زاوية تربوية

دور المعلمين المصريين في نهضة التعليم بسلطنة عمان

دور المعلمين المصريين في نهضة التعليم بسلطنة عمان
دور المعلمين المصريين في نهضة التعليم بسلطنة عمان دور المعلمين المصريين في نهضة التعليم بسلطنة عمان

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

يشكل موضوع طرحنا حول دور الأساتذة المعلمين المصريين في نهضة التعليم في سلطنة عمان جزءا من منظومة علاقات تربوية تعليمية ثقافية، متكاملة الحلقات متناغمة الأطر متعددة الاتجاهات متنوعة الفرص لها أبعادها التاريخية وجذورها الممتدة بامتداد العلاقات العمانية المصرية والتي تعمقت لآلاف السنين، وشكل الجانب الفكري والمعرفي والتعليمي والثقافي جزءا أصيلا من هذه العلاقة، ومع ذلك فإن الحديث عن هذا الموضوع الذي يأتي تزامنا مع زيارة فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لسلطنة عمان ولقائه بحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، يمثل امتدادا لهذا الشعور العماني بما قدمته مصر في مسيرة العمل العربي المشترك، وحس التقدير والاحترام الذي يكنه أبناء عمان لمصر الكنانة وما قدمته الوفود التعليمية والتربوية المصرية، من معلمين وإدارات المدارس وغيرهم من المنتسبين للسلك التعليمي والأكاديمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة من حضور ومواقف وتركوه من بصمة ما تزال تتحدث عن نفسها، وتعكس تلك الحميمية التعليمية، والتقدير الذي يحظى به المعلم المصري لدى العمانيين وهو تقدير نابع من الاعتراف بشرف العلم والمعرفة والاعتزاز بحملة العلم ورسل الحضارة وهم المعلمون الذين كان لهم إسهامهم الكبير في تعزيز وتوطيد هذه العلاقات والارتقاء بها في مختلف الأصعدة.
على أن الحضور الأكبر لهذا الدور للمعلمين المصريين في نهضة التعليم في سلطنة عمان ظهر بشكل أكبر في سبعينيات القرن الماضي، فالشرارة الأولى التي أطلقها باني نهضة عمان الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه “سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر” رسمت استحقاقات البناء والتطوير في عمان والتي كانت بحاجة إلى أن تنهض مما كانت عليه من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة وهو ما كان يتعطش له العمانيون لتبدأ مسيرة النهضة المباركة بنشر التعليم في كل رقعة من أرض عمان، وكان تحقيق هذ الحلم وجعله حقيقة واقعة لأبناء عمان بفتح المدارس لهم بحاجة إلى المعلمين قبل مرافق التعليم والتي ظلت فترة من الزمن تحت سعف النخيل والمواد المنقولة غير الثابتة، مرافق العلم حضورها في عملية بناء الإنسان العماني ولأن الشغل الشاغل للقيادة المستنيرة هو كيف يروي ضمأ العمانيين وتعطشهم للعلم والمعرفة ورغبتهم فيه، لذلك اتجهت رؤية القيادة إلى العديد من الدول العربية للتعاقد مع المعلمين، ولأن مصر كان لها حضورها في هذا المسار ، وموقها الذي حظي بالمزيد من التقدير، لذلك كان للمعلمين المصريين حضور وبصمة مع غيرهم من الأشقاء من الدول العربية الأخرى ليضع الجميع بصمته في نهضة التعليم في عمان، وأسهم التربويون المصريون بدور كبير في نهضة التعليم بما فيهم من معلمين أو نظار ومديري المدارس والمشرفين مرحلة في البناء والتطوير صنعت الفارق ، وعززت من روح التغيير وأسهمت في بناء عمان الحضارة والتأريخ
وأسهم المعلمون المصريون بدور فاعل في نشر التعليم في عمان وقاموا بالمهمة خير قيام يقودهم في ذلك الحس والانتماء العربي، والإيمان الصادق بما قدمته عمان في مسيرة العمل العربي منذ ميلاد نهضتها في الثالث والعشرين من يوليو وأفصحت عنه المواقف البطولية التي جسدها العمانيون في الدفاع عن مصر الحرة الأبية وحقها، فلقد أبلى المعلمون المصريون حسنا، وأدوا دورهم على أكمل وجه، وأعطوا نموذجا عمليا للمعلم المجتهد والإنسان المخلص، الذي قدم إلى عمان وهو يحمل شعاع العلم ونوره ونهضته وبصيرته، خالطوا أبناء عمان، فتعلموا منهم، وعرفوا مما لديهم من فضل المعرفة والعلم ما أسس في أبناء وطني روح التغيير وأنتج فيهم قيم الإنجاز.
على أن ما عزز هذه الروح التواصلية بين المعلمين المصريين وأبناء عمان في الحواضر والبوادي والمدن والقرى، هو تلك الروح العالية التي حملها المعلم المصري في رغبة العطاء بلا حدود والعمل والإنجاز بلا توقف، الأمر الذي أسس في أبناء عمان هذه الصورة النموذجية والعطاء المتدفق، ولم تعد هذه العلاقة بين المعلمين المصريين وأبناء تلك المناطق التي يقومون بالتدريس فيها علاقة رسمية مجردة مرتبطة بوقت العمل فحسب وينتهي دور المعلم فيها بنهاية اليوم الدراسي، بقدر ما هي علاقة تعليمية متصلة خارج المدرسة أعطت الأهالي وكبار السن في تلك الفترة حب الاطلاع والتعلم والاستفادة من خبرات المعلمين، وهي تعبر في الوقت نفسه عن روابط الاخوة الإنسانية والدين واللغة والتاريخ المشترك والمصير الواحد والقضية الواحدة، ليجد المعلم المصري كغيره من المعلمين الوافدين في سلطنة عمان أنه بين أهله وإخوانه



لقد انعكست هذه الروح الإيجابية التفاؤلية على مسار العمل، فرغم التحديات التي كانت تواجهها المدارس والبدايات الصعبة لها وصعوبة التنقل ووعورة الطريق وغيرها من الظروف المرتبطة بالتعليم ووسائله في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، إلا أن صدق الحميمية التعليمية التي حملها المعلم المصري وسمة الإخلاص والاجتهاد والجد في انجاز المهمة وتحقيق هدف التعليم ونموذج العلاقة التعليمية المستديمة المتفاعلة التي التزمها مع الطلبة وأولياء الأمور، محطة قوة أنتجت فرص نجاح للتعليم، وأسهمت في إيجاد بيئات تعليمية نموذجية في حينها، وأصبحت المدارس ومعاهد التعليم آنذاك رغم قلة الإمكانيات المادية، بيئات تعليم وتعلم جاذبة ضمنت الكثير من الأنشطة والفعاليات والبرامج والمعامل وورش العمل التي صنعت من المدارس بيئات منتجة وفرص نجاح ومراكز اشعاع للمحيط الخارجي الذي وجدت فيه.
لم يقتصر دور المعلمين المصريين على تلك الفترة بل امتدت إلى يومنا هذا ورغم أنه حصل بعض التراجع في أعداد المعلمين المصريين في السنوات الماضية نتيجة دخول المعلمين العمانيين في الميدان التعليمي، وزيادة مخرجات التعليم في التخصصات التربوية من العمانيين للعمل في المدارس إلا أن وجود المعلمين المصريين ما زال حاضرا ويشكل رقما في منظومة التعليم بالسلطنة، حيث تشير إحصائيات وزارة التربية والتعليم إلى أن عدد المعلمين الوافدين بالسلطنة، والذي يمثل المعلمون المصريون النسبة ألأكبر منه ما زال يمثل رقما مهما في المعادلة التعليمية وحضورا نوعيا خاصة في تخصصات المهارات الفردية ، حيث يبلغ عدد المعلمين الوافدين لعام 2020/ 2021 (8651) معلما ومعلمه في المدارس الحكومية، وتبلع نسبتهم في المدارس الخاصة (5096) معلما ومعلمة ، ناهيك عن الإداريين والأساتذة والاكاديميين في جامعة السلطان قابوس وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية ومؤسسات التعليم العالي الخاصة بما فيها من جامعات وكليات ومعاهد .
أخيرا فإن العلاقة الإستراتيجية التواصلية بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية والتي لها جذورها التاريخية العميقة منذ آلاف السنين وشكلت الحركة العلمية والثقافية بين عمان ومصر في مراحل متقدمة امتداد لجسور التواصل العلمي بين عمان ومصر وبشكل خاص الأزهر الشريف، قيمة مضافة تضيف إلى ما قدمه المعلمون المصريون في سبيل بناء نهضة التعليم في عمان فصولا أخرى عززت من عمق هذا الترابط، ومنحته فرصا أكبر للاستدامة والتنوع، فما أعظم هذه العلاقة عندما تروى بنور العلم وتؤسس على سبيل من النهج، وأي نهج أعظم من أن يكون التعليم هو خيط التواصل وجسر العبور وملحة الوفاء التي أطرت لهذه العلاقة واصلت لها وفتحت لها أرحب الآفاق لتتجه إلى المجالات الاقتصادية والاستثمارية والبحثية والصناعية والخدمية، فلقد جمعت المدارس والجامعات الكل على عهد التطوير وكلمة الوفاق من أجل الصالح العربي المشترك، وفتحت لها أرحب الآفاق ومنحتها مزيد الفرص لتظل العلاقة العمانية المصرية ممتدة في أعماق التاريخ، ومسيرة التعاون والتكامل حاضرة تغذيها مزون الفكر واصول الحكمة للقيادتين الحكيمتين ، امتدادا للنهج الذي رسمه المغفور له بإذن الله تعالي قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، والعلاقة الشخصية الوطيدة التي كانت تربطه بمصر ورؤسائها على مختلف الفترات السابقة، وهي اليوم تتبوأ مكانتها وترتشف الثريا في إشراقتها وقوتها وشموخها وسموقها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، لتبقى مصر وعمان على الوفاق الدائم، وستظل مصر الكنانة العظيمة حاضنة العرب، وحاضرة الوفاق العربي، ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ.


Your Page Title