ما هو “دهر القنطرول” الذي نسمعه من الآباء بين حين وآخر؟

ما هو “دهر القنطرول” الذي نسمعه من الآباء بين حين وآخر؟
ما هو “دهر القنطرول” الذي نسمعه من الآباء بين حين وآخر؟ ما هو “دهر القنطرول” الذي نسمعه من الآباء بين حين وآخر؟

مسقط-أثير
محمد بن علي الوهيبي- كاتب عماني


ذكرتني الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الجيوسياسية على عالمنا وزماننا هذا بمقولة الآباء عن أيامهم الصعبة والشاقة : (انتوا ما شفتوا ولا عشتوا دهر القنطرول).

ويقصد بهذا الدهر فترات الحرب العالمية الأولى، وما بعدها، والكساد العالمي العظيم حيث تأثرت الكثير من البلدان بهذه الأحداث وانعكس على الاقتصادات نتيجة عدم وصول السفن المحملة بالمؤن الغذائية، وغيرها من المواد اللازمة للمعيشة، ولمحاولة تجاوز تلك الظروف قامت حكومة السلطنة في تلك الأحوال بتنظيم وتقنين المواد الغذائية الواردة من الخارج، وكان ذلك يتم عن طريق صرف بطاقات تموينية للمواطنين، وعرفها الجميع في ذلك الوقت بمسمى دهر القنطرول (الكنترول:control من التحكم والسيطرة) وربما جاء تحويل حرف الكاف إلى الطاء كما ينطقها أهل المغرب العربي نظرًا لوجود سليمان باشا الباروني الثائر والمجاهد الليبي الذي استقر به المقام في بلادنا في تلك الفترات، واستعان به السلطان سعيد بن تيمور في إدارة وتنظيم هذا( القنطرول) وهو ما يعني تحديد حصة معينة لكل فرد من المواد الغذائية المتوافرة.

والدهر كما يعّرف :”زمان قصُر أو طال وقيل أيضًا بأنه الزَّمان الطَّويل” وكلنا يحدونا الأمل بأن لا يطول دهر هذه الحرب المشتعلة الآن بين روسيا وأوكرانيا لأننا لا نملك صبر وجَلد الآباء والأجداد.
بالرغم من أننا الجيل الذي تشكل وعيه بالحروب بداية من حرب 1973 بين العرب والكيان الصهيوني المحتل، وبعد ذلك شهدنا وقوع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وبعدها وفي 1990 آلمنا وأحزننا غزو العراق للكويت، ثم شهدنا حصار العراق الذي استمر حتى عام 2003، بعد ذلك سقطت بغداد وانهار العراق العظيم، وعشنا الربيع العربي بأحلامه وآماله وتطلعاته الكبرى، ثم جاءت تداعيات انخفاض أسعار النفط، وبعدها خيمت على العالم وتسلطت عليه الداهية الدهياء جائحة كورونا وما خلفته من آثار وعواقب جسيمة شعر بها الجميع، وهذه الأيام نعيش زمن بدايات الحرب الروسية الأوكرانية ولا أحد يمكنه الجزم بنهاياتها وتداعياتها ولا يُعرف إلى أي البلدان ستصل، ومن سيتأثر بها أكثر من غيرها، لكن كل المؤشرات تدل على أننا كبلدان عربية سنكون أكثر المتضررين منها، وذلك لأننا لم نحسن الاستفادة من كل الدروس والتجارب والصعوبات التي مرت بنا فلم نهتم بالزراعة، ولم نهتم بصناعة الغذاء ولا الصناعات الأخرى، والأهم من كل هذا وذاك أننا لم نشتغل جيدًا على صناعة الإنسان، ولم نهتم بالتعليم الذي سيمنحنا العقول المفكرة التي تجعل من المستحيل ممكنًا وتجعلنا نعتمد على قدراتنا البشرية.
في الوقت الذي نهضت فيه اليابان بعد الكوارث العظيمة التي مرت بها، وانشغلت بتنمية واستثمار مواردها البشرية بعدما جعلت التعليم على رأس أولوياتها لينتج العقل الياباني التكنولوجيا الحديثة التي تصدرها للعالم وهي الدولة التي لا تملك الموارد الطبيعية والإمكانات اللازمة والمتوافرة في بلداننا، وبينما انشغلنا وغرقنا نحن في أحلام اليقظة وصناعة الوهم استوعبت اليابان الدرس جيدًا حينما آمنت بقدرات شعبها ومكنتهم بالعلم النافع وتحولت إلى ثالث أقوى اقتصاد في العالم.
وبالتأكيد أن العقل الياباني ليس أفضل من العقل العربي إنما يكمن الفرق في من يدير الطاقات البشرية ويمكّنها ويمنحها القدرات والأدوات اللازمة لتخرج أفضل ما لديها وتثبت أنها أمة فاعلة وأمة جديرة بالحياة.



الآن وبمتابعة الأخبار المتلاحقة نلحظ أن بعض الدول المنتجة والمصنّعة للغذاء بدأت بحظر تصدير القمح وطائفة من المنتجات وذلك لحماية أمنها الغذائي من الخطر؛ فماذا نحن فاعلون لمواجهة كل هذه الاحتمالات والتداعيات ؟!!.

ومن المناسب أن أختم هذه السطور بما قاله الاقتصادي الأمريكي”بول كروغمان” أستاذ الاقتصاد والشؤون الدولية والحاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2008 عن إسهاماته في النظرية التجارية الجديدة والجغرافيا الاقتصادية الجديدة وتفسيره سبب هيمنة بعض الدول على التجارة العالمية : “إن أول مسالك العلاج الناجع للأزمات الاقتصادية الراهنة، ومنها مشكلة البطالة، إنما يتمثل في مواصلة مسيرة النمو الاقتصادي بعيدا عن دعوات التقشف أو الانكماش التي قد تكون في ظاهرها مفيدة في الحد من الإهدار أو الإسراف ولكنها في جوهرها تشكل آفة تؤدي للمزيد من تضييق فرص العمل وإغلاق أبواب الرزق أمام الألوف إن لم يكن الملايين من جموع العاملين”.

Your Page Title