أثير – ريما الشيخ
قال ستيڤ فيمستر، المدير العام لشركة تنمية نفط عمان، بأن الشركة تحتفل اليوم بـ 55 منذُ أول شحنة من النفط العماني الخام عام 1967م.
وأضاف في حديث لـ “أثير” : إنني وكافة موظفي شركة تنمية نفط عُمان نشعر بالفخر والاعتزاز ونحن نحتفل بهذه الذكرى، ونستشعر فيها الجهود التي قام بها الرعيل الأول من موظفي الشركة قبل خمسة وخمسين عاما لتصدير أول شحنة من النفط العماني الخام رغم محدودية الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، والتي آذنت بفصل جديد في تمكين ودعم الاقتصاد العماني آنذاك وحتى الآن.
وذكر: هذه المناسبة بلا شك فرصة للأجيال الحالية من المواطنين وموظفي الشركة كي يُقدِّروا ضخامة التحديات التي تم اجتيازها في تلك الفترة ويستخلصوا منها ما يشحذون به عزائمهم لمواصلة خدمة هذا البلد العزيز“.
وبهذه المناسبة، يستذكر ستيڤ فيمستر بعضًا من أحداث تصدير أول شحنة من النفط العماني الخام، حيث أوضح: تناول كتاب “تحديات…فنجاح”، مسيرة شركة تنمية نفط عمان، للكاتب السير تيرانس كلارك، بعض الأحداث في يوم تصدير أول شحنة من النفط العماني، ففي السابع والعشرين من يوليو من عام 1967م وصلت إلى سواحل السلطنة الناقلة موسبرينس (وهي ناقلة نفط صنعت في اليابان في العام 1967 الذي سبق ذلك لصالح شركة السفن النرويجية موسفولد بسعة حمولة تبليغ 83 ألف طن وذلك لتحميل شحنة من النفط الخام).
وجاء في بوليصة الشحن المؤرخة في 8 أغسطس 1967 أنه تم شحن 543,800 برميل من النفط النظيف البالغة كثافته بمقياس معهد البترول الأمريكي 33.2 درجة وذلك بقيمة 1.42 دولار للبرميل.
ولكن ما كان يميز ذلك النفط لم تكن فقط کمیته أو كثافته أو نقاؤه أو سعره، وإنما كان ما يميزه هو أنه أول نفط يصدر من سلطنة عمان.
ويوضح الكتاب بأن شحن النفط الذي كان متجها لليابان على حساب شركة شل إنترناشيونال المحدودة استغرق عدة أيام -أكثر مما تستغرقه مثل هذه الشحنات عادة- غير أن استخراجه من مكمنه في باطن الأرض في المناطق الداخلية من البلاد ونقله إلى محطة شحنه في الساحل كان عملا اكتنفه الكثير من التحديات التي وضعت موظفي الشركة ومتعاقديها في محك من حيث عزمهم وإصرارهم وقدرتهم على الابتكار.
وفي مطلع عام 1967م کان مهندسو شركة تنمية نفط عمان يعملون وفق جدول زمني لإكمال المرافق والمنشآت النفطية على ساحل عمان، في سيح المالح، الذي يبعد بضعة أميال إلى الشمال من العاصمة المسورة مسقط استعدادا لاستلام خام النفط في نهاية أنبوب النفط بطول 240 ميلا القادم من فهود.
ووفقا للجدول الزمني للمشروع، كان يتعين إكمال المرافئ بنهاية العام نفسه، لكن فجأة أخفقت هذه الخطط التي وضعت بعناية فائقة نتيجة لأحداث جرت بعيدا عن سلطنة عمان، ففي 30 مايو 1967م أعلن الكولونيل شو كويميكا اوجوكو عن انفصال إقليم بيافرا عن نيجيريا، وفي السادس من يوليو ردت الحكومة النيجيرية على ذلك بحصار اقتصادي على الإقليم ثم بدأت حشد قواتها العسكرية.
وتلى ذلك اندلاع الحرب الأهلية ولم تعد شركة شل بي بي النيجيرية قادرة على الاستمرار في مزاولة نشاطها، وفي الفترة نفسها تقريبا، وتحديدا في يونيو، بدأت إسرائيل من جهة وكل من مصر والأردن والعراق وسوريا، من جهة أخرى، ما عرف بحرب الأيام الستة حيث أدى إغلاق قناة السويس إلى عرقلة حركة الملاحة البحرية، وإزاء هذه الأحداث قررت شركة شل وفي فترة قصيرة أن تقدم موعد تصدير النفط من سلطنة عمان بمدة ستة أشهر حتى تستطيع مقابلة التزاماتها التسويقية.
واستجاب موظفو شركة تنمية نفط عمان لهذه المتغيرات وبدأوا العمل بعزيمة قوية للوصول لمرحلة التشغيل في مدة أقصر مما كان مقررا في الأصل.
وقال جون غريفيز، مدير العمليات ونائب المدير العام خلال الفترة من مارس 1965 إلى مارس 1968، بأنه يتذكر جيدا ما حصل، حيث وجد نفسه فجأة مسؤولا عن العمل: استغرق الأمر وقتا ليس قصيرا لتعبئة خط الأنابيب أولا ثم تعبئة صهاريج التخزين بالمحطة.
وأضاف: أثناء هذا الوقت وقبله كنا مشغولين في تركيب عوامات الإرساء المفردة وخط الأنابيب تحت مياه البحر لاستيعاب الناقلات وتمكينها من تحميل شحناتها، لقد كان وقتا يسوده الكثير من القلق والتوتر فيما كانت الرسائل لا تتوقف من العاصمة لندن وإليها حول موعد وصول الناقلة.
من جانبه يروي بوغارد الذي عمل في دائرة الإنتاج بالشركة دوره الحاسم في ذلك اليوم بتفاصيل أكثر، فقال: لقد كنت من ضمن العاملين في جهاز ضخم للإغلاق الهيدروليكي في مرافق التصدير على الشاطئ والذي يتحكم في تدفق النفط بين ساحة الخزانات والناقلات الراسية قبالة الساحل. وقد كانت الصمامات الموجودة على الشاطئ مفتوحة تمام مما يعني أن المشكلة حصلت في مكان آخر.
وأضاف: تم إجراء الفحوصات للتأكد من وجود تسربات، لكن اتضح أن لا شيء من هذا القبيل، وإثر ذلك ذهبت إلى ساحة الخزانات لفحص كل خزان على حدة من خلال استشعار درجة حرارته. وقد كان أحدها ما زال دافئا فتبين لي بسرعة وجود خطأ في توصيل هذا الخزان وبعد فتح الصمامات، بدأ النفط في التدفق مرة أخرى.
ويتذكر درویش رمضان الزدجالي أيضا تصدير أول شحنة من النفط الخام كما لو حدث هذا الأمر بالأمس، وقد كان درویش بدأ العمل في عام 1966، مع شركة «شيكاغو لإنشاء الجسور» وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما، حيث بدأ العمل مع فريق المساحة في موقع البناء بساحة الخزانات، وبعد مضي ستة أشهر انتقل إلى العمل في حقل فهود مع فريق كان يتولى مسح خطوط الأنابيب، ثم عاد مرة أخرى إلى سيح المالح ليعمل فني مختبر لعينات النفط في ساحة الخزانات.
يقول الزدجالي: لقد كنت أذهب بصفة يومية إلى الخزانات الستة التي تحمل الأرقام من 101 إلى 106 لقياس مستوى النفط الخام باستخدام قضيب أعماق. وفي الصباح الباكر ليوم 27 يوليو 1967، أتذكر أنني شاهدت من نافذة مكتب دائرة العمليات البحرية كيف كان الربان يوجه الناقلة النرويجية ببطء تجاه عوامة الإرساء المنفردة، وكنت أعمل في ذلك اليوم من الساعة السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة ليلا في ساحة الخزانات.
وأضاف: كان علي أن أقوم كل نصف ساعة بقياس النفط في الخزانات والذي سيحمل في الناقلة وأن آخذ العينات إلى المختبر، وكنت الموظف العماني الوحيد الذي يضطلع بهذا العمل مع ثلاثة بريطانيين. كانت الحلول المبتكرة للمشاكل الفنية هي السائدة أيضا على ظهر الناقلة موسبرینس نفسها.
وربما يلخص فرانسس هیوز أفضل صورة لأهمية هذه المناسبة حيث كتب في مقدمة كتيب أصدرته الشركة في الأول من أغسطس 1967: مع انتظام تصدير النفط الخام من عمان هذه الأيام، تحتفل الشركة بإتمام واحدة من مهماتها بنجاح. إن ما تحقق مدعاة لاحتفاء شعب سلطنة مسقط وعمان لا سيما أن مرحلة النفط بالنسبة لهم، تبدأ اليوم في بعض النواحي المحددة ولا يسعني هنا إلا أن أعبر للشعب العماني عن خالص الأمنيات بصفة شخصية وباسم الشركة، آملا ألا يكون لديهم أبدا أي سبب للندم على ذلك، بل يجب أن ينظر إلى هذا اليوم في الأعوام والشهور القادمة باعتباره بداية عهد جديد من الرخاء والازدهار في التاريخ الطويل للبلاد. إننا نهدف أيضا إلى تأكيد أن الشركة من خلال عمليات التنقيب المتقنة ستقوم باكتشاف كميات جديدة الأمر الذي سيتيح الاستمرار ولسنوات عديدة قادمة، في دعم عجلة التنمية من أجل إزهار ورفاهية دائمة لعمان وشعبها.