرة في الإيرادات العامة التي وصلت إلى 13.04 مليار يوان.، وفي السوق الأميركي تحديدًا، ارتفعت الأرباح بنسبة 900% لتسجّل ما يزيد عن 703 ملايين دولار.

تأثير “لابوبو”: ليست مجرد دمية أطفال

رغم أن مظهر “لابوبو” يوحي بأنها لعبة مخصصة للصغار، إلا أن واقع انتشارها يكشف العكس. فقد أصبحت الدمية رمزًا بصريًا وثقافيًا يجذب شريحة واسعة من الشباب والبالغين، خصوصًا من يتأثرون بثقافة “الترند”، أو يبحثون عن عناصر غريبة تعكس تفردهم أو تميزهم عن المألوف.

ويكمن التأثير الأبرز في:

-الجانب النفسي والرمزي: مظهر “لابوبو” الخارج عن المألوف — بأسنانها البارزة وعينيها المتسعتين — يمنحها هوية مرئية تُمكّن المراهقين من التعبير عن تمردهم أو اختلافهم، وقد تتحول لدى البعض إلى ما يشبه “التميمة” الشخصية.

-ثقافة الاستهلاك الجماعي: لم تعد اللعبة مقتصرة على غرض ترفيهي، بل دخلت في عالم الموضة، الحقائب، زينة السيارات، وحتى “محتوى الإنفلونسرز”، وهو ما يُعزز سلوك الاقتناء بدافع الانتماء لا القناعة.

-رمزية “الغرابة المحبوبة”: يتبنى بعض الشباب رموزًا ذات طابع غريب أو ساخر كنوع من بناء هوية فردية، وهنا تتحول “لابوبو” من مجرد دمية إلى أداة اجتماعية أو نفسية للتعبير.

منتج صغير، تأثير كبير

تحولت “لابوبو” من دمية مصممة لهواة الجمع إلى ظاهرة ثقافية وتجارية عالمية، وبين مؤيد لجمالها الفريد ومُنتقد لتأثيرها السلبي على السلوك الاستهلاكي، يبقى السؤال: هل نحن أمام دمية عابرة، أم منتج يعبّر عن مرحلة استهلاكية عالمية مشحونة بالرمزية والجدل؟

(مصدر صورة الموضوع : الجزيرة نت)

المصادر :

موقع “سكاي نيوز عربية”

صحيفة “The Week” البريطانية

صحيفة “The Sun” البريطانية

جريدة الصوت المصرية

اليوم السابع

Your Page Title