أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
نظرًا لموقع سلطنة عمان المهم، ودورها السياسي والإقتصادي الفاعل في المنطقة، وتشجيع حكامها وتسامحهم، فقد كانت أخبارها محل اهتمام العديد من الصحف والمجلات التي ظهرت منذ بداية القرن العشرين، حيث اهتم عدد من الصحف والمجلات العربية والأجنبية بتتبع أخبار عمان وحكامها، وأوضاعها السياسية والاقتصادية والفكرية، ولذا فإن متتبع أراشيف تلك الصحف يكاد يلاحظ عدم خلو عدد من أعداد بعض تلك الإصدارات من أخبار خاصة بعمان.
وتعد مجلة “لغة العرب” العراقية، إحدى المجلات التي اهتمت بأخبار عمان، وبالأخص خلال فترة إصدارها الأول من 1911 حتى عام 1914، وهي مجلة أدبية شهرية أصدرها الآباء الكرمليون بالعراق وتحديدًا الأب أنستاس الكرملي العالم اللغوي، في بغداد عام 1911م، توقفت عام 1914 ثم عادت للظهور من 1927 وحتى عام 1931.

وصاحب المجلة أنستاس ماري الكرملي هو رجلُ دينٍ مسيحي، وعالِمٌ لُغوي، حظِيَ بمنزلةٍ كُبرى ومكانةٍ رفيعةٍ بين علماءِ عصرِه الغربيِّين والشرقيِّين على حدٍّ سواء، في النصفِ الثاني من القرنِ التاسعَ عشَر.
وُلدَ أنستاس واسمه الحقيقي بطرس جبرائيل يوسف عواد في بغداد عامَ ١٨٦٦م لأبٍ لبنانيٍّ وأمٍّ بغدادية، وأصلُ أسرتِه من إيطاليا لكنَّهم انتقلوا منها إلى لبنان وظلُّوا بها مدةً طويلةً ثم هاجَروا إلى بغداد، حيث تلقَّى تعليمَه الأوَّليَّ في “مدرسة الآباء الكرمليين”، وتخرَّجَ فيها عامَ ١٨٨٢م، وبعدَها عُيِّنَ مُدرسًا للُّغةِ العربيةِ في المدرسةِ نفسِها. وفي عامِ ١٨٨٦م غادرَ بغدادَ إلى لبنانَ ودخلَ “كلية الآباء اليسوعيين”.
وبحسب المعلومات الواردة في موقع المعلومات المفتوحة (ويكيبيديا) فقد شغلَ الكرملي العديدَ من المَناصب؛ حيث كان عضوًا في مَجمعِ المَشرقيَّاتِ الألمانيِّ عامَ ١٩١١م، وعضوًا في المَجمعِ العلميِّ عامَ ١٩٢٠م، وعضوًا بارزًا في مَجمعِ اللغةِ العربيةِ عامَ ١٩٣٢م، كما كان عضوًا في لجنةِ التأليفِ والترجمةِ بوزارةِ المعارفِ من عامِ ١٩٤٥م إلى عامِ ١٩٤٧م، واختيرَ عضوًا في المَجمعِ العِلميِّ العِراقي حتى وفاته في عام ١٩٤٧م.
أخبار عمان في مجلة لغة العرب
من يطالع أعداد مجلة “لغة العرب” يلاحظ كثرة الأخبار المتعلقة بعمان وتنوعها، وسنحاول اختيار بعض من تلك الأخبار، ففي الجزء الخامس من السنة الثانية عدد نوفمبر 1912 نطالع خبرًا عن إرسال إنجلترا باخرة على متنها وفد مهمته إقناع حكام عمان بنشر العلم الإنكليزي صدًا لغارة إيطالية فجائية، وأبى الرؤساء ذلك مبدين استعدادهم للتصدي تجاه أي هجوم مفاجئ. ويشير الخبر إلى أن الوفد رجع خائبًا في مسعاه.

وفي الجزء السادس من السنة الثانية عدد ديسمبر 1912 تورد المجلة خبرًا عن وصول أسطول إنجليزي مكون من 17 سفينة إلى ميناء مسقط، كما أن هناك إشارة إلى نشاط تجارة الأسلحة في مسقط ودور فرنسا في ذلك.

ويحمل الجزء السابع من السنة الثانية، عدد يناير 1913 خبرًا منقولًا من جريدة “الدستور” التي كانت تصدر في البصرة يفيد بأن البوارج الحربية الانكليزية في خليج فارس “الخليج العربي” بلغت 50 بين كبيرة وصغيرة، وأنه ينتظر وصول أسطول فرنسي إلى مسقط لحسم الخلاف الواقع بين حكومة مسقط وبين رعايا فرنسا فيما يخص تجارة الأسلحة.
وفي الجزء العاشر من السنة الثانية، عدد أبريل 1913 هناك خبران أحدهما يتعلق بإنشاء جمعية في مسقط تدعى “الاتفاق”، غايتها تنوير الأفكار وترقي المسلمين متجنبة كل ما يتنافى مع سياسة سلطنة عمان.

أما الخبر الآخر فيتعلق بوجود أنباء عن قدوم أمير الأسطول الهندي والسير بيرتي كوكس للنظر في دعوى بيع الأسلحة التي وقع الاختلاف فيها بين رعايا فرنسا وحكومة مسقط.

وفي الجزء 11 من السنة الثانية، عدد مايو 1913 تورد المجلة خبرًا منقولًا عن جريدة “الدستور” البصرية، مفاده أن سفينة شراعية أبحرت من مسقط وفيها أسلحة نارية، وأن باخرة حربية بريطانية اقتفت أثرها وأطلقت عليها زورقًا بخاريًا مزودا بمدفعين تمكن من أسر أصحاب السفينة، ثم قام الأسرى وكانوا قد خبأوا مسدساتهم تحت ثيابهم بمباغتة أصحاب الزورق وإطلاق الرصاص عليهم مما أدى إلى مقتل بعضهم وإغراق الزورق بما فيه والهروب.
وقد أعلن القنصل الانجليزي في الكويت مكافأة قيمتها (2000) روبية لمن يدلي بمعلومات حول أصحاب السفينة ومكانهم.

أما في الجزء الثاني من السنة الثالثة، عدد أغسطس 1913 فهناك خبر مصدره جريدة (الدستور) الصادرة في البصرة حول قيام إمامة سالم بن راشد الخروصي، ودور الشيخ نور الدين السالمي في قيام تلك الإمامة، وتداعيات الوضع في نزوى بعد تغير الوضع السياسي، وكذلك ردة فعل السلطان فيصل بن تركي تجاه ما حدث.

ونقرأ في الجزء الرابع من السنة الثالثة عدد ديسمبر1913 تقريرًا موسعًا حول قيام الإمامة في عمان عام 1913 على يد الإمام سالم بن راشد الخروصي، والمواجهات التي حصلت بين جيش الإمامة وجيش السلطنة، وما تلى ذلك من أحداث كبيرة غطتها الجريدة على أكثر من صفحة، في إشارة إلى اهتمامها بالخبر.

أما في الجزء السابع من السنة الثالثة، عدد يناير 1914 فهناك خبر يدور في إطار تداعيات قيام الإمامة، حيث يشير إلى وفود عدد من شيوخ القبائل وبعضهم من المناصرين للإمامة، وكذلك عدد من رؤساء بلاد عمان على السلطان تيمور وهو أمر تراه الجريدة دليلًا على تحسن الأوضاع السياسية.
كما يشير الخبر إلى أن السلطان أرسل أخاه السيد نادر بن فيصل إلى صحار ” لينشر لواء العدل بين الرعية ويضرب على يد الظالم، فأفلح أعظم الفلاح”.
” لينشر لواء العدل بين الرعية ويضرب على يد الظالم، فأفلح أعظم الفلاح”.

وفي الجزء الثامن من السنة الثالثة، عدد فبراير 1914 هناك خبر عن نفي علي موسى خان، وهو أحد كبار تجار السلاح في عمان في النصف الأول من القرن العشرين، وصاحب “مسافر خانه”، ومسجد علي موسى بمسقط.
ويشير الخبر إلى أن علي موسى خان نفي بأمر حاكمها وأرسل مخفورًا مع 17 جنديًا من عساكر الهند يقوده ضابط لإيصاله إلى البصرة، وتعتقد المجلة أن سبب نفيه هو خوف الانجليز من سطوته ونفوذه لأنه من مخالفي سياستها، وتذهب في الخبر إلى أن علي خان سافر إلى المدينة.
ويبدو أن سبب نفي الانجليز لعلي موسى خان هو دعمه للثورة الأفغانية تجاه الانجليز من خلال إمداد الثوار بالسلاح، كما يشير أحد التقارير الانجليزية إلى أن علي موسى خان كان قد باع على قبيلة “بني بو علي” كمية من السلاح دون إذن السلطان.
وفي خبرٍ آخر في العدد نفسه نقرأ عن خبر القبض على أحد الموظفين الإداريين ويدعى “عبد الكريم” كان مديرًا للجمارك وأنه سيرسل مع زوجته إلى الهند دون معرفة السبب الحقيقي للقبض عليه.

أما في الجزء التاسع من السنة الثالثة، عدد مارس 1914 فهناك خبر عن المناوشات المتواصلة بين جيشي السلطان والإمام، فتشير الجريدة إلى انتكاث حبل الصلح بين السلطان والثوار، لأن السلطان طلب منهم إخلاء وادي سمائل فأبوا، ولذا عاد الخلاف مرةً أخرى.
وتذهب المجلة في تحليلها إلى أنه ربما تكون هناك يد غريبة تضرم النار بين الطرفين، ولعل المقصود بذلك هم الانجليز!

وتتابع المجلة تناول الأوضاع السياسية في عمان والخلاف بين السلطنة والإمامة، في الجزء 12 من السنة الثالثة، عدد يونيو 1914، حيث أشارت إلى بعض الأخبار المتعلقة بذلك ومن بينها: سيطرة قوات الإمامة على مدينة نخل، وتوجه السلطان تيمور وأخيه السيد نادر إلى بركاء، وشجاعة السيد نادر في مواجهة جيش الإمامة.
ويشير الخبر إلى وجود بارجة انجليزية راسية على ميناء بركاء قامت بإطلاق وابل من القذائف على قوات الإمامة، وكانت تساعدها في ذلك الباخرة السلطانية “نور البحر”.

وفي عدد ديسمبر 1926 نطالع خبرين، أحدهما وهو من إعداد الصحفي النجدي المستقر في العراق سليمان الدخيل صاحب جريدة الرياض، يتناول انقسام القبائل العمانية إلى قسم موالٍ للسلطان، وآخر موالٍ للإمام، كما يذكر أبرز تلك القبائل وميولها السياسية (هناوي، غافري)، وموقفها من الأحداث الدائرة، كما استخدم صاحب الخبر مفردات نحوية لمحاولة إبراز النطق الصحيح لأسماء تلك القبائل.

وفي العدد هناك خبر آخر قصير يشير إلى خلود القبائل إلى الراحة وعودة الأمن إلى نصابه بعد وفاة السلطان فيصل، ولذا عاد الإمام الجديد إلى دياره وخمدت نار الفتنة.
ويبدو أن هذا الخبر قديم، فوفاة السلطان فيصل كانت عام 1913، بينما تاريخ هذا العدد يعود إلى ديسمبر 1926!

المرجع
- مجلة لغة العرب. الأب أنستاس الكرملي, المجلدات 1-7، تاريخ الإصدار 1911 إلى 1931, العراق.
مجلة لغة العرب