خاص— مكتب أثير في القاهرة
إعداد: عادل أبو طالب
وصف معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، وزير الخارجية العلاقات المصرية – العمانية بأنها نموذج للعلاقات العربية – العربية.
وقال في حديث لرئيس تحرير مجلة«الأهرام العربي» إن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – يرى في الرئيس عبد الفتاح السيسي، أخا وصديقا وشريكا قويا، ليس على المستوى الثنائي فحسب، إنما أيضا في الإطار العربي الأوسع والدولي، لافتا النظر إلى أنه لا يوجد أدنى شك فى التزام سلطنة عمان بالعمل العربي المشترك، متمنيا أن يكون لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة منتصف الشهر المقبل، تأثير إيجابي ونتائج مثمرة على العلاقات العربية – الأمريكية، وشدد على أن حل القضية الفلسطينية يكمن في مقايضة الأرض مقابل السلام، وتنفيذ المبادرة العربية وقيام الدولة الفلسطينية، ورحب معالي وزير الخارجية بالقطاع الخاص المصري، من أجل تطوير مشاريع جديدة وتعزيز التجارة بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري المشترك.
وفيما يلي نص الحوار في الصحيفة المصرية.
■ معالى الوزير.. تتسم الدبلوماسية العمانية، بقدرتها على التواصل مع الجميع سواء فى المنطقة أم خارجها، كيف يمكن جنى ثمار هذه الرؤية والفلسفة التى تتميز بها دبلوماسية سلطنة عمان؟
**إذا كانت الدبلوماسية تهدف إلى إيجاد الحلول بالطرق السلمية، فإن أهم طريق سلمى علينا أن نسلكه، هو طريق الحوار الذى يمكن أن يستفيد منه الجميع. لذلك علينا أن نتمسك بهذا المسلك تماما لتحقيق التفاهم والحلول، التى تجمع ولا تفرق بين الأطراف المختلفة. هذا مبدأ تعتنقه الدبلوماسية العمانية، وتعمل به على الدوام فى إطار العلاقات الخارجية، ومن أجل ضمان استمرارية وصون السلام والوئام. كما أن سلطنة عُمان تؤمن بانتهاج سياسة حسن الجوار، بكل ما تعنيه هذه العبارة جملة وتفصيلا.
لنأخذ قضيتين حاليتين فى هذا السياق: أولاهما مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران، والأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن وألمانيا، فالتوصل إلى نتيجة إيجابية لهذا الملف – عبر الحوار – سيمثل مكسبا كبيرا للسلم والأمن والاستقرار الإقليمى والعالمي. سيستفيد الجميع، ولن يكون هناك خاسرون. أما القضية الثانية، فهى اليمن. إن المعاناة الإنسانية فى هذا البلد العربى والجار الشقيق، هائلة والخسائر فادحة، وكل يمنى سوف يستفيد، إذا أفضى وقف إطلاق النار الحالى إلى سلام دائم.
■ توصف العلاقات المصرية – العمانية، بأنها نموذج للعلاقات العربية، كيف يمكن البناء على تلك العلاقات الوطيدة، بين البلدين والشعبين الشقيقين؟
**يسعدنى أن أسمع منكم، هذا الوصف الإيجابى جدا للعلاقات العمانية – المصرية، وأتفق معكم تماما فى ذلك، ولا ريب أن البناء على هذه العلاقات السياسية المتينة يتطلب منا جميعا الدفع بالتعاون بين البلدين فى كل القطاعات الحيوية الاقتصادية منها والثقافية وغيرها. وفى ضوء زيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، إلى سلطنة عمان والمحادثات الإيجابية جدا والمثمرة التى تمت مع أخيه حضرة صاحب الجلالة، السلطان هيثم بن طارق المعظم، فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد مبادرات ومشاريع، تهدف إلى تنمية مزيد من فرص التجارة والاستثمار بين البلدين ومختلف مجالات التعاون والشراكة.
■ العلاقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى، وجلالة السلطان هيثم بن طارق، تشكل رافعة قوية ليس فقط للعلاقات المصرية – العمانية، بل للعلاقات العربية.. كيف يمكن أن تنظر لهذه العلاقة المتميزة، بين الزعيمين الكبيرين؟
**تتمتع جمهورية مصر العربية، وسلطنة عمان بهويتين تعودان إلى آلاف السنين، فجذورنا عميقة، وهذا شىء مهم جدا يشترك فيه البلدان. وفى العصر الحديث، نشأت علاقة أخوية حميمة وعميقة بين السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه – والرئيس الراحل محمد أنور السادات. وهذه العلاقة وضعت إطارا إستراتيجيا، بعيد المدى للتعاون بين البلدين. بالتالى فنحن ماضون فى البناء على هذا الأساس القوي، فى ظل رعاية وتوجيهات قيادتى البلدين. إن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – يرى فى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أخا وصديقا وشريكا قويا ليس على المستوى الثنائى فحسب، وإنما أيضا فى الإطار العربى الأوسع والدولي.
■ تتمتع مصر وسلطنة عمان بإمكانات اقتصادية وبشرية كبيرة، كيف يمكن تعظيم التعاون الاقتصادى بين القاهرة ومسقط؟
**عندما يأتى أشقاؤنا المصريون إلى سلطنة عمان، فإنهم يأتون كأصدقاء وأخوة أعزاء، يحظون بكل الاحترام والترحاب، هناك الكثير الذى يمكن أن نكسبه من هذا التفاعل الإيجابي، على مستوى التواصل بين الأفراد. لذلك نقول للقطاع الخاص وأصحاب الأعمال فى مصر، مرحبا بكم فى سلطنة عمان، ومرحبا بالشراكة معكم لتطوير مشاريع جديدة، وتعزيز التجارة بيننا وتحقيق المكاسب، التى تعود بالمنفعة المتنامية والمستدامة على الجانبين بإذن الله.
■ ما أجندة سلطنة عمان فى قمة «التغير المناخى» التى تستضيفها شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل؟
**نأمل أن تسهم سلطنة عمان مع المجتمع الدولي، فى تعزيز الالتزام نحو الوصول بانبعاثات الكربون إلى الصفر، نحن متفائلون بما تتمتع به، كل من سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية من مستقبل واعد فى مجال الطاقة النظيفة والخضراء، ولدى البلدين إمكانيات كبيرة فى ثلاثة عوامل رئيسية، ألا وهى الأرض وأشعة الشمس والرياح، وقربهما من ممرات الشحن الرئيسية. وأعتقد أن هذه الإمكانات الهائلة، ستكون عاملا مهما للغاية فى المستقبل الاقتصادى لكلا البلدين.
وأعتقد أنه مع رئاسة مصر لقمة المناخ فى شرم الشيخ، فإن المجتمع الدولى سيعلن عن المزيد من الالتزامات، لتسريع جهود القطاعات العلمية، لمواجهة التحديات التقنية المتبقية، مما يشجع المزيد من الاستفادة من الإمكانات الكاملة للهيدروجين الأخضر.
■ ينظر الخبراء السياسيون إلى مجلس التعاون الخليجي، باعتباره من أنجح التجارب الوحدوية فى المنطقة العربية، كيف يمكن تعظيم العائد من هذا النجاح خليجياً وعربياً؟
**ينبغى علينا مواصلة العمل الجماعى والاستفادة من التجارب الناجحة لنا، والتركيز على التعاون الاقتصادي، وتطوير البنى الأساسية المشتركة لتعزيز الترابط بين جميع الدول العربية، مثل الطرق والسكك الحديدية، وخطوط الأنابيب، وكذلك تعزيز التجارة البينية والاستثمار. نحن نشترك فى علاقات عميقة جدا على المستوى الثقافى والاجتماعي، وفوق كل هذا وذاك، نحن جميعا عرب، وهذا فى حد ذاته يمثل أساسا مهما لأمن شعوبنا وتعاونها ورفاهيتها. وليس هناك أدنى شك، فى أن التزامنا بالعمل العربى المشترك، لن يتزعزع.
■ بعد نجاح تمديد الهدنة فى اليمن، ما رؤيتكم للحل الشامل؟ وهل تعتقد أن المقاربة الأممية، التى يطرحها المبعوث الدولى، باتت واقعية؟
**نعم نعتقد أن النهج، الذى اقترحه مبعوث الأمم المتحدة لليمن جيد، ونحن نؤيده تماما. وتتلخص رؤيتنا للسلام باليمن، فى تشكيل حكومة وطنية شاملة، تتمثل فيها جميع المصالح وأصحاب الشأن من أشقائنا اليمنيين. وخلاصة القول هى إن السلام فى اليمن ومستقبله، هو قرار إستراتيجي، يتخذه فى الأساس اليمنيون أنفسهم، ولا يمكن فرضه من الخارج، لأن هذا لن يجلب سلاما حقيقيا ولا دائما.
أما دورنا ودور المجتمع الدولي، فهو دعم جميع الأطراف اليمنية، وهم يتخذون الخطوات الصعبة والشجاعة، ويقدمون التنازلات اللازمة، لتحقيق السلام الذى يعكس تطلعاتهم المشتركة لمستقبل اليمن، والمصالح العليا له.
■ تمر المنطقة العربية بمتغيرات كبيرة، تهدف إلى تخفيف التوتر وإنهاء الصراعات، كيف تنظرون وتقيمون هذه المتغيرات؟
**نحن ننظر إلى هذه المتغيرات، بشكل إيجابي. التغيير هو من سنن الحياة لكن التحدي، يكمن فى قدرتنا على إدارة التغيير من الداخل، وتوجيهه لخدمة مصالح دولنا وشعوبنا، وعبر اقتناص أفضل الفرص التى تتولد من المتغيرات، وكبح جماح العوائق أو السلبيات، التى قد تبرز. وبالتالى لا شك أن التغيير، يمكن أن يكون عملية صعبة، لأنه يتطلب استحداث إجراءات تصحيحية، واتخاذ قرارات حازمة تؤدى إلى تغيير فى ثقافة التفكير وثقافة العمل والممارسات، التى ربما كانت تشكل عقبات على مسار التطور الاقتصادى والاجتماعي. على سبيل المثال، فى سلطنة عمان، نحن ماضون فى تطبيق الرؤية الحكيمة، لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم، فيما يتعلق بترسيخ العدالة الاجتماعية، حيث تقوم الحكومة بإدخال العديد من الإصلاحات، فى القطاع الحكومى والقطاع الخاص، وفى المجالات الاجتماعية المتنوعة، وهذا ينطوى فى بعض الأحيان على مواجهة ممارسات متجذرة، ومصالح أو عادات وأساليب بيروقراطية معيقة، لكنها وُجِدت منذ زمن طويل. لذلك تقوم الحكومة على اتخاذ وتطبيق قرارات وسياسات متدرجة، لكنها حازمة فى تحقيق التغيير الإيجابى المنشود.
أما فى العالم العربى ككل، فإن أجندة التحديث، تُعد مكونا حيويا فى بناء عالم أفضل لأجيالنا من الشباب وللأجيال المقبلة.
■ سلطنة عمان، كانت دائما داعمة للعمل العربى المشترك، كيف يمكن تحقيق تقارب عربى أكبر بين الدول العربية لمواجهة التحديات الراهنة والطارئة؟
**ينبغى علينا العمل من أجل تعزيز التعاون الجماعى بيننا، وعلى قاعدة لا ضَرر ولا ضِرار، وهذه مهمة يجب أن تكون ثابتة ومستدامة. وأعتقد على وجه الخصوص، أنه من المفيد جدا، أن نعمل على تعزيز مهارة الإنصات والاستماع، إلى هواجس بعضنا بعضًا، لاسيما شواغل أولئك الذين، قد نختلف معهم بشأن بعض القضايا والتوجهات.
■ تعانى بعض الدول العربية، من ارتدادات وتداعيات ما يسمى بـ «الربيع العربى» عام 2011، ما رؤيتكم لدعم تلك الدول، حتى تصبح الدولة الوطنية العربية قوية وفاعلة فى محيطها، وقادرة على مواجهة التدخلات الخارجية؟
**مما لا شك فيه، أن الازدهار هو مفتاح النجاح فى ذلك. فبالازدهار نستطيع تلبية تطلعات شبابنا. نحن نود أن نوفر المزيد من الوظائف، والكثير من الفرص للشباب، لكى نضمن استدامة دورهم المحورى والبناء فى التنمية.
إن التدخل الخارجي، يكون سهلا ومتاحا، عندما تكون الأوضاع الاقتصادية سيئة. وأنا أقول دائما لزملائي، إن الاقتصاد، هو القضية الأولى بالنسبة للأمن الوطنى.
■ تلعب الدبلوماسية اليوم، دوراً كبيراً فى تأمين الغذاء والطاقة، فى ظل المشاكل فى سلاسل الإمداد.. ما رؤيتكم للتعاون العربى فى هذا المجال، البعض مثلاً يقترح الشراء الموحد للقمح؟
**ينبغى علينا أن نتعاون، ونساعد بعضنا البعض قدر الإمكان. أنا شخصيا أرى أن الشراء الموحد للقمح، قد لا يكون مفيدا بالضرورة، حيث إنه قد يؤدى إلى ظهور عقبات بيروقراطية جديدة، وقد يكون ضررها أكثر من نفعها. لكن، أرجو أن تطمئن لأننا نتواصل باستمرار مع الأصدقاء والجيران، لتعزيز مصادرنا للأمن الغذائى وتقاسمها.
إن قضية القمح تحديدا، تمثل مصدر قلق كبيراً، وأخشى أن يكون العام المقبل أكثر صعوبة من هذا العام. وأرى أنه من الآن فصاعدا، من الضرورى أن تتكاتف دول المنطقة فى تأمين الأمن الغذائى، وأمن الطاقة من خلال الاستثمار المشترك فى مشاريع إستراتيجية، وذات استدامة وجدوى وفوائد اقتصادية متبادلة، بين مختلف الدول العربية. وأعتقد من المفيد دعوة شركاء عالميين، ضمن هذه المشاريع، لأن ذلك سيجلب معه التقنيات المتطورة، ومزيدا من فرص العمل والقدرات، ونمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، على امتداد خطوط الإنتاج وسلاسل الإمداد والتوريد.
■ لم يصبح هناك مكان للحياد فى عالم اليوم، ومن ليس معنا فهو علينا، هل تتفق مع هذه المقاربات لوصف الوضع الدولى الحالى؟
**لا أتفق مع هذا الطرح. هناك بالتأكيد مكان حيوى للحياد، فى عالم اليوم وفى العقلية. كما أن مقولة «من ليس معنا فهو علينا»، تعبير غير صحي، وغير مفيد ويجب رفضه تماما. وأنا أقول هذا الكلام من منطلق سياسة عمان، ذات المبادئ الثابتة. فنحن نؤمن ونمارس الحياد الإيجابي، والبناء للصالح الجماعي. ومن واجبنا الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة، لكى نتمكن من التواصل مع جميع الأطراف، الذين قد يواجهون بعض المشاكل والصعوبات. كما أننا ندعم الأمم المتحدة وسيادة القانون الدولى بقوة، ونحترم سيادة جميع أعضائها، ونحترم قراراتهم السيادية، سواء اتفقنا مع هذه القرارات أم اختلفنا.
■ القضية الفلسطينية، واحدة من أعقد القضايا العالمية، كيف يمكن أن نصل إلى حل شامل فيها، فى ظل أوضاع متغيرة دولياً وإقليمياً؟
**لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن، بإيجاز شديد، فإن الحل يكمن فى مقايضة الأرض مقابل السلام، على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، مما يعنى تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والعودة إلى سيادة القانون. وينبغى الإشارة هنا إلى أن مبادرة السلام العربية مازالت مطروحة على الطاولة، منذ عشرين عاما، وهى مبادرة جيدة، تحظى باحترام المجتمع الدولى والمراقبين، باعتبارها مبادرة عادلة ونحن نؤيدها.
■ فشلت الدبلوماسية، فى منع الحرب الروسية – الأوكرانية، هل تعتقد أن الدبلوماسية، يمكن أن تحل هذه الأزمة، التى يخشى البعض أن تتمدد؟
**كان هناك سوء تقدير من جميع الأطراف، لكننا نأمل بكل صدق أن تسود الدبلوماسية. فنحن لا نرغب فى أن تطول هذه الحرب، لما لها من آثار مدمّرة. ونحب هنا أن نشير إلى ملاحظات بعض المعلقين الحكماء، حول الشئون الدولية، حيث قالوا إنه من الضروري، التوصل إلى حل وسط. أحيانا تكون الحلول التوافقية عملا مؤلما، لكنها فى أغلب الأحيان، هى الخيار الذى يمثل الأقل ضررا فى هذا العالم المضطرب.
هناك خطورة حقيقية من التصعيد، ولذلك ندعو جميع الأطراف إلى الحوار والتوصل إلى حل سياسى ودبلوماسى، مراعين فى ذلك الجانب الإنساني، وكما هو معلوم، فإن الإنسان هو الضحية فى هذه الحرب وأمثالها.
■ معالى الوزير.. كيف تنظرون للزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكى جو بايدن؟
**الولايات المتحدة، دولة صديقة، ومن الجيد أن نرى الرئيس جو بايدن، فى زيارة إلى المنطقة. ونأمل أن يكون لهذه الزيارة، تأثير إيجابي، ونتائج مثمرة على صعيد العلاقات العربية – الأمريكية.