عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وأولويات رفع الإنتاجية وخفض القلق

عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وأولويات رفع الإنتاجية وخفض القلق
عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وأولويات رفع الإنتاجية وخفض القلق عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وأولويات رفع الإنتاجية وخفض القلق

أثير – د. رجب بن علي العويسي

تترقب الأنظار في أن يكون هذا العام الدراسي الجديد استثنائيا في نتائجه، وحكيما في ممارساته، خاصة أنه جاء بعد مرحلة تقييد عاشها الطلبة مرتبطة بجائحة كورونا كوفيد19، وما أفصحت عنه نتائج طلبة الدبلوم العام ونظام القبول الموحد من مطبات في بنية الممارسة التعليمية بالمدارس وتفاصيلها الداخلية، لذلك كانت الحاجة إلى ربط هذه العودة بموجهات حكيمه وضوابط أصيلة، وأطر وإستراتيجيات محكمة، وأدوات مقننة، وإجراءات وتشريعات ولوائح، تحفظ كفاءته، وتعزز من جودته وتقلل من حجم الهدر والفاقد التعليمي الناتج من الخروج عن الأولويات، وكلما كان التعليم أقدر على إدارة أولوياته وضبط موارده، وتوجيه أدواته نحو البحث في العمق والجوهر، وابتكار اللوازم والوسائل، كلما كان أقدر على التعايش مع  المتغيرات والمستجدات، ورسم صورة مشرقة تقرأ في التعليم حياة القلوب، ونهضة الشعوب، وفقه الدروب، لتصبح ترانيمه الصفية مبادئ حاكمة، تستنهض في نفوس الأجيال العزيمة والإصرار، وتستنطق القيم والمبادئ، وتؤسس الموهبة، وتبني المهارة وتستحضر المنافسة وتحفظ الود.

وبالتالي كيف يمكن لمؤسسات التعليم أن تصنع في العام الدراسي الجديد روح التغيير في الممارسة التعليمية وتوجيه بوصلة العمل داخل المدارس وخارجها نحو الطالب -محور العملية التعليمية ومرتكزها وطريقها لتحقيق غاياتها السامية وأهدافها الماجدة، وطموحاتها المتعاظمة، فإن قدرة الممارسة التعليمية على تلمس أولويات الطالب واحتياجاته والوقوف على أبجديات التحول المطلوبة فيها، سوف يضمن عاما دراسيا  تتجه في الإرادة إلى تعظيم فقه الأولويات في سلوك المعلم ومدير المدرسة وغيرهم من الفئات الأخرى داخل بيئات التعليم، الأمر الذي سيكون له أثره الإيجابي على أداء  المدارس ونتائجها، وترقية محطات البناء الداخلية وتعظيم جودة الحياة المدرسية عبر إنتاجية الإجراءات والممكنات والمحفزات والأطر التي تتبناها المدارس في سبيل الحد من أي ممارسة تغرد خارج السرب وتضيّع جمالات الأداء.

ومعنى ذلك أن أولوية العمل اليوم يجب أن تبدأ من ضبط الممارسة التعليمية داخل المدارس وتقنينها وتوجيهها وإعادة تصحيحها بالشكل الذي يضمن التقليل من حالة الاجتهادية غير المنتجة والاضطرابات والاعتراضات والمزايدات التي باتت تصنع منها منصات التواصل الاجتماعي ومغردي الشهرة طريقهم لتحقيق غاياتهم  الدنيئة على حساب المبدأ والمهمة والمسؤولية، وإدخال  التعليم في دوامة الاختلافات والتعبيرات الشخصية والاحتكام إلى الأفكار الأحادية التي أضاعت جمالية التعليم وبساطته والاشراقة الحضارية للمدارس في المحيط الاجتماعي، والخروج من دائرة الاجتهادات الشخصية والشطحات الذاتية التي تمارس في ظل الافتقار إلى بوصلة التوجيه، وعندها تصبح المدارس محطات لإنتاج الحلول التطويرية المراعية لظروف الواقع واحتياجات الطلبة والبيئة المحيطة بالمدرسة، بحيث تنطلق شرارة البدء في التغيير من المدرسة ذاتها مع المحافظة على بقاء إطار المتابعة حاضرا فيما يتعلق بالسياسات والتشريعات والقوانين، هذا الأمر من شأنه أن يخلق مزيد من التوأمة بين المدارس وبينها وبين الجامعات والكليات، كما يسهم في تنشيط حركة المنافسة والمبادرات الجادة وتوجيه الاهتمام لأفضل الممارسات التعليمية بما يسهم في إنتاج حلول جادة للتحديات أو رفع سقف الإنتاجية التعليمة للمدارس بما يتناغم مع طبيعة كل مدرسة وخصوصيتها وثقافتها وبما يتناغم مع فلسفة التغيير والتطوير بها.

وبالتالي ما يعنيه ذلك من الحاجة إلى أطر عمل واضحة تقود المدارس وتوجه بوصلة أدائها، وخطوط عريضة تنطلق منها في تنفيذ هذه الأولويات، منعا من تغييب بوصلة الإنجاز واتساع التباينات والخروج عن مبدأ المنافسات وتعظيم المنجز، إلى البحث عن الشكليات والظواهر الصوتية التي أفقدت العمل في المدارس قيمته وحيويته واتجهت به إلى الوقتية والعشوائية، لتدخل المدارس خلاله دوامة الصراع والتجاذبات وغياب الأولويات التي أدت إلى انخفاض حجم الاهتمام التعليمي المقدم إلى الطلبة فيها، وأن يتجه التركيز في الفترة القادمة على مسار الرقابة على المدارس وتقييم ثقافة العمل الداخلية والتوجهات والأفكار التي تؤسسها، ثم الأنماط والنماذج الإدارية والتعليمية التي تبني المدارس عليها شواهد الإنجاز، وتساعد المدارس في أداء عملها، عبر منظومة تقييم أداء ومحكّات تضمن  قدرة المدارس على تحقيق تحولات إيجابية في مسيرة عملها لما بعد التقييم، فمن جهة يستهدف هذه التقييم اختبار مؤشرات العمل وتقييم الأدوات والإستراتيجيات والخيارات التي انتهجتها المدارس في إدارة أساسيات العمل والاقتراب من الأولويات، فإنه في الوقت نفسه مساحة أمان للمدارس في توليد البدائل وتنشيط حركة الابتكار والابداع  فيها بين الطلبة والمعلمين وإدارات المدارس وإشراك أولياء الأمور  ومؤسسات المجتمع.

أخيرًا تبقى المدارس وطن للتعايش والسلام، والحب والتنمية، وإشاعة مفاهيم الانتماء والولاء للوطن، مدى ما التزمت فقه الاحتواء، وتعايشت مع منطق الأولويات، وعظّمت من شأن الممارسة المبتكرة، ولمّا كان واقع بعض الممارسات يفقد هذه القيم حضورها أو توازنها في ظل مجتمعي تعليمي متنوع الأفكار والروافد والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها أفراده، ويواجه نوع من الاختلافات في المكونات الداخلية والظروف الصعبة التي يعيشها بعض الطلبة، لتؤسس المدارس من خلال مبدأ الأولويات محطة للارتقاء بحكمة التعامل مع مواردها، وإدارة العمليات الداخلية في بيئاتها، وإنتاج طرق أفضل لتوجيه الثواب والحوافز او العقاب والضوابط، والبعد عن كل الممارسات غير المسؤولة التي باتت تسيئ إلى مبدأ “إن المدرسة نموذج مصغّر للوطن الكبير”، فإن مساحات التمايز في المشاركة الصفية، وتقدير الإجابات من الطلبة المتفوقين دراسيا، وحجم تكرار العبارات السلبية التي تكال للطالب غير المشارك، والتعبيرات اللفظية الأخرى التي تمارس نحو بعض الطلبة، والصورة السلبية التي تولدها الورقة الامتحانية أو يقرأ خلالها الممارس التعليمي مفاهيم التحصيل الدراسي والنجاح والمشاركة الصفية وغيرها كثير مما بات ينشط في بيئات التعليم، جراثيم باتت تدق ناقوس الخطر وتنذر بانحراف الممارسة التعليم عن دورها في صناعة الهوية وإنتاج الأمن وتحقيق السلام وبناء الثقة، فإن الكثير من الظواهر التعليمية التي باتت تنشط في مجتمع المدارس  كحالات الانطواء والسلبية والتنمر الفكري وحالة القلق والخوف وعدم الشعور بالأمان النفسي، وحالة التهكم التي يواجهها بعض الطلبة حول ملابسه وإمكانياته أو تقصيره في الواجب البيتي وعدم الرغبة التي يشعر بها بعض الطلبة؛ إنما هي نتاج لهذه الممارسات العقيمة والأفكار الأيديولوجية التي باتت تجد في بيئات التعليم مساحة واسعة لنموها، ورغم بساطة هذه الممارسات إلا أنها أصبحت تشكل مصدر قلق لأمن الطالب النفسي والتعليمي والاجتماعي والأخلاقي، وتؤسس لمخاطرات كبيرة ونتائج عكسية لا تليق بمؤسسات التعليم والصورة النموذج التي يجب أن تحتفظ بها، لتبقى هذه اللطائف محطات مهمة وأولويات يجب أن تضعها المدارس في سبيل ضمان احتواء الطالب وتعظيم الإدارة الذاتية لديه والثقة في قدراته وتكافؤ الفرص التعليمية المتاحة له،  وتوجيهها وإعادة إنتاجها لبناء شخصيته وإنتاج القوة في مبادئه وقناعاته وانتمائه الوطني.

Your Page Title