كيف تسهم الجامعات في تنمية المحافظات؟

كيف تسهم الجامعات في تنمية المحافظات؟
كيف تسهم الجامعات في تنمية المحافظات؟ كيف تسهم الجامعات في تنمية المحافظات؟

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

يَفترض تناولنا للموضوع دورا محوريا للتعليم العالي ومؤسساته في تحقيق أولويات رؤية عمان 2040 ، وتقديم نموذج متكامل في التعاطي مع التوجهات الوطنية في الإدارة المحلية واللامركزية للمحافظات، كما يأتي تسليط الضوء إلى دور الجامعات والكليات الجامعية المنتشرة في محافظات السلطنة المختلفة وما تحتضنه هذه الجامعات من مراكز بحثية ومعاهد مهنية وأكاديميات متخصصة في العديد من المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، انطلاقا من وظيفتها المتمثلة في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع وتوفير الأطر والاستراتيجيات العلمية المجربة والرصينة الداعمة للتطوير ، في ظل ما تحتضنه من كفاءات علمية عالمية متخصصة ، وما تضمه من تخصصات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتشريعية والتنموية والتقنية والطبية والصحية والغذائية واللوجستية وغيرها والتي تمثل قوة استراتيجية داعمة للمحافظات في إدارة موارها والاستثمار في مكوناتها.

لذلك لم يعد طرح هذه الشراكة الاستراتيجية التي تقدمها الجامعات والكليات الجامعية التخصصية ومراكز البحث العلمي بشكل خاص ترفا فكريا، بقدر ما هو استجابة فعلية لطبيعة المرحلة، والغايات التنموية التي حملها المرسوم السلطاني رقم (101/ 2020) بشأن نظام المحافظات والشؤون البلدية، بما يضمن مزيد من الانسجام والتناغم بين مكونات المنظومة التعليمية في تعزيز قدرة المحافظات على الاستفادة من كل الفرص المتاحة، ذلك أن دخول الجامعات في خط التطوير والإنتاج، وتفعيل دورها في الممارسة المبتكرة عبر تنمية المحافظات سوف يسهم في بناء نموذج وطني كفؤ وفاعل في الإدارة المحلية وترسيخ أسس ومعالم اللامركزية – والذي ما زالت المحافظات حديثة عهد به- وهي بذلك في حاجة إلى دور الجامعات في توفير المفاهيم والاطر والاستراتيجيات والنظريات والأفكار والمعلومات وإعادة انتاجها بما يتوافق مع السياسة الوطنية في الإدارة المحلية واللامركزية في إدارة شؤون المحافظات.

هذا الأمر من شأنه أيضا الوقوف على حجم التحولات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية التي شهدتها محافظات السلطنة، وقراءة وتحليل انعكاساتها على نمط العمل القادم واستراتيجيات التطوير الموجهة، لما يمكن أن تسهم به في تقديم دراسات عملية محكمة حول التحولات الحاصلة في المحافظات وقراءة معمقة لأثرها في تعزيز الإدارة المحلية وتفعيل الأطر والاستراتيجيات الضامنة لصناعة التغيير في ثقافة العمل بالمحافظة، كما أن الابعاد المستقبلية المرتبطة بهذه الدراسات العلمية والبحوث العملياتية لواقع المحافظات والخصوصية الثقافية والاستثمارية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية فيها، سوف توفر معلومات قيمة واحصائيات دقيقة تساعد على تقييم الفرص والتعرف على الميزات المشتركة بينها وخصوصية كل محافظة، الأمر الذي سيمهد لفهم أعمق لطبيعة المشروعات الاقتصادية والاستثمارية وبرامج العمل الاجتماعي التي تحتاجها المحافظات والظروف التي تعمل فيها، والمعيقات والتحديات التي قد تعرقل سير التنمية في المحافظات من واقع الدراسات التتبعية والاستشرافية والمسوحات واستطلاعات الرأي التي تمثل أدوات أساسية للبحث العلمي الذي تمارسه الجامعات من واقع اختصاصاتها، الامر الذي يسهم بدوره في إعطاء صورة أكثر وضوحا في فهم القيم الاجتماعية ودورها في التطوير، والظروف الاقتصادية والفئات الأخرى في المجتمع ( المعسرة، وذوي الدخل المحدود، وفئات الضمان الاجتماعي) والظروف المعيشية وأنماط الحياة اليومية للسكان ، والملاءة المالية لديهم للوصول إلى رسم مسارات أكثر ارتباطا بالواقع وتفاعلا مع سكان المحافظات وتجاوبا مع طبيع الاحتياج لديهم .

وعليه فإن هذه الصورة الشمولية في قراءة واقع عمل المحافظات فرصة لتقديم نموذج عملي في الإدارة المحلية واللامركزية يتفاعل مع متطلبات نجاح المحافظات في تنفيذ جملة الاختصاصات والصلاحيات الجديدة التي لم تعهد ممارستها من قبل، بما يصنع من الجامعات محطة لتبني برنامج متكامل وشامل في المحافظات، سواء من خلال تعزيز برامج التأهيل والتدريب التي تقدمها ، والاستفادة من بعض التجارب والخبرات والنماذج الدولية في هذا الشأن، في ظل ما تطرحه النظريات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية من موجهات تدعم هذا التوجه، وما يرتبط بعملها القادم من الوقوف على واقع المحافظات والفرص الاستثمارية فيها وتحليل للبيئات الداخلية والخارجية واستطلاعات راي ومسوحات وزيارات ميدانية ومتابعات مستمرة مع ذوي الاختصاص في انتاج هذا النموذج ، بحيث يسهم النموذج في تعزيز التشاركية ورفع سقف التوقعات لدى المحافظات، وتحديد دور مختلف فئات المجتمع في تحقيق رؤية العمل ، آخذة في الاعتبار خصوصية كل محافظة والجوانب التي تتميز بها عن غيرها، والمشتركات البينية التي تجمعها ، والفرص القادمة التي تحققها، والمدى الزمني لتحقيقها، والمتطلبات المالية والبشرية التي تحتاجها، ونوعية الكفاءات والخبرات والتجارب التي تتميز بها، ثم الممكنات البشرية والتخصصات الموجهة بالمحافظات.

وتبقى شراكة الجامعات ومراكز البحث العلمي في استلهام الصورة المتكاملة لطبيعة التحول المأمول في فقه المحافظات وآليات عملها ، قيمة مضافة تتيح لها حضورا نوعيا في الواقع ، وبصمة حضور واضحة المعالم في دعم المحافظات وتمكينها في فهم طبيعة التحول وآليات العمل من واقع الاختصاصات ، الأمر الذي ستقوم خلاله الجامعات بدور فاعل في إيجاد مساحة علمية عملية تواصلية وتظاهرة ثقافية يتم خلالها التنسيق مع المحافظين في تنفيذ لقاءات وندوات وفعاليات تستقطب لها مختلف شرائح المجتمع من مفكرين ومثقفين ورجال اعمال ورواد ورائدات الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرهم من ذوي الاختصاص للخلوص إلى نموذج هيكلي واضح الإدارة المحلية واللامركزية الذي يتناسب مع سلطنة عمان .
أخيرا فإن الوصول إلى هذا الطموح بحاجة إلى المزيد من الجدية في التفكير والابتكارية في فهم معطيات التحول، وتوفير الأطر والنماذج التي تدعم قدرة المحافظات على التكيف مع معطيات الواقع الجديد وفهم الإجراءات القادمة، وما يعنيه ذلك من أن تشهد الفترة القادمة حراكا استثنائيا للجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي المتخصصة الأخرى مجتمعة بلا استثناء في تقديم نموذج في الإدارة المحلية الذي يتناسب وخصوصية السلطنة، والسياسة العليا للدولة، ويجسّد والرؤية السامية لجلالة السلطان وتوجيهات جلالة السلطان المعظم للمحافظين في لقاءاته مع شيوخ المحافظات وجملة المفاهيم والعناوين والتفاصيل والمحددات والموجهات وأجندة العمل المختلفة التي جاد بها عاطر النطق السامي لجلالة السلطان، إذ من المتوقع أن تشكل هذه المعطيات بيئة خصبة لترسيخ عرى هذه الشراكة ومد جسور التعاون، مستفيدة من الفرص والمعطيات السابقة الذكر، مصدر قوة للبناء عليها وتحليل بيئاتها التنافسية والنموذج الأفضل الذي تطبقه والآليات التي تستخدمها، والأطر والاستراتيجيات التي تعتمد عليها، والمداخل التي تنتهجها في تطبيق السياسة الوطنية القائمة على توسيع قاعدة الشراكة واللامركزية في القرار التنموي للمحافظات .


Your Page Title