أثير- عبدالرزّاق الربيعي
أثار نص مدرج في المنهج الدراسي لتلاميذ الصف الثاني الأساسي جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من استنكر تدريس تلاميذنا نصا مكتوبا باللهجة الدارجة، خصوصا أن الكلمات مأخوذة من الفولكلور العراقي، وليس العماني، وفريق آخر رأى أن النص يدرّس ضمن مادة الموسيقى وموضوع الألعاب الشعبية “ولا شك أنها أخذت من إحدى محافظات السلطنة. كما أن من سيقوم بها طفل عمره لا يتعدى ثماني سنوات، فأين المشكلة؟” كما يتساءل المغرّد أحمد الأنصاري.
“أثير” نقلت التساؤل وسواه إلى عدد من المتخصصين في التربية والكتابة للأطفال، فقال الدكتور عامر بن محمّد العيسري ” إن نصّا مثل ( غزالة غزلوكي) لا يمكن أن يدرج في المنهج الدراسي للأطفال بسبب عاميته واستناده إلى الدارجة، وليست الدارجة العمانية الأصيلة التي يتحدّث بها غالبية العامة في سلطنة عمان، وكذلك بسبب سطحية الأفكار والمعاني التي يقدمها”.

وأضاف العيسري الذي يشغل منصب مساعد عميد شؤون الطلبة للتوجية والأنشطة الطلابية، وأستاذ مساعد للتربية المبكرة بجامعة السلطان قابوس “عندما وصلني النص تتبّعت موقعه في المنهج، فوجدته في كتاب التربية الموسيقية للصف الثاني الأساسي، وفي رأيي من خلاله حاول مؤلفو المنهج تطوير محتوى كتاب التربية الموسيقية من خلال إضافة كلمات بعض الألعاب الشعبية العمانية ملحنة للأطفال، لكنها في رأيي كانت محاولات غير موفقة، فتوجد ضمن التراث العماني ألعاب أفضل منها، ألعاب بها كلمات ذات معانٍ مميزة تنمي المواطنة والسمات البطولية والقيم لدى الأطفال.”
وشاركت الدكتورة وفاء الشامسية الفائزة بجائزة الدوحة في مجال مسرح الطفل برأيها قائلة “يقول وليم وردزورث: إنّ كلّ شاعر عظيم هو معلّم، وأحبّ أن يعدّني الناس معلّماً أو لا شيء. وقال أيضاً: على الشّاعر أن يختار حوادث ومواقف من مألوف الحياة، ويقدّمها جهد الإمكان في لغة منتقاة مما يستعمله النّاس فعلاً. وقال فيكتور هوجو: إن رسالة الشّعر ليست النظم للغناء فحسب، بل على الشّاعر أن يحثّ على العدالة، وينافح عن الحق …، إن مهمّة الشاعر إثارة الحماسة في نفوس الجماهير…ومما تمّ تداوله في الفترة الأخيرة وكان لزامًا عليّ، التوقف عنده هو الأنشودة الشعبية (غزالة غزلوكي) المدرجة في أحد مناهج وزارة التربية والتعليم بالسلطنة؛ فالاستناد إلى الموروث الشعبي الغنائي في الصفوف الدنيا من الأمور المحبّبة لدى الطفل، كونه يميل بطبيعته إلى الغنائية، بما فيها من متعةٍ سمعية وفنية، وما يتردد في ذهنه من إيقاعات موسيقية، إضافة إلى ما يقدّمه الموروث من دروس وعبر في قالب حكائي سلس وبسيط. وللأمانة فأنا ربيتُ في محافظة لا أتذكّر فيها أننا ردّدنا هذه الأهزوجة، إن صحّت التسميّة، كحال كثيرين من أولياء الأمور الذين استرعت أسماعهم أصوات أبنائهم وهم يرددون (غزالة غزلوكي، بالماي دعبلوكي) حال عودتهم من المدرسة، لدرجة أن إحدى الأمهات قالت لي بأنها تسرّعت بالحكم على ابنها حتى أخبرها بأن ما يردده هو أنشودة طلبت منهم المعلمة أن يحفظوها عن ظهر قلب”.
وأضافت الشامسية الشاعرة وكاتبة الأطفال ” بالبحث عن أصل هذه الأهزوجة والمناطق التي انتشرت فيها، وجدتُ أنها لم تكن حصرًا على محافظات سلطنة عمان، بل هناك نسخة مشابهة لها في العراق، ونسخة أخرى في مصر، ولست هنا للتدليل على ذلك أو تناوله بالشرح والتفسير لكني وددت الإسهام بحكم خبرتي في مجال أدب الطفل من خلال التركيز على الفائدة المرجوّة من هذه الأهزوجة بعد أن يتناولها التلميذ، فيرددها حتى يحفظها ثم قد يؤديها في طابور المدرسة أو في الحصة أمام زملائه”

وختاما قالت الدكتورة” ضمن هذا الطرح الذي أتناوله أود الوقوف على الوظيفة أو الفائدة التي ستتحقق لدى الطفل، فالأهزوجة تدل على حدثٍ مبهم، غير واضحة أسبابه ولا نتائجه. إضافة إلى أنها، لا تعزّز الذائقة الفنية والغنائية أسوة ببقية الأهازيج والأغاني المتداولة في مجتمعنا، ولا تضيف لقاموس الطفل اللغوي سوى بضع مفرداتٍ غريبة في الصياغة، مجهولة في المعنى. وأؤكد هنا في هذا المقام أن العبرة ليستْ بحشو المناهج بأغاني الألعاب الشعبية، والأهازيج والموروث الشفهي، بل العبرة في الانتقاء لما سيسهم فعليًا وضمنيًا في صقل المنظومة القيمية لدى التلاميذ، وتنمية الذائقة الفنية والسماعية لديهم”
من جهتها قالت الباحثة مرفت بنت عبدالعزيز العريمية ” إن النص المذكور الذي يخص التراث الشعبي العراقي لا يحتوي على قيمة تربوية، أو تعليمية أو جمالية أو معرفية أو اجتماعية يتناسب مع المرحلة العمرية مرحلة اكتساب الطفل المهارات الأساسية”



وفي ختام هذا الاستطلاع عبر “أثير” يقترح الدكتور عامر العيسري ضرورة تدخل المؤسسات الأدبية والتعليمية لمعالجة أزمة قصور محتوى المناهج مثل النادي الثقافي وجمعية الكتاب وغيرها.