أثير – المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
قال تعالى: “ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةࣲۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةࣱ فِی دِینِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ وَلۡیَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ” (سورة النور – الآية 2).
تُعد جريمة الزنا من أشد وأعظم الجرائم في الإسلام، ونظرا لما تولده من تدمير للمجتمعات فإن المشرع أورد لها نصا خاصا ضمن الجرائم الواقعة على العرض في الفصل الثاني من الباب السابع، كما تطرق القانون إلى جريمة زنا المحارم وأورد لها عقوبة تُعدّ من أشد أنواع العقوبات.
وفي هذه الزاوية عبر “أثير” سنسلط الضوء على جريمة زنا المحارم وعقوبتها ومن له الحق في تحريك الدعوى.
أولا : ماهية جريمة زنا المحارم وأركانها:
جريمة زنا المحارم هي أن يواقع الرجل أنثى من المحرمات عليه حرمة مؤبدة وتكون المواقعة برضاها أو بغير رضاها. وتعد جريمة الزنا من الجرائم العمدية التي تتطلب ركنًا ماديًا وركنًا معنويًا، وسنفصل فيهما بإيجاز كما يلي:
الركن المادي: يتمثل الركن المادي في جريمة الزنا في المواقعة، ويشترط لتطبيق نص المادة (260) أن تكون الأنثى من المحرمات على التأبيد، وبالتالي فبمجرد تمام المواقعة تقوم جريمة زنا المحارم.
الركن المعنوي: جريمة الزنا جريمة عمدية فبالتالي لابد من توافر القصد الجنائي الذي يتمثل في العلم والإرادة، والعلم هو أن الجاني يعلم أنه يواقع أنثى من المحرمات عليه حرمة مؤبدة، ويجب أن يكون القيام بالفعل بإرادة الجاني بدون عوامل تؤثر على إرادته كالإكراه.
ثانيا: من هم المحارم حرمة مؤبدة؟
المحارم على التأبيد هم من كان تحريمهم دائما لا لعارض، فيحرم الزواج بهم أبدا ويقع التحريم المؤبد بإحدى ثلاث؛ إمّا من جهة النسب، أو من جهة المصاهرة، أو من جهة الإرضاع. وورد النص على التحريم في قانون الأحوال الشخصية في المواد من 30 إلى 34.
ثالثا: عقوبة جريمة زنا المحارم:
وردت عقوبة زنا المحارم في نص المادة (260) من قانون الجزاء والتي أوردت عقوبة الإعدام لكل من يرتكب جريمة زنا المحارم.
أما جريمة الزنا فقد ورد نصها في نص المادة (259) من قانون الجزاء: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر، ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات كل من واقع أنثى برضاها دون أن يكون بينهما عقد زواج، وتعاقب الأنثى بالعقوبة ذاتها.
ولا تقل عقوبة كل منهما عن (2) سنتين إذا كان أحدهما متزوجا، ويفترض العلم بقيام الزوجية إلا إذا ثبت غير ذلك.”
رابعا: من له الحق في تحريك الدعوى؟ وهل يجوز التنازل عنها؟
لا تقام الدعوى الجزائية على الفاعل في جريمة زنا المحارم، رجلا كان أو امرأة، إلا بناء على شكوى الزوج أو ولي الأمر. فإذا لم يكن للفاعل زوج أو ولي أمر في الدولة جاز للادعاء العام إقامة الدعوى أو إبعاده من البلاد، ويجوز في جميع الأحوال للزوج أو ولي الأمر التنازل عن الدعوى، ويترتب على تنازل أحد الشاكين وقف الملاحقة الجزائية ووقف تنفيذ العقوبة.
أخيرا، فإن جريمة زنا المحارم من الجرائم التي تمس الدين والأخلاق والتي تؤثر سلبا على تكوين المجتمعات لأنها تمس في المقام الأول الأسرة التي هي عمود المجتمع، وبالتالي حسنا فعل المشرع حين نص على عقوبة الإعدام في مثل هذه الجرائم البشعة والتي باتت تشكل تهديدا كبيرا على مجتمعاتنا العربية